كتب كمال خلف
في القدس رئيس فاقد للشعبية ويترنح على وقع ازماته الداخلية يجتمع برئيس حكومة تصريف اعمال لتقرير مستقبل شعوب ودول لها تاريخها وثقافتها وهويتها وكيانها. ويقررون خطط ومشاريع واحلاف لمستقبل هذه المنطقة، كما تخطط انت عزيز القارىء العربي لتأثيث بيتك او تنظيم مزرعتك. وكأن الجغرافية العربية ومن عليها من بشر ملك لجد يائير لابيد او عقار لوالد جو بايدن.
المشهد هذه الأيام في منطقتنا تراجيدي جدا ومحزن ومقرف، خاصة والشعوب العربية تتفرج على تهافت قادتها لطاعة السيد الأمريكي وربيبه الإسرائيلي بدون خجل او وجل من تاريخ بلادهم وأرث اجدادهم وحضارتهم وعقيدتهم وقيم مجتمعاتهم وقضاياهم ودماء شهدائهم ، ودون مراعاة لمشاعر شعوبهم حالة من الانصياع المذل والمازوشية المفرطة، والطاعة المستسلمة .؟؟ “أليس فيكم رجل رشيد” “يا ويلكم من التاريخ ومن غضبة روح هذه الامة ان غضبت واخرجت اثقالها”.
“ان نكون ودودين مع من يكرهوننا وقساة مع من يحبوننا.. تلك هي دونية المتعالي وغطرسة الوضيع”
يا سيدة الرئيس “محمود عباس” وقد قاربت التسعين من عمرك. لماذا تقبل لقاء اربعين دقيقة يجتمع معك بها الرئيس الأمريكي بعد قضائه ثلاثة أيام في إسرائيل داعما ومساندا وموافقا على كل الجرائم بحق شعبك. طبعا مع الترحيب والترجمة والبروتوكول قد يبقى لك عشرين دقيقة. هل القضية الفلسطينية باتت تختصر بهذا الوقت لمناقشتها؟ ماذا يحدث لو رفضت هذه الإهانة؟ وتركت هذه الدنيا “الاعمار بيد الله “بموقف مشرف يذكرك به التاريخ ؟ ماذا عنده ليخسره الشعب الفلسطيني؟ مساعداتهم قطعوها، مكاتب المنظمة اغلقوها، الأرض محتلة، والقدس تهود، والدم يسيل والشعب مشرد او داخل المعتقلات.
اما ما تسمى “وثيقة القدس” الموقعة بين الرئيس الأمريكي وإسرائيل وبعد قراءة النص الكامل لها بتمعن ، يمكن القول انها وثيقة إسرائيلية بامتياز بتوقيع امريكي.
ـ أولا لانها تحتوي على كل اشكال الدعم المالي والعسكري والسياسي والتكنولوجي لإسرائيل بدون شروط. والاهم الالتزام الأمريكي بتفوق إسرائيل العسكري والنوعي، وهذا ما يجب ان تسمعه جيدا كل دول وحكومات المنطقة اللاهثة للقاء بايدن في جدة الثلاثاء المقبل ان كانت تولي اهتمام لمصالحها ومستقبلها على ارضها.
ـ ثانيا الوثيقة تجرم كل اشكال المقاومة حتى السلمية منها. بدهي ان تجرم واشنطن وتل ابيب الكفاح المسلح وحركات المقاومة “هذا ليس جديد”، لكن اللافت هو الإشارة الى تجريم حركة المقاطعة ضد إسرائيل وهي شكل من اشكال التعبير السلمي ، وحق من حقوق الهيئات والمؤسسات والمجتمعات الرافضة للاحتلال والعنصرية والقتل والتهجير القسري. وتجريم اللجوء الى القانون لمعاقبة إسرائيل في المحاكم الدولية . والمفارقة انهم يقولون في ذات البيان انهما ملتزمان بالديمقراطية وحكم القانون. أي قانون يحرم شعب من المطالبة بنيل حريته والدفاع عن نفسه وتقرير مصيره.
الأخطر هو وربط المقاومة بكافة اشكالها للاحتلال الإسرائيلي بجرم معادة السامية . وهذا سيف مسلط على كل الشعوب والنخب والاحرار المؤيدين لقضية الشعب الفلسطيني العادلة . انها عملية تكميم افواه وتهديد وابتزاز بأسلوب البلطجة ، وحماية وتحصين لكل عمليات الاجرام التي تقوم بها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة .
وتدين الوثيقة الهجمات ضد المواطنين الإسرائيليين فقط ، مع ان إسرائيل تمارس القتل اليومي لابناء الشعب الفلسطيني . والفلسطيني هو من يتعرض للقتل والاعتقال وهدم المنازل ومصادرة البيوت والتهجير. لكن العنصرية والاجرام والغزو والاحتلال والنهب هي القيم التي يقول بايدن ان أمريكا تتشاركها بالفطرة مع إسرائيل . لذلك يراها حق لإسرائيل . انها ثقافة وقيم قطاع الطرق والمجرمون الدوليون والارهابيون العالميون.
وفي الإشارة الى حل الدولتين فالخداع الإسرائيلي بائن في الوثيقة ، لان كل بنود الوثيقة تقول التزام الطرفين الا فقرة حل الدولتين، تقول الوثيقة “يعيد الرئيس بايدن التأكيد على دعمه الطويل الأمد لحل الدولتين “، أي ان الرئيس الأمريكي وحده وليس إسرائيل المعني بحل الدولتين . وتشير عبارة طول الأمد الى ان الرئيس بادين لا يتحدث عن حل الدولتين الان، او في الاجل القريب، انما في الاجل البعيد. أي لا شيء الان يدعو للعمل لتحقيق حل الدولتين . والبديل عن ذلك هو ما ورد في الوثيقة عن مبادرات اقتصادية وتحسين شروط الحياة للفلسطينيين، أي بمعنى اخر التعامل مع الشعب الفلسطيني باعتباره مجموعة سكان يجري العمل على تحسين ظروف حياتهم ، ويبقوا بحالة سكون وركون لهذا الواقع ، وليسوا شعبا تحت الاحتلال يسعى لتقرير مصيره.
لعمري انها وثيقة اعلان الحرب على الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. بل هو اعلان حرب على كل الشعوب العربية والمسلمة، من خلال تنصيب إسرائيل المتفوقة عسكريا وسياسيا ونوعيا حسب الوثيقة كقائدة للمنطقة وبدعم مباشر امريكي.
هذه الوثيقة وهذه التحالفات ، وهذا الانبطاح الرسمي العربي وتمرير هذه الجريمة ليست قدرا علينا كشعوب في هذه الأرض. العالم يتغير ، ونحن يجب ان نتغير وندفع باتجاه التغيير، أمريكا اسطورة تتهاوى ، وسيتهاوى معها الخدم والحشم ورهط من الجبناء والعملاء، هذا وعد الله ووعد من امنوا به وبأمتهم. وفي هذه الأرض رجال صدقوا ما عاهدوا الله وان كانوا قلة وان كانوا فقراء، الا ان ضمير هذه الامة يجب ان يكون معهم وخلفهم وحامي لهم. والعاقبة لمن صدق وآمن.
كاتب اعلامي
Discussion about this post