ترفض المحكمة العليا في كيان الاحتلال الافراج عن الأسير خليل عواودة إلى الآن. على الرغم من الشروط التي ضمنتها مصر، لوقف المعركة بين “إسرائيل” والجهاد الإسلامي. وهو ما يعد ضربة للقاهرة التي لعبت دور الوساطة وضمنت تنفيذ ما اتفق عليه بين الجانبين. في حين أشارت صحيفة هآرتس العبرية إلى وجود توتر بين مصر وإسرائيل، على خلفية ما يجري. وقالت في مقال لها “يبدو أن المشكلة هذه المرة هي شعور مصر بأن إسرائيل لا تتعامل بجدية مع جهود الوساطة التي تقوم بها، بل وتتجاهل الحاجة إلى دفع ثمن مقابل الهدوء الذي نجحت هذه الجهود في تحقيقه”.
النص المترجم:
لم تنجح محاولة العثور على ذكر للتوتر مع إسرائيل في أجهزة الإعلام المصرية. حتى إن وسائل إعلام عربية أخرى لم تحصل على أي ردود رسمية أو غير رسمية من مصر، واضطرت إلى الاكتفاء بتقارير من إسرائيل واقتباس لأقوال وزير الدفاع بني غانتس. بلغة الإشارات المصرية، هذا دليل إيجابي على أن الرئيس عبد الفتاح السيسي يسعى لاستيعاب التوتر، يفضل أن تكون إسرائيل مدينة له في تصفية حساباته المتبادلة.
تفسير هذا التوتر الذي نشر عنه في البداية في صحيفة “هآرتس” معروف؛ فإسرائيل خيبت أمل مصر عندما اغتالت، خلافاً لطلبها، القائدين في الجهاد الإسلامي ولم تطلق سراح المعتقلين بسام السعدي وخليل العواودة، اللذين -حسب ادعاء مصر- تعهدت بإطلاق سراحهما، وأسقطت قبل شهرين طائرة مصرية مسيرة في سماء سيناء. كما أن هناك قصة الكشف عن قبر جماعي للجنود المصريين الذين قتلوا في 1967 قرب دير اللطرون، الذي أقيم فوقه موقف سيارات، فأضاف مدماكاً تاريخياً وحساساً للتوتر بين الطرفين.
كل حدث من هذه الأحداث بحد ذاته ربما لم يكن ليثير هذا القدر من الغضب المصري، الذي تمثل ضمن أمور أخرى، بإلغاء زيارة رئيس المخابرات المصرية عباس كامل لإسرائيل. حسب أقوال مصادر أمنية إسرائيلية، فإن القاهرة اقتنعت بتفسير إسرائيل حول إسقاط الطائرة المسيرة في سيناء. تقارير نشرتها في السابق وسائل الإعلام الإسرائيلية حول قتل أسرى مصريين في الحروب حصلت في الواقع على تناول كبير في وسائل الاعلام المصرية، لكنها لم تؤد إلى شرخ في العلاقات.
يبدو أن المشكلة هذه المرة هي شعور مصر بأن إسرائيل لا تتعامل بجدية مع جهود الوساطة التي تقوم بها، بل وتتجاهل الحاجة إلى دفع ثمن مقابل الهدوء الذي نجحت هذه الجهود في تحقيقه. “قدرة تأثير مصر على “الجهاد الإسلامي” تختلف كلياً عن قدرة تأثيرها على “حماس”، شرح للصحيفة محلل مصري يعمل في صحيفة رسمية. وحسب قوله، “حماس تعتمد على مصر أكثر من اعتمادها على إسرائيل، بالحاجة إلى الحفاظ على معبر رفح مفتوحاً، ونقل البضائع، وحركة المواطنين وقدرتهم على السفر إلى الخارج، وأعمال الترميم التي تنفذها مصر في غزة. هذه هي نقاط ضعف حماس التي تلزمها بالموافقة على طلبات القاهرة”.
الدول ومن بينها الإمارات والمغرب والبحرين والأردن، وبشكل جزئي السعودية، طبّعت علاقاتها مع إسرائيل، بل وتحرص على التأكيد دائماً على التزامها بحل النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. التدخل النشط لمصر في غزة، وبصورة أقل في الضفة الغربيةيعفيها من الحاجة إلى الانشغال بالنزاع، شريطة أن تنجح القاهرة في منع انزلاقه إلى أراضيها، مثلما يحدث عندما تحدث مواجهات في الحرم. فبعد تطبيع العلاقات مع إسرائيل، يقتضي منها الأمر تفهماً زائداً لمشاعر هذه الدول في كل ما يتعلق بالتطورات في “المناطق” [الضفة الغربية]، والدور المهم لمصر في استيعاب المواجهات وحلها.
هذه شبكة علاقات جديدة وواسعة، لا تسمح لإسرائيل بتجاهل التحذيرات وطلبات دول عربية صديقة. وهي الدول التي يمكنها تقييد حرية النشاطات العسكرية والاقتصادية في المناطق بشكل عام وفي قطاع غزة بشكل خاص. في السابق، كان باستطاعة إسرائيل الاعتماد على الدعم الأمريكي التلقائي وعلى التعاون الأمني مع مصر كدعم كاف للقيام بعمليات عسكرية. ولكن عليها الآن أن تفحص تأثير خطواتها على الدائرة العربية – ولا يقل عن ذلك شبكة العلاقات بين الدول العربية ومصر. وعندما لا تنجح مصر في تزويد البضاعة في نظر “الجهاد الإسلامي”، فمكانتها تتضرر ليس فقط أمامه، بل وأمام حماس، وأمام الدول العربية الأخرى المرتبطة بإسرائيل.
ما لا يقل عن ذلك أهمية في نظر مصر هو الحفاظ على مكانتها أمام الولايات المتحدة كدولة متميزة في إسهامها في حل المواجهات. عندما تدير القاهرة صراعاً قوياً أمام الكونغرس الأمريكي على حجم المساعدات التي ستحصل عليها وعلى المشتريات العسكرية، أو عندما تطلب قرضاً من صندوق النقد الدولي لإنقاذ الاقتصاد المصري من الأزمة العميقة التي يعيشها، فإنها تواجه بمعارضة. ذريعة الكونغرس هي المس الكبير بحقوق الإنسان في مصر، الذي كلفها تجميد جزء من المساعدات الأمريكية. تجيب مصر على ذلك بأنها تدير نضالاً كبيراً ضد الإرهاب وتستثمر الأموال في إعمار غزة وتتوسط بين إسرائيل والتنظيمات في القطاع.
في هذه المعركة الدبلوماسية، إسرائيل تساعدها دائماً بواسطة اللوبي الإسرائيلي ورجال السفارة في الولايات المتحدة، وبواسطة المحادثات بين شخصيات إسرائيلية رفيعة ونظرائها في واشنطن. ولكن عندما تمس إسرائيل بقدرة وساطة مصر في غزة فإنها تسحب البساط من تحت أقدام أحد الأساسات الدبلوماسية الرئيسية التي تعتمد عليها علاقتها مع الإدارة الأمريكية. التعاون العسكري والسياسي والاستخباري بين إسرائيل ومصر هو الآن في ذروته، لكنه لا يأتي من تلقاء نفسه؛ فالدولتان دفعتا وتدفعان الثمن من أجل الحفاظ عليه وتعميقه. وإدارة غزة خلقت اعتماداً متبادلاً بينهما، تحول إلى ذخر استراتيجي مشترك يقتضي التطوير، وبالأساس احترام التنسيق بينهما والتفاهمات القائمة.
Discussion about this post