تعيش المنطقة منذ إصدار القرار 1959 تحولاً في إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية الّتي عملت بصورة حثيثة على ولادة “شرق أوسط جديد” أعلنت عنه صراحةً إبان حرب تموز الـ 2006. حيث أرادت و”إسرائيل”، ضرب مناعة لبنان وقوته، أي الاستفراد بخاصرة سوريا الرخوة تمهيداً لجرّها ولبنان إلى ما يسمّونه “السلام”، والذي كان ليشكّل كارثةً مذلةً لو حصل.
فشلت حرب تموز في هزيمة حليف سوريا الاستراتيجي في لبنان، لتبدأ بعدها، في ربيع الـ2011، حربٌ أخذت شكلاً آخر أكثر وحشيّة، حربٌ بالواسطة من خلال الجماعات الإرهابية. كان الهدف من هذه الحرب الكونية نفس هدف حرب تموز، أي إخضاع سوريا وجرها إلى الاستسلام، ومن ثم السلام المزعوم. كان الطريق إلى ذلك، محاولة تدمير الدولة الوطنية المركزية وكسر سلطتها، محاولة كسر إرادة الجيش العربي السوري، تدمير العمران والبنى التحتية، تدمير الإقتصاد وتفتيت المجتمع وفق رؤى إثنيّة وطائفية.
صمدت سوريا رغم كل العقبات بمساعدة حلفائها: حزب الله وإيران وروسيا. وهنا نؤكّد على صواب خيار وقرار الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي خاض هذه الحرب إلى جانب الجيش العربي السوري والمقاومة، معلناً أنه يقوم بواجب الدفاع عن الأمة ومصالحها وخياراتها الاستراتيجية. وهو سطّر ملاحم بطولية ستخلّد في وجدان السوريين لأجيال وأجيال.
هذا الانتصار السوري الكبير دفع بالولايات المتحدة الأمريكية إلى استخدام الوسيلة الثالثة (بعد الحرب المباشرة والحرب بالواسطة) لضرب سوريا ودولتها ولجرّها إلى الاستسلام: الحصار الاقتصادي من خلال قانون قيصر.
شدّد هذا القانون الحصار على الاقتصاد السوري، ورغم أن الغرب يدّعي أن العقوبات المفروضة هي ضد الحكومة السورية، إلا أنها تعاقب المواطن السوري وتدفع به إلى المزيد من الفقر والمعاناة، ما أدخله في دوامة الصراع لتحصيل قوته اليومي. هذا الأمر تفاقم مع ارتفاع معدلات التضخم وانهيار قيمة العملة الوطنية وترافق مع ارتفاع أسعار السلع والمواد التي زادت بمعدل 50 ضعفاً، مقارنة بأسعار العام 2010.
لم يكن لبنان، ذو الاقتصاد الصغير نسبياً بالمقارنة مع الاقتصاد السوري، بعيداً من هذه المعاناة، حيث دخل منذ نهاية العام 2019 بأزمة مالية كان لها الكثير من التداعيات السلبية اقتصاديًا، اجتماعيًا، ومعيشيًا.
هُنا، من البديهي القول إن لهذه الأزمة أسبابها الداخلية، كاتباع سياسات اقتصادية تعتمد بشكل أساسي على الريع، الفساد وهدر أموال الخزينة العامة، أو حتى تهريب العملات الصعبة الى الخارج؛ ولكن في الحقيقة أن هذه الأزمة عُمقت من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة، لتتحول حصاراً مفروضاً على لبنان وأبنائه بهدف خنق بيئة المقاومة اقتصادياً، في محاولة لتجييشها ضد حزب الله؛ وهو يهدف أيضاً، أي الحصار، الى تحميل المقاومة و سلاحها مسؤولية الأزمة المالية الصعبة التي يرزح تحت وطأتها اللبنانيون جميعهم؛ وهو يهدف، أي الحصار، إلى دفع لبنان نحو الاستسلام على قاعدة “الخبز والدواء مقابل السلام”. إن هذا الحصار جعل المواطن اللبناني يعاني على المستويات كافة (كهرباء، ماء، تعليم، طبابة، تدفئة، دواء، حليب أطفال، الخ)، وهدد الأمن الغذائي لأبناء شعبنا في لبنان، ورافقه تضخم كبير وتراجع مهم في قيمة العملة الوطنية.
مما سبق ذكره، يمكننا التأكيد على أن للحصارين الاقتصاديَّين على لبنان وسورية أهداف سياسية مشتركة، متشابهة ومترابطة ولم يحققاها؛ فسوريا أصبحت أقرب إلى المقاومة وإيران وأثبت سلاح المقاومة في لبنان أنه ليس السبب في الأزمة، بل هو الوسيلة الأمثل للحفاظ على قوة لبنان ومقدراته وثرواته، مائية كانت أو نفطية أو غازية.
إذا ابتعدنا عن منطق التسويات والحوارات الإقليمية الدولية التي من الممكن لها إيجاد حل يضمن مصالح دمشق وحمايتها، ويبدد هواجسها ويضمن أمن الحدود، ويعالج مشكلة النازحين ويؤمن مرور أنابيب النفط والغاز عبر سوريا إلى أوروبا، يبقى الحل الأمثل بالتنسيق والتعاون والتكامل بين الكيانين لمواجهة الحصار. وهنا لا بد من الإشارة إلى موقف الدولة السورية المتعاون و المنفتح. وبالتالي ندعو الدولة اللبنانية إلى المضيّ قدماً في مجال التعاون المشترك، لما في ذلك من مصلحة عليا لأبناء شعبنا في لبنان، ولنمو الاقتصاد اللبناني. إن التكامل بين الكيانين ضرورة حتمية تفرضها وقائع التاريخ والجغرافيا، وهو يشكل ركيزة أساسية لتخطي الصعوبات الاقتصادية التي يمران بها. لذلك لا بد من تطوير و تنفيذ الاتفاقيات المشتركة، فيتأمن بالدرجة الأولى الأمن الغذائي، لا سيما في لبنان، وتستفيد سوريا من خبرة لبنان في اقتصاد …
رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي ربيع بنات
المصدر: صباح الخير البناء
Discussion about this post