أعربت دولة الاحتلال الإسرائيليّ عن قلقها العارم من استعادة الجيش العربيّ السوريّ قدرته بعد أنْ تمّ استنزافه في الحرب الأهليّة التي استمرّت زهاء العقد من الزمن، وقالت دراسةٌ جديدةٌ صادرة عن مركز أبحاث الأمن القوميّ التابع لجامعة تل أبيب، إنّه في السنة الأخيرة يمُرّ الجيش السوريّ في عمليات إعادة تأهيلٍ معقدّة ومُركّبة لكي يعود الجيش إلى سابق عهده، وذلك في موازاة عمل الحكومة السوريّة في إعادة ترميم المباني والمنشآت المدنيّة التي تسببت لها الحرب الأهليّة بالضرر البالغ.
واستدركت الدراسة قائلةً إنّه على الرغم من أنّ الجيش السوريّ ما زال بعيدًا من أنْ يعود لاعبًا مركزيًا في منطقة الشرق الأوسط، ويُشكِّل تهديدًا على دولة الاحتلال، وما زال يُواجِه تحديّاتٍ أخرى، بيد أنّه من الواجب فحص ودراسة عملية استقواء الجيش السوريّ في المجاليْن التقليديّ، مثل تقوية قوّة النار، مسيّرات والدفاعات الجويّة، وفي المجال غيرُ التقليديّ، يجِب دراسة القدرات غير التقليديّة مثل الهجوم الكيميائيّ، وحتى الطموح السوريّ، الذي لم يتوقّف يومًا، في التحوّل لدولةٍ نوويّةٍ، على حدّ تعبير الدراسة الإسرائيليّة.
علاوة على ما ذُكِر أعلاه، شدّدّت الدراسة الإسرائيليّة أنّه يتعيَّن ويتحتَّم على صُنّاع القرار في تل أبيب أنْ يقوموا بتحديد السياسات تجّاه سوريّة، وفي مُقدّمتها وضع الخطوط الحمراء التي تسمح فيها إسرائيل لسوريّة بتقوية جيشها، كما أنّ الحكومة الإسرائيليّة ملزمة بالتنسيق بين المعركة بين الحروب وتقوية علاقاتها مع دولٍ في المنطقة من أجل تقليل التهديد السوريّ الناشئ، بالإضافة لدراسة القيام بعملياتٍ عسكريّةٍ مُشتركةٍ لوأد هذا التهديد، كما قال الخبراء الذين أعّدوا الدراسة.
ووفقًا للدراسة فإنّ الجيش العربيّ السوريّ، الذي تمّ إنشاؤه على مدى سنواتٍ طويلةٍ كان أحد أهدافه المركزيّة حسم المعركة العسكريّة مع إسرائيل لصالحه، وحتى قبل اندلاع الحرب الأهليّة في بلاد الشام، شدّدّت الدراسة، كان هذا الجيش يُشكِّل تهديدًا أمنيًا مركزيًا على كيان الاحتلال.
ورأت الدراسة الإسرائيليّة أنّه على خلفية قرار روسيا في العام الفائت 2022 بسحب بطاريات الصواريخ من طراز إس 300 من سوريّة بسبب الحرب الأوكرانيّة، فإنّ التعاون السوريّ-الإيرانيّ سجلّ رقمًا قياسيًا في التعاون بينهما لتزويد الجيش العربيّ السوريّ بأسلحةٍ وعتادٍ عسكريٍّ لمُواجهة إسرائيل، مُشيرةً إلى أنّ إيران تمتلك مجموعة متطورّةً من الصواريخ المُضادّة للطائرات، والتي من شأنها أنْ تؤدّي لتحسّنٍ كبيرٍ في أداء الجيش العربيّ السوريّ، مُشدّدّةً في الوقت عينه على أنّه في شهر أيّار (مايو) الماضي أعلنت إيران رسميًا عن قيامها بتزويد سوريّة بمنظومات دفاعاتٍ جويّةٍ من طراز (خرداد 15)، ونيتها الاستمرار في تزويد دمشق بمنظومات الأسلحة المتقدّمة.
أمّا فيما يتعلّق بالسلاح النوويّ السوريّ، فرأت الدراسة أنّ المعلومات الأخيرة عن البرنامج النوويّ في دمشق تمّ نشرها في العام 2018، عندما ادعّت مصادر فيما يُسّمى بالمعارضة السوريّة بأنّ الرئيس د. بشّار الأسد يعمل على إنتاج قنبلةٍ نوويّةٍ بمُساعدةٍ إيرانيّةٍ، ولذا، قالت الدراسة فإنّ كميات اليورانيوم الطبيعيّ التي تملكها سوريّة، والمعرفة والإلمام بالبرنامج النوويّ تُيران القلق في إسرائيل، وأنّ هذه الأنباء تُصبِح مقلقةً أكثر بسبب العلاقة الوطيدة جدًا بين طهران ودمشق، كما أنّ الخبراء في الكيان لم يستبعدوا قيام سوريّة بتزويد إيران باليورانيوم الطبيعيّ لشكرها على مساعدتها في الحرب الأهليّة، على حدّ تعبيرها.
وبوقاحةٍ سافرةٍ، أوصت الدراسة الإسرائيليّة صُنّاع القرار في الكيان بأنْ تقوم المنظومة الأمنيّة بالتعاون مع المُستوى السياسيّ بتعريف الخطوط الحمراء التي تسمح بها إسرائيل لتعاظم قوّة الجيش العربيّ السوريّ، شريطة أنْ يبقى قسمًا من هذه الخطوط الحمراء سريًا، فيما تُعلِن إسرائيل علنًا ورسميًا عن الخطوط الحمراء الأخرى التي لا تسمح لسوريّة بأنْ تتزوّد بها، كما قال الخبراء الثلاثة الذين أعّدوا الدراسة الإسرائيليّة.
وخلُصتْ الدراسة إلى القول إنّ الكيان قادرٌ على تجيير علاقاته مع الدول العربيّة واستثمار عودة سوريّة إلى جامعة الدول العربيّة بهدف المُساهمة في إعادة ترميم سوريّة مدنيًا من جديد، وذلك على حساب إعادة تأهيل الجيش، لافتةً في الوقت عينه إلى أنّ عودة الرئيس الأسد للحضن العربيّ سيزيد من كمية الأموال العربيّة التي سيتّم استثمارها في سوريّة لإعادة ترميمها، ولذا فإنّ إسرائيل، تابعت الدراسة، قادرة على المساعدة في توزيع الأموال العربيّة المُخصصة لإعادة بناء سوريّة مدنيًا، وقادرةٌ على مراقبة عملية التأهيل لمنع النظام السوريّ من تقوية نفسه عسكريًا، ولذا يتحتّم على إسرائيل توثيق علاقاتها مع أجهزة الاستخبارات العربيّة مع دول السلام مثل الأردن ومصر ودول اتفاقيات التطبيع (أبراهام)، والعمل سوريّةً لرسم سياسةٍ تُعنى بالوصول للمصالح المُشتركة لهم بسوريّة، طبقًا للدراسة الإسرائيليّة.
Discussion about this post