يحاول الجميع أن يفهم حقيقة ما يجري في السويداء، فمنذ تصريح الشيخ حكمت الهجري الذي ظهر على وسائل التواصل الاجتماعي وأخبار اتصاله بالنائب الجمهوري فرينش هيل، والتكهنات أكثر من التحركات في السويداء. وما زال حتى اليوم حجم تحرك الانفصاليين على حاله.
في البداية حاولوا تسميتها ثورة شعبية ضد الغلاء، ولكن بعد أن ظهرت مناسف المليحي، وهي وليمة حورانية تشتهر بها كل من درعا والسويداء، المعمرة بلحم الضآن، الغنم اليافع، وأكواز كبة اللحمة، والتي نكهت بكفاكير من سمن الغنم البلدي ومرق الكثي “اللبن المجفف”، بات الكثيرون يتساءلون عن الفقر الذي يتحدث عنه المعتصمون في ساحة الكرامة في السويداء. لكن الأمر أكبر من الجوع والفقر بكثير، يبدو أنها ثورة 17 تشرين 2019 بحلة جديدة، ولكن في السويداء عوضاً عن بيروت.
هل وقع الشيخ حكمت الهجري في المصيدة؟
ثمة نقطتان، الأولى، بعد أن فشل التحرك في السويداء باستقطاب المزيد، لأن الثابتين بقوا ثابتين، كان لابد من استقطاب أحد أعمدة المرجعية الهامة في السويداء، فوقعت المصيدة على الشيخ حكمت الهجري، فهل هو وقع متعمد أم بالصدفة؟
في الحقيقة أن ما حدث له علاقة بعميل من السويداء يعيش في الولايات المتحدة الأميركية (ماهر شرف الدين) والذي نصب المصيدة للشيخ الهجري، وخاصة بعد أن اقتحم المسلحون المنتفضون منزله. فخلال اتصال مع الصحافي رفيق لطف، أشار الى قراءة مختلفة في طيات التصريح الأول للهجري، وقال إنه في التصريح الثاني للشيخ في 16 من هذا الشهر دلالة على أنه كان تحت ضغط من المسلحين والإرهابيين، واستدل الصحفي لطف على ذلك بأن الهجري كان محاطاً بمجموعة من الزعران والمسلحين، اذ كان هناك رجلان مسلحان بلباس تقليدي على يمينه وعلى يساره. وأشار إلى ان الهجري حذّر غير مرة من المؤامرة التي تحيط بسوريا والسويداء، وهو يعي ذلك تماماً، ويرفض أن يستخدم أبناء السويداء في حرب بالوكالة مع الدولة السورية كرما لعيون الأميركيين حسب الصحفي لطف، وأضاف أن الشيخ الهجري استخدم تعبير “بعض الحزبيين”، ولم يقل “البعثيين”، موضحاً، نحن أيضاً نستخدم تعبير “بعض الحزبيين” عندما نريد الحديث عن الفاسدين.
وأما في التصريح الثاني فقد جاء في وقت خلا فيه منزل الهجري من مظاهر السلاح، وكان الحضور لمشايخ ووجهاء من المدينة وقراها، وقال يومها إن الجيش السوري لنا والدولة لنا والعَلمُ لنا، وهم لأهل السويداء كما لأهل سوريا جميعاً، وأكد في المرتين وجوب أن يكون الحراك سلمياً، وأن من يحمل السلاح هو ليس من الشعب السوري. وحسب ما يشاع اليوم يبدو أن السلاح الفردي في السويداء بات في كل بيت، وهو أمر لا يُنبأ بالخير، الدولة السورية تعلم وأهل السويداء يعلمون أن الأغلبية في السويداء هم مع الدولة. ويبدو أن ما يحدث اليوم من مؤامرة تشبه مؤامرة حلب، التي استفاقت يوماً ووجدت المسلحين يعجون كالذباب في ساحة “الساعة”، ولم تكن حلب جزءاً مما حدث في درعا وغيرها، وبدأ المحذور، وهذا ما يُخشى منه في جبل العرب.
واللافت ان من يقود التصريحات على وسائل التواصل الاجتماعي هم أشخاص أمثال المعارض ماهر شرف الدين الذي يعيش في الولايات المتحدة، وأغلب الظن أنه هو من أوقع الشيخ الهجري في الشرك.
كما ان أشخاصاً مثل كمال اللبواني، ومشهور حمشو، ومالك كرباج، ومالك أبو الخير هي من تذيع أخبار الشيخ وتصريحاته، وهي معروفة بارتباطها ليس فقط بالمخابرات الأميركية، ولكن بالمخابرات الإسرائيلية عن طريق الشيخ “موفق طريف” الذي تسلم موقع خاله بأمر من الصهاينة، ويعمل منذ بداية الأزمة على تغيير وجه المرجعية في السويداء. وأما مالك أبو الخير فهو عميل للمخابرات الفرنسية ومؤسس حزب اللواء السوري في فرنسا. وأما من نشر خبر ذهاب الشيخ الهجري إلى التنف فهو “فيصل القاسم” على صفحته على تويتر.
السويداء منطقة ذات حكم ذاتي: نحو هاوية الكانتونات، المذبح في درعا والعرس في شمال فلسطين
النقطة الثانية، المراد بالبلبلة، التي ترافقت مع ما أُقحم به الشيخ الهجري، أولاً، التشكيك بقدرة المرجعية في السويداء على اتخاذ مواقف صارمة تمهيداً لربط مرجعية السويداء بموقف طريف في شمال فلسطين المحتلة. وثانياً، إقحام بعض الأسماء الوطنية من السويداء مثل الشاعر باسم عمر وهو أحد الأبطال الذين حموا مطار الثعلة في السويداء وغيره. ثالثاً، ردات الفعل في أوروبا والولايات المتحدة حول وجوب حماية السويداء، تثبت أن المطلوب من تحركات “مناسف المليحي” هو تدويل القضية لتسمح بالتدخل المباشر لقوات التحالف، ويبدو أن الفرنسيين والأميركيين على تناغم تام بما يتعلق بها. ورابعاً، عود على بدء في كل مرة، اذ لم يمل الأميركيون من محاولة تنفيذ مخطط برنارد لويس بإعادة تقسيم المنطقة على أساس طائفي أو إثني إلى دويلات ترتبط بالقرار الأميركي، ولذلك فإن الأميركيين اختلقوا التحركات من أجل إعادة مشروع تأسيس دولة درزية في سوريا، والتي أشعل من أجل دحضها سلطان باشا الأطرش الأرض تحت أقدام الفرنسيين، ومعه جدّ الشيخ الهجري، الذي حارب العثمانيين والفرنسيين وتم إعدامه على يد الفرنسيين، فهل هناك أفضل منه تاريخاً لإقحامه في المخطط. ويتضح في البيّن أن ما يريده الأميركيون هو بناء دولة درزية تمتد من إصبع الجليل حتى مناطق حاصبيا وراشيا وصولاً إلى الجولان ومن ثم جبل العرب في حوران، وهذا هو المخطط الذي بدأ في 2011.
في بداية ثورات “الربيع العربي”، والتي ثبت أنها فورات عبرية بامتياز، حاول الثورجيون من فصائل داعش والنصرة التسلل إلى جنوب لبنان ومهاجمة المقاومة عبر إصبع الجليل، وباءت المحاولات بالفشل. ولكن بالنسبة للأميركي والصهيوني فإن الحل من أجل حماية “اسرائيل” لن يكون إلا عبر ما اقترحته تركيا منذ بداية الحرب على سوريا وهو إنشاء مناطق عازلة من الموالين للصهيونية أو للأتراك أو للأميركيين. ولذلك فإن دولة درزية تمتد على كامل المساحة مع الجولان حتى حوران ومن ضمنه جبل العرب يمكنها أن تكون حلاً مناسباً يتم من خلاله تحييد الدروز في الجولان وفي السويداء، وبذا تكتمل منطقة العزل جنوباً في وجه عمليات المقاومة في لبنان. وإذا راقبنا تصريحات النائب، وليد جنبلاط، على تويتر يمكننا أن نفهم أن هذا ما يراد فعلياً سواء كان جنبلاط جزءً منه أم لم يكن. وقد انتشر ولأول مرة فيديو على وسائل التواصل لمجندة صهيونية وهي تهنئ زملاءها الذين وقفوا مع الدولة العبرية وحموا سياجها بعيد النبي “سبلان”، وهو عيد درزي لم نسمع به قبلاً، خطوة جديدة فعلياً. كما أن “موفق طريف” طالب في تصريح له نتانياهو وحكومته الاهتمام أكثر بدروز الجولان: “إجراء حساب للذات حقيقي وعميق بشأن تعاملها مع أبناء الطائفة الدرزية في إسرائيل”. وحذّر من أن عدم وضع حل لمشكلات القرى الدرزية في الجولان سينقل الاحتجاجات إلى “شكل آخر”. خطوات تُنبأ بما يُخطط له، وإلا لم يكن لموفق طريف الجرأة على قول ما قاله.
ثمة تصريحات أمريكية حول وجوب إدارة ذاتية في السويداء على غرار الإدارة الذاتية الكردية والتي سيكون لها أمنها الخاص واقتصادها الخاص عبر فتح معبر السويداء مع الأردن وإعلان السويداء منطقة حرة، ويسعى الأميركيون لتصبح منطقة حظر جوي مبدئياً، وهي الخطوة التي يجب ان تسبق خطوة الإمارة الدرزية المنشودة، وهذا ما صرح به مستشار الإدارة الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، وليد فارس. ولكن يجب الملاحظة أن من سيقع فريسة هذا المخطط هم أهل درعا، لأنهم سيقعون في منطقة حكم درزية، وسيكونون كبش الفدى على مذبح أمن الدولة العبرية المنشود، ولن يسمح بإقامة دولة أو إمارة سنية منفصلة في حوران، وسيصبح معبر نصيب الذي أغلقه الأردنيون منذ فترة الحبل الذي يلتف حول رقبتهم.
ربما على أهل درعا التنبه من أن ما بدوؤه في 2011 قد ينقلب على أهل المحافظة إذا تم تحييد الدولة والقبول بالتقسيم في الجنوب السوري وإن لم يكفوا عن مهاجمة الجيش العربي السوري والدولة أو وضع الحد لمن يفعل ذلك، وان يتذكر أهل درعا الخلاف القديم ما بينهم وما بين السويداء والذي نجم عنه ضحايا في نهاية القرن التاسع عشر، فإن جماعات السويداء المسلحة والمعارضة والتي تعمل مع ماهر شرف الدين ومالك أبو الخير ستستحضر الخلاف من أجل تبرير الهجوم واستغلاله لمصلحتهم. إنها حرب ضد سوريا وأهلها لا غالب فيها إلا الكيان الصهيوني والمخابرات الغربية الممثلة في التحالف. وعند التمعن في الخريطة التي وضعها برنارد لويس فإن حوران ستكون مقسمة ما بين الأردن ودولة الدروز المنشودة.
هذا ما يريده الأميركيون والصهاينة، فما الذي يريده السوريون؟
Discussion about this post