زيارة رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية الى بيروت خطوة مهمة للتقارب من محور المقاومة، حيث قُرأت في طيّات تصريحاته في المؤتمر القومي الإسلامي رسائل غزل الى سوريا، واكدت مصادر فلسطينية مطلّعة لموقع “الخنادق” أن هنية التقى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله لإبلاغه أن “حماس اتخذت القرار بالعودة الى دمشق”.
لم تكن هذه محاولات “حماس” الأولى في التودّد الى سوريا، فانتخابات العام 2017 خلطت الأوراق الداخلية للحركة، محيّدةً الشخصية الأساسية التي تسببت بقطع العلاقات مع الرئاسة السورية وهو الرئيس السابق للمكتب السياسي للحركة خالد مشعل الذي انجرف مع التيار المعادي للرئيس بشّار الأسد منذ بدء الأزمة عام 2011. وأعادت تلك الانتخابات توزيع مراكز القرار ضمن الحركة بين عدّة قيادات الى جانب هنية، من بينهم رئيس حماس في غزّة يحيى السنوار، ونائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري. لكنّ التحوّل الأهم في تلك الفترة تمثّل في التعديل الذي أجرته الحركة في وثيقتها السياسة الجديدة التي ألغت تعريف حماس بأنها “جناح من أجنحة حركة الإخوان المسلمين في فلسطين”، لتعرّفها بأنها حركة “تحرّر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني”. وأعلنت في المادة 37 من هذه الوثيقة أنها “تؤمن بالتعاون مع جميع الدول الداعمة لحقوق الشعب الفلسطيني وترفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، كما ترفض الدخول في النزاعات والصراعات بينهما”.
الزهّار يزور سوريا قريباً!
تستمر جهود حماس الحثيثة للعودة، حيث كشفت مصادر فلسطينية عن زيارة قريبة للقيادي في الحركة محمود الزهّار الى سوريا بتزكية من السنوار، بهدف رأب الصدع بين الطرفين لكن “بصفته الشخصية لا باسم حماس رسمياً”.
سبق ذلك مساعي طويلة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وحزب الله وفصائل فلسطينية في مقدمتها حركة الجهاد الإسلامي، لتقريب وجهات النظر ونقل رسائل الطرفين.
وعن فحوى الرسائل التي بعثتها حماس الى القيادة السورية قال مصدر فلسطيني مقرب من الحركة إن “الوسطاء أبلغوا دمشق أن حماس أجرت مراجعات ومقاربات سياسية خلال الفترة الماضية فيما يتعلق بموقفها من الازمة السورية، ووصلت لخلاصات مفادها أن ما جرى في سوريا هو مؤامرة هدفت لتقسيم سوريا وتفتيت قوتها من أجل إضعاف محور المقاومة والداعمين له”. وتابع أن حماس تنظر الى العلاقة مع سوريا على ضوء “تشكيل تحالف جديد يضم إسرائيل والدول العربية المعادية لمحور المقاومة في المنطقة، وهذا الأمر يفرض على الجميع إعادة اللحمة وتقوية محور المقاومة في المنطقة وادماج حركة حماس”.
ماذا تطلب دمشق؟
كلّ ما ورد سابقاً، يتماشى مع مطالب دمشق التي عبّر عنها الكاتب السياسي السوري الدكتور حسام شعيب في حديثه مع الخنادق لافتاً الى “أن حماس تدرك شروط دمشق قبل أن تطلبها الأخيرة”، وأهمها أن تبقى حماس في مربّع المقاومة والبندقية الفلسطينية. وقد ساهمت معركة سيف القدس بتليين الموقف السوري، ففي الفترة بين شهري أيار وحزيران 2021، نقل النخالة تحية من كتائب القسّام الى الأسد ردها الأخير بالمثل. لكن ردّ التحية لا يعتبر مؤشراً كافياً على أن سوريا ستفتح أبوابها من جديد للحركة، لأن دمشق تتعامل وفقاً لمبادئها الثابتة تجاه القضية الفلسطينية والمقاومة والصراع مع الكيان الإسرائيلي. وهو ما شدّد عليه الرئيس الأسد في تصريحاته عام 2013 حيث قال “كان الأوروبيون يأتون الينا ويسألون عما تفعله حماس هنا، كنا نقول لهم إنها حركة مقاومة…وحدها تلك الصفة التي أكسبت حماس احتضان سوريا ودعمها ورعايتها لها”. كما كشف الأسد عام 2014 أن تهديدات أمريكية وصلته بعد غزو العراق عام 2003 تقضي بطرد حماس “لكنّنا رفضنا ذلك وثبتنا على مواقفنا من منطلق إيماننا بالقضية الفلسطينية”.
في المقابل، أضاف الكاتب السوري شرطاً آخر لدمشق وهو أن “تقدّم حماس كل ما لديها من ملفات تدين بها أو تكشف بها شخصيات أو غرف عمليات أو عواصم عربية ساهمت بالعبث في سوريا”.
مشعل: حجر عثرة؟
وجّهت المصادر الفلسطينية أصابع الاتهام الى خالد مشعل فيما يتعلق بنشر التسريبات الإعلامية حول طرح مسألة عودة الحركة الى سوريا بالتزامن مع وصول هنية الى لبنان، وذلك بهدف التشويش والارباك. مشعل التي أظهرت نتائج انتخابات حركة حماس عام 2021 أنه استعاد تأثيره وحيثيّته، ولو ليس بالحجم الكبير السابق، لكن تلتقي المواقف الحمساوية والسورية على الأخذ بعين الاعتبار أن “عودة خالد مشعل ليست مؤثرة على مركز صنع القرار في حماس…وأن الحركة كتلة واحدة وهي على موقف واحد بعد اتخاذ قرار بالأغلبية على مستوى المكتب السياسي بإعادة العلاقات مع سوريا” وفقاً لما أوضحه المصدر.
كما أن دمشق ترى أن “حماس ليست خالد مشعل وهو لا يمثّلها كلها، وسوريا ليست مضطرة لاستقباله حيث أنه لا يمثّل قائداً فلسطينياً ولا قائداً عربياً. وعلى الرغم من أن دمشق عاملته معاملة الرؤساء في السابق لكنّه فضّل التحامل على الرئيس الأسد وخرج من سوريا بكامل إرادته متجاهلاً لقاءً كان سيجمعه مع الأسد” حسب الدكتور شعيب، وتابع أن “عودة مشعل لا تحدّد الموقف من عودة حماس الى سوريا، لأن دمشق تفرّق ما بين دعم الحركة الفلسطينية المقاومة وما بين شخصيات أرادت أن تأخذ الحركة الى غير نهجها الحقيقي”.
أفق عودة العلاقات
بعد سنوات من الجهود يبدو أن الأمور ستأخذ منعطفاً أكثر جديّة لناحية حسم المواقف والخيارات. وإذا ما نجحت الأطراف المعنية في كسر الجمود وتذليل العقبات فإن عودة حماس الى سوريا يعني التخلّص من نقطة إشكالية تقع في قلب محور القدس، وتتوّج من ناحية، استراتيجية وحدة الجبهات، ومن ناحية ثانية، تعتبر اعترافاً بانتصار سوريا في حرب دامت أكثر من 10 سنوات. الا أن الأمور يجب أن تطبخ على نار هادئة، فسوريا أيضاً تحتاج الى وقت لتنضج الظروف الإقليمية المناسبة لاستقبالها حماس من جديد.
Discussion about this post