تعرض المنظّر السياسي والفيلسوف الروسي، ألكسندر دوغين، لمحاولة اغتيال راحت ضحيتها ابنته، داريا، التي كانت تقوم بأعمال السيكرتيارية الخاصة به. بعد ان عدل عن قراره في التوجه لفعالية كان قد دعي إليها، بسيارته الخاصة، واستقلّ سيارة أخرى في آخر لحظة. في حين كشفت لجنة التحقيقات الروسية، اليوم، عن العثور على عبوة ناسفة أسفل مقعد السائق. وتعد محاولة الاغتيال هذه، تصعيداً جديداً، يراد منها التخلص من “عقل بوتين” ومستشاره الكبير الذي رسخ خلال أكثر من 20 عاماً، نتيجة قربه من مركز اتخاذ القرار في الدولة، مساراً جديداً أزعج الولايات المتحدة ولايزال.
كان ألكسندر دوغين، يبلغ من العمر عند انهيار الاتحاد السوفياتي، حوالي 29 عاماً. ما جعل رؤيته لمفهوم قوة الدولة الروسية -في ظل أوج شعور لولايات المتحدة بنشوة النصر- تأخذ منحى أكثر تشدداً نحو الحفاظ على “الامبراطورية”، ومعاداة الليبرالية الغربية.
يعتبر دوغين، المفكر القريب من دوائر صنع القرار في روسيا، وأحد رواد العقيدة “الأوراسية” في الدولة. في مرحلة طغت فيها الهيمنة الغربية بمختلف أشكالها، بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. حتى وصف بأنه “عقل بوتين”. وكشف بنفسه أن له نفوذاً وتأثيراً قوياً على الرئيس، قائلاً، في إحدى مقابلاته التلفزيونية، بأن “تصوراته تلتقي مع تصورات رئيسه بوتين خاصة حول القضايا الجيوسياسية، فهو (ينظّر وبوتين يطبق) على أرض الواقع”.
في منتصف التسعينيات، انتشرت أفكار دوغين -وهو ابن جنرال في جهاز الاستخبارات العسكرية- بين النخبة الروسية، وخاصة في الأوساط العسكرية وجهاز الاستخبارات. وهو من وصفه أحد كبار السياسيين الأوروبين بأن “دوغين بلحيته التي تجعله يشبه رجال الرهبنة الأرثوذكسية، أصبح شريكاً ايديولوجياً في الحكم، ولو خلف الأضواء”.
يقول الكاتب الروسي، يفغيني دياكونوف، في كتابه عن مسيرة حياة دوغين، ان “ألكسندر بدأ دراسة الطيران في معهد موسكو، وغيّر مسار حياته لاحقاً، لينتقل إلى دراسة الفلسفة، وليحوز فيها درجة الدكتوراه، ومن ثم يعرّج على العلوم السياسية ليضاعف درجاته العلمية بدكتوراه أخرى”.
كانت نقطة التحول في العقيدة عند دوغين، ولادة نظرية مختلفة مخالفة للنظرية الشيوعية ومنفصلة عن النظرية الليبرالية ومناهضة للنظرية الفاشية، وهي ما عرفت بـ “النظرية السياسية الرابعة”… وهي ما اعتبرها متابعون لتلك الفترة، دستوراً انتهجه بوتين بطريقة غير معلنة. وفسرت الكثير من القرارات التي اتخذتها موسكو، في السنوات القليلة الماضية، على أنها بمباركة من دوغين نفسه، كالتدخل الروسي في سوريا. وهو ما أكده دوغين لاحقاً، حيث شرح في مقال له ان ” ما جرى من تقديم دعم عسكري روسي إلى سوريا، هو فعل جيوسياسي لأوراسيا، ذلك أن تنظيم داعش، هو منتج أميركي، وهو خطر مباشر على روسيا، وأنه إذا لم تسارع في احتواء ما خلقته الولايات المتحدة ودعمته من إرهاب في سوريا، فإنها قريباً ستجده على حدودها، ومن ثم ضمن أراضيها”.
وعن علاقته الشخصية بالرئيس بوتين، أوضح دوغين أن هناك تشابهًا بينهما “يقوم على الاهتمام المشترك بقدر روسيا وحضاراتها ومصيرها”. مضيفاً ان “ما لا يعرفه الغرب هو أن بوتين يوجد في موقع الملك أو الإمبراطور بالنسبة للروس، ليس لأنه يريد ذلك بل لأنه ملك بطبيعته، ونحن نريده أن يكون ضمن قائمة الزعماء العظام لروسيا، وقائدًا للملكية الشعبية، وتجليًا قويًا لروح الدولة الروسية”.
يكمن خطر هذا الرجل، بالنسبة لواشنطن، بقراءاته الدقيقة لمجريات الأحداث، واختيار السبيل الافضل للدفاع، الذي غالباً ما يكون هو الهجوم. فإن دوغين، الذي كان قد أبلغ الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، عن محاولة الانقلاب عليه، قبل ساعات فقط من تنفيذه، سيصبح أكثر “خطورة” في المرحلة المقبلة، بعد ان بالغت واشنطن في خرق قواعد الاشتباك.
وكتب الفيلسوف الروسي ما يزيد على 60 كتابا، أبرزها كتاب “أسس الجيوبوليتيكا” الذي تحدث فيه عن أسس السياسة العالمية، وكيف يجب على روسيا أن تتحرك وتعمل ضمن فضاء مناهض للزعامة الأمريكية، الذي نشر قبل ان يصل بوتين إلى سدة الرئاسة.
Discussion about this post