تحولت سياسة الولايات المتحدة تجاه برنامج إيران النووي على مدى العقدين الماضيين من الاعتماد الحصري على التدابير القسرية إلى التركيز على الإجراءات الدبلوماسية ثم العودة مرة أخرى إلى الإكراه. فما الذي يفسر السياسات المختلفة التي انتهجتها الولايات المتحدة خلال هذه الفترة؟ بالاستناد إلى مقابلات مع مسؤولين سابقين ومذكرات نشرت مؤخرا، تفصح هذه المقالة عن عاملين أثرا في صانعي السياسات عندما يتعلق الأمر بالبرنامج النووي الإيراني: القيود الموضوعية التي تواجهها أي إدارة، ووجهات النظر العالمية المجسدة في المدارس البديلة للاستراتيجية الكبرى الممثلة في كل إدارة. وتوفر هذه الدراسة دليلا لا غنى عنه لصانعي السياسات الذين سيواجهون حتما معضلات مماثلة في التعامل مع هذا التحدي الأمني المستمر.
لتفسير السياسات المختلفة التي اعتمدتها الولايات المتحدة على مدى العقدين الماضيين؛ تناولت أبحاث سابقة بشكل عام الأسباب التي تجعل القوى العظمى تختار معارضة أو تجاهل أو مساعدة جهود الدولة نحو الانتشار. كما صنف الباحثون مختلف السياسات المتاحة عندما تختار قوة عظمى معارضة الانتشار، بما في ذلك السياسات القانونية/المعيارية، والقسرية، والثانوية. ما لم تتناوله هو لماذا تميل الإدارة إلى تفضيل سياسة لمعارضة برنامج نووي لبلد على آخر.
في حالة إيران، ابتداءً من الكشف عن منشآتها السرية لتخصيب اليورانيوم في منتصف العام 2002، الأمر الذي جعل القضية في صدارة جدول الأعمال الأمني الدولي، تغيرت السياسة الأمريكية عدة مرات. من العام 2002 وحتى العام 2008، تبنت الولايات المتحدة سياسة قسرية، رافضة تماماً فكرة وجود أي بنية تحتية نووية مهمة في إيران. في وقت لاحق، في العام 2009، شهدت السياسة الأميركية تحولاً إلى سياسة مشتركة من الدبلوماسية التصالحية التي دمجت الأدوات القسرية أيضًا.
وبحلول عام 2013، تحولت هذه السياسة مرة أخرى، وركزت بشكل أكبر على التدابير الدبلوماسية التصالحية، ونأت بنفسها عن العناصر القسرية السابقة وعدّلت خطها الأساسي لقبول قدرة التخصيب على نطاق واسع، طالما يمكن تعطيل مسار إيران نحو امتلاك سلاح نووي على مدى العقد المقبل. وأخيرًا، في الفترة الممتدة من العام 2017 وحتى الـعام 2020، عادت أميركا إلى السياسة القسرية، حيث انسحبت من جانب واحد من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وأعادت فرض العقوبات على الاقتصاد الكلي.
استنادا إلى مقابلات أجريت مع مسؤولين أميركيين سابقين ومذكرات نشرت مؤخرا، فإنني أحقق في هذه التغييرات في السياسة من خلال التمييز بين عناصر السياسة الأميركية تجاه البرنامج النووي الإيراني التي يمكن تفسيرها بالعوامل المادية وحدها، والعناصر التي تتطلب التحول إلى عوامل متجذرة في الأفكار ووجهات النظر العالمية. بذلك، يقدم هذا المقال تحليلاً أصلياً لسياسة الولايات المتحدة حول قضية رئيسية ومستمرة للأمن الدولي، مع توضيح كيف يمكن للأدبيات المتعلقة بمدارس الفكر البديلة حول الإستراتيجية الكبرى في الولايات المتحدة أن تكمل الأدبيات حول منع انتشار الأسلحة النووية للقوى العظمى. وهي أيضا تشكل إختبارا مهما للتحليل الأوسع نطاقَا للكيفية التي تختار بها القوى العظمى سياسة خاصة في مجال منع الانتشار النووي نحو جهة نشر معادية. وأخيرا، فإنها تنطوي على آثار بالنسبة لمجالات أخرى من مجالات السياسة العامة، حيث، على غرار معضلة عدم الانتشار، تزيد الحاجة إلى تقييم التهديدات المستقبلية المحتملة من تأثير وجهات النظر العالمية على صنع القرار.
Discussion about this post