كشفت وكالة “بلومبرغ” عن وجود مشاكل جدية بين باريس وبرلين.
وذكرت أنّ “كلّاً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني أولاف شولتز، حاولا إخفاء الخلافات خلال ابتسامهما أثناء التقاط الصور قبل عشاء طويل جمعهما هذا الأسبوع في برلين”، لكنّ “الأجواء كانت باردة” بالرغم من الابتسامات.
ونقلت “بلومبرغ” عن أشخاص وصفتهم بالمطلعين على الأمر في كلا البلدين، أشاروا إلى أنّ “العبارات الودية والكلمات المفعمة بالأمل حول التعاون في مجال الدفاع والطاقة في المستقبل من قبل الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني حاولت تكذيب التوترات التي ظهرت خلال الوجبة التي كانا على وشك تناولها”.
وبحسب التقرير الذي نشر اليوم في “بلومبرغ”، يوجد بين البلدين خلاف حول عدة مجالات سياسية واقتصادية رئيسية مرتبطة بالحرب في أوكرانيا، مع “خلاف حول كيفية قيام أعضاء الاتحاد الأوروبي بحماية اقتصاداتهم في خضم أزمة الطاقة، وكذلك بشأن مشروع دفاعي بقيمة 100 مليار يورو (99 مليار دولار) معرّض للخطر.. بالإضافة إلى مسألة الطاقة النووية”.
ولفت التقرير إلى أنّ “الإحباطات الملموسة خلال عشاء يوم الإثنين، الذي تمّ الترتيب له للاحتفال بإعادة توحيد ألمانيا، تشير إلى مشاكل جديدة في العلاقات الثنائية بين البلدين”.
وأشار التقرير إلى أنّه “منذ تأسيس الاتحاد الأوروبي، أعطت وحدة الهدف لكلّ من مساري ألمانيا وفرنسا زخماً للكتلة، ومن دون هذا التوحّد يتعثّر الاتحاد”، وأضاف أنه “إلى جانب الخلافات السياسية، هناك شعور متزايد من جانب ماكرون بأن شولتز وفريقه لا يعاملون فرنسا كأولوية”.
تهرّب من المحادثات
كذلك، استشهد أحد المسؤولين كمثال على ذلك بقيام المستشار الألماني بإلغاء مكالمة تمّ ترتيبها منذ فترة طويلة مع رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن في 29 أيلول/سبتمبر الماضي، بحجّة الإصابة بكوفيد 19، لكن اتّضح أنّ هذا الإلغاء حدث فقط لكي يشارك المستشار في مؤتمر صحافي عبر الفيديو في وقت لاحق من نفس اليوم لتقديم خطة اقتراض بقيمة 200 مليار يورو تهدف إلى تخفيف وطأة أزمة الطاقة على الشركات والأسر الألمانية.
وقال متحدّث باسم الحكومة الألمانية إنّه “تمّ تأجيل محادثة شولتز وبورن بسبب إصابة المستشار بكوفيد وحجره الصحي”، ورفض التعليق على إمكانية قيام شولتز وبورن بالتحدث عن بعد بدلاً من ذلك.
وقال مسؤول إنّ “الفرنسيين انزعجوا من عدم إبلاغهم بذلك مسبقاً، وعبّر مسؤولون سرّاً عن قلقهم من أنّ الخطة الألمانية “ستخلق المزيد من الانقسام الاقتصادي بين دول الاتحاد، حيث من المحتمل أن تشجع حكومة برلين المنافسة داخل الكتلة من خلال دعم الطاقة للأعمال”.
ونوّهت الوكالة إلى أنّ وزير المالية الفرنسي برونو لومير، حذّر لدى حضوره اجتماعاً لوزراء المالية الأوروبيين في لوكسمبورغ، الإثنين الماضي، من مخاطر ما أسماه “الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي”، وبالمقابل برّر نظيره الألماني كريستيان ليندنر الأساس المنطقي للخطّة بالقول إنّ “الإجراءات تتماشى مع ما يفعله الآخرون في الاتحاد”.
وكان صحافيون تحدثوا عن ضغوط يقودها المستشار الألماني مع قادة أوروبيين أبرزهم الرئيس الإسباني بيدرو سانشيز، على فرنسا وسياسات ماكرون، ترتبط بشكل أساسي بموضوع خط أنابيب الغاز الإيبيرية.
نظامان وشخصيات مختلفة
وبيّنت الوكالة أنّ الخلاف “يغذّيه وجود نظامين سياسيين مختلفين بشكل كبير، كما تلعب شخصيات الزعماء دوراً كبيراً، بينما يستمتع ماكرون بخطب طويلة ومعقدة، يفضّل شولتز، مثل ميركل من قبله، المحادثات المركّزة”.
وأضافت الصحيفة أنه مع ميركل، “كان الرئيس الفرنسي دائماً قادراً على إيجاد حلّ وسط، أما مع شولتز، يبدو أنّ هذا قد أصبح أكثر صعوبة”.
وتصارعت فرنسا وألمانيا على مرّ السنين على مناصب الاتحاد الأوروبي، وميزانية منطقة اليورو، واتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة.
وقد أصبحت الخلافات طويلة الأمد حول الطاقة النووية وسبل تحسين البنية التحتية للطاقة في الاتحاد الأوروبي نقطة خلاف أخرى، مع تصدير ألمانيا للكهرباء عبر نهر الراين، إذ أشار وزير الطاقة الألماني، روبرت هابيك، خلال اجتماع مغلق في آب/أغسطس الماضي، إلى أنّ “فرنسا هي المشكلة”.
أما بالنسبة لملف الدفاع، وهو مشكلة أخرى، تقول الصحيفة إن ماكرون يؤيد مشروعاً دفاعياً أوروبياً مشتركاً لتحقيق استقلال أكبر عن الولايات المتحدة، لكنّ ألمانيا وغيرها من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ترى ذلك أنّه محاولة لدعم الشركات الفرنسية والنفوذ الفرنسي.
وبعد الحرب في ألمانيا، ظهر شك عميق الجذور تجاه الجيش، الأمر الذي أخّر مشروع المقاتلات “FCAS”، وهو مشروع فرنسي ألماني إسباني لإنتاج طائرة مقاتلة من المفترض أن تحل محل طائرات “رافال” الفرنسية و”تايفون” الألمانية في العام 2040.
Discussion about this post