ستكون الاقدار بنفسها تواقة لرؤية ذلك اللقاء بين بن سلمان واردوغان في تركيا .. لأن الأقدار رغم رصانتها تحب السخرية .. وأكبر أنواع السخرية في الوجود هي سخرية الاقدار .. ولذلك تعرفنا في أدبياتنا ومصطلحاتنا على مصطلح سخرية الاقدار .. فسخرية الاقدار ظاهرة نادرة مثل سقوط المذنبات لكنها ان حدثت فانها تكون أشبه بمزاح الدببة مع الدببة أو بمزاح الكواكب مع الكواكب وتراشقها بالمذنبات الهائلة ..
مايدعو ني لأعبر لأول مرة عن اعجابي بالرئيس العثماني هي تلك القدرة الخارقة على تبديل الموقف وتغيير اللحن وتغيير الالوان والدساتير واتجاه الرياح والانتقال من الليل الى النهار في ثوان وتغيير الاصدقاء والاعداء والتقلب بدرجة فاقت مهارة أجنحة ذبابة لبنان (أبو تيمور بيك جنبلاط) وتذبذبه .. فأردوغان مرة صديق الاكراد ومرة عدوهم .. مرة صديق الروس ومرة عدوهم .. واليوم يصنع خطابا حراريا ضد الاسرائيلين وفي اليوم التالي يبرده بخطاب تجري من تحته الانهار .. ومرة هو صديق الارمن ومرة هو عدوهم ويذبحهم في ناكورنو كاراباخ كما فعل أجداده في الحرب العالمية الاولى في مذبحة الارمن الشهيرة .. ومرة هو صائد أولياء العهد السعوديين ويريد ان يخلعهم من العرش بفضيحة دموية واليوم هو صديقهم ويريد ان يصفي القلوب معهم ويقول لهم سامحناكم فسامحونا .. وطبعا ليس هناك من داع لنتذكر علاقته (بأخيه) الرئيس بشار الاسد كما كان يحلو ان يصفه قبل ان يستل سكينه العثمانية ويربض له في غرفة الضيافة لقتله وهو يقدم له واجب الضيافة ويعلن انه صار صاحب البيت ..
ولكن ماهو سبب اجتماع القاتل بالقاتل؟؟ اذا حاولنا ان نفهم سر اللقاء فعلينا ان نستنتج أنه عندما يجتمع القتلة وأفراد العصابات والقراصنة بعد ان يثخنوا بعضهم بالطعن والجراح ان زعيم العصابة الكبير والقرصان الكبير في وضع صعب وأنه يطلب من افراد العصابة وطاقم القراصنة ان ينسوا خلافاتهم على الذهب والأسلاب والنساء لأنهم جميعا في مركب مثقوب سيغرق .. ومن هنا نفهم ان المصالحة التركية السعودية هي مصالحة المرغمين ومصالحة الجنود الصغار وانهم ينفذون تعليمات الماسون الكبير وزعيم القراصنة .. اي الاميريكي الذي بدأ يحشد لمنازلة كبيرة لالحاق هزيمة بروسيا وحلفائها .. والمطلوب من جميع القراصنة والقتلة وحملة السكاكين والمناشير ان يضعوا المناشر جانبا فالأمر جلل والمعركة القادمة تحتاجهم جميعا .. ولولا هذا فان الحقد التركي لايتفوق على الحقد السعودي .. والغرور التركي والصلف العثماني لايختلف عن الغرور والعناد السعودي .. الا ان كل الغرور وكل الصلف وكل الحقد ليس في حسايات زعيم القراصنة الامريكي وعندما يشير بانهاء المبارزة فان الجميع سيمتثل .. فللقراصنة قوانينهم ونظامهم ايضا ..ترى او شققنا على قلب بن سلمان بالمنشار نفسه الذي نشر فيه الخاشقجي .. ثم شققنا به على قلب اردوغان ونظرنا في تلك الزوايا الداكنة كم يحقد كل منهما على الاخر .. وكم يتشهى موته والقاءه في حمم البراكين او رميه في فرامات اللحم .. ومع هذا سيجلسان ويبتسمان ويتصافحان ويظن كل واحد مهنا انه انتصر .. فاردوغان يظن انه أتى بصاحب المنشار الى عقر داره رغم انه هو من أذله وأهانه وكاد ان يتسبب في اعدامه او احضاره الى محكمة الجنايات الدولية .. ولو كان لدى بن سلمان كرامة او ثمالة من كرامة فانه يجب ان بثطع يده على ان يصافح بها يد الرجل الذي تسبب له بفضيحة الخاشقجي التي ستلاحقه الى يوم الدين وستكون سببا في تحطيمه يوما عندما يحين زمن التغيير في السعودية .. يحس اردوغان بالزهو في داخله لأنه مع كل هذا فانه أتى به وكأنه اذلال آخر لبن سلمان ..
أما بن سلمان فانه يعتبر نفسه فاتحا لاستانبول بوصوله اليها بعد ان كاد يفقد العرش بسبب استانبول وكاد يشنق او يحضر الى محكمة الجنايات الدولية فانه مثل محمد الفاتح (وأعتذر لتسمية محمد الفاتح لأنه مجرد محتل وغاز للقسطنطينية اليونانية كما هي القدس العربية التي سقطت بيد موشي دايان الفاتح بنظر اليهود) .. وسيحس بن سلمان بالزهو في نفسه وهو يحقق هذا النصر وسيحتفل بأنه دخل القلعة التي كادت تسحقه ..
نصيحتي لبن سلمان وهو في ضياقة اردوغان هي ان يكون على حذر .. وان ينتبه من ذلك العقرب التركي .. وأن لايشرب في بيت العقرب الذي لايجب ان يستغرب ان يكون مهووسا بقتل خصمه ولو بالسم او بالمنشار .. على مبدأ العين بالعين والمنشار بالمنشار ..
انني علي يقين ان لاحاجة لي لأشق على قلب اردوغان لان مافيه مذكور في كتب التاريخ .. ولن يكون القول فيه من باب ان بعض الظن اثم بل ان عدم الظن وعدم اليقين هو عين الاثم .. وكي تعرفوا كيف ينظر اردوغان والتركي الى اي عربي امامه ولو كان أميرا سعوديا ووليا للعهد فما عليكم الا ان تعرفوا قصة (أقسى مامر في حياة الامير فيصل) الذي كان يحضر مع الانكليز للقيام بالثورة ضد الاتراك .. فما هي قصة (أقسى مامر في حياة فيصل)؟
أقسى لحظة مرت في حياة فيصل هي التي رواها عن لحظة لقائه بجمال باشا السفاح عندما وصل الامير فيصل الى دمشق المحتلة من قبل الاتراك وأصدر فيها السفاح قرارا باعدام الكوكبة الثانية من رجال الحركة الوطنية العربية فحاول الامير فيصل التوسط والتدخل لتخفيف حكم الاعدام فنظر اليه جمال باشا السفاح باحتقار شديدي وأسمعه كلاما جارحا ومهينا للغاية جاء على شكل قصة فيها تحذير ونصيحة رواها له فقال: ان نابوليون أقام لنفسه تمثالا .. ثم طلب من صانع أحذية ان يبدي له رأيه في حذاء التمثال فيما اذا كان بحاجة الى تغيير او تعديل .. ولكن صاحب الاحذية راى ان الحذاء جيد في التصميم والمقاس الا انه أراد أن يضيف تعليقا على بنطال التمثال فقال له نابوليون: (انت صانع أحذية .. ويجب ان تقف عند حدود رأيك في الحذاء فقط .. وكذلك يجب ان يكون أمير مكة في حدود عمله ولارأي له في أن نشنق او لانشنق !! ( راجع كتاب الدكتور بشار الجعفري سورية وعصبة الامم ص 233) وهذا يعني ان الأمير فيصل بجلالة قدره ماهو في نظر جمال باشا الا بمقام صانع الاحذية أمام نابوليون العثماني جمال باشا السفاح ..
القصة بليغة جدا وهي ان العثماني لايرى في العربي الا صانع أحذية رخيصا ولايجب ان يرتفع حتى لما فوق مستوى الحذاء .. والتركي هو صاحب الامر .. وفي يده المصائر والحياة والموت .. وهذا مايراه التركي واردوغان في بن سلمان .. وهذا مايراه المعارضون السوريون في استانبول من قبل الساسة الاتراك ومن قبل المسؤولين .. وهذا مايراه قادة الفصائل وهم يتلقون التعليمات من ضياط المخابرات التركية .. وهذا مايحس به اللاجئون السوريون في شوارع استانبول في عيون الاتراك الذين ينظرون اليهم بعين الكراهية والاحتقار وصناع أحذية لهم كما نظر جمال باشا السفاح الى أمير عربي .. وغدا سيصافح اردوغان الامير محمد بن سلمان بنفس اليد التي صافح بها الرئيس الاسرائيلي منذ ايام وقلبه يقول: ان هذا هو أقسى مامر بي في حياتي .. انني أصافح هذا الشخص واستقبله كالملوك .. فهل هناك أقسى ماسيمر في حياتي وأنا الذي أردت وضعه على الخازوق التركي .. ان هذا العربي يجب ان يبقى رأيه في السياسة مثل رأي صانع احذية او حطاب ينشر بالمنشار .. ولارأي له فيما نشنق او لانشنق .. من نطعن ومن لانطعن .. من نسرق ومن لانسرق .. من نحتل ومن لانحتل .. من نغدر ومن لانغدر .. ومن ننشر ومن لاننشر .. من نغفر له ومن لانغفر له .. ولكننا هنا لأننا صناع أحذية للأمريكي .. ان بن سلمان صانع أحذية لي .. وأنا صانع أحذية للأمريكي ..ولولا ذلك لبترت يدي على ان تصافح هذا العربي الوضيع ..
بن سلمان قتل الخاشقجي بالمنشار .. واردوغان قتل ملايين العرب بربيعه الاسلامي ويريد ان ينشر بالمنشار بن سلمان .. ويريد بنفس المنشار ان يقتطع قطعا من لحم سورية .. ولذلك سيكون لقاء القاتلين مثيرا ومليئا بالحكايات والروايات المواربة والنفاق والكراهية ولكنه رغم غزارة الكراهية والحقد العثماني والسعودي وتنافسهما وتناطحهما لاثبات التفوق فانه لقاء المرغمين .. والمرغمون سيرغمون على ان يبتلعوا كراهيتهم وكراماتهم وكبرياءهم .. وينفذوا المهمة الجديدة الموكلة اليهم .. ويعملوا مافي وسعهم لصنع حذاء للأمريكي يكون على مقاس قدمه في المعركة القادمة … ويكون مريحا له وهو يركلهم جميعا ويدحرجهم أمامه كالعبيد ..
بقلم نارام سرجون
Discussion about this post