أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قراراً بوقف عمل “الوكالة اليهودية لأجل اسرائيل” في روسيا. قرار هام، جاء في وقت يتحضر فيه الرئيس الأميركي جو بايدن لزيارة المنطقة والكيان الصهيوني. ما فعله بوتين يعد رسالة مواجهة هامة لكل من “اسرائيل” ومن يزورها، وهي بالتأكيد رسالة إنذار لـ”إسرائيل” بأن روسيا لن تقبل مواقف الكيان المارقة المتذبذبة والمعادية لروسيا، فيما تظهر بعض من قياداته مواقف تستجدي العطف الروسي خلال زيارات موسكو.
في البداية، هناك عوامل مختلفة كان لها الأثر الكبير على اتخاذ القرار في روسيا، ومنها الموقف “الإسرائيلي” المعادي لها خلال العملية العسكرية في أوكرانيا، ورفد أوكرانيا بكوادر عسكرية من أجل تدريب جنود كتيبة “آزوف” وارسال خبراء عسكريين لقيادتهم. وفضح ذلك بعد سقوط ورقة التوت عن هذا الدور حين بث التلفزيون الإسرائيلي في 12 حزيران/ مايو، تقريراً عن مقاتلي الوحدات الخاصة التي وصلت إلى أوكرانيا للقتال في المعارك ضد روسيا، وعن تحضيرات لشن هجوم على القوات الروسية على الطريقة “الإسرائيلية”، وخاصة بعد ظهور فيتالي أولكسندروفيتش، وهو يهودي أوكراني، كان يقاتل في مصنع “أزوفستال”، والذي ظهر في الفيديو وهو يطلب مساعدة “إسرائيل”.
التقرير الذي نشره التلفزيون الإسرائيلي، لا يظهر فقط الدعم العسكري الصهيوني لأوكرانيا والغرب، وإنما يظهر الموقف الذي ينتهجه إعلام الكيان في التحريض ضد روسيا في هذه الحرب، اذ تم تشبيه الرئيس بوتين بهتلر وبأنه يرتكب جرائم حرب في أوكرانيا، في الوقت الذي استقبلت فيه روسيا قيادات اسرائيلية وأعطتها وعودًا، بحسب ما تسرب في عدد من وسائل الإعلام، بعدم التدخل في الصراع القائم بين الكيان وسوريا، وأن المهمة الروسية في سوريا مرتبطة حصرياً بمحاربة الإرهاب. ولكن ما زاد الموقف حدة، هو وصول يائير لبيد لرئاسة الوزراء في الكيان، وهو الذي عبر عن موقفه بإدانة العملية الروسية في اوكرانيا منذ اليوم الأول حين كان وزيراً للخارجية آنذاك، وحينها طالب لبيد حكومته بالوقوف إلى جانب الغرب وتزويد أوكرانيا بالأسلحة الحديثة.
تسارع إصدار القرار ملفت للنظر فقبل 12 ساعة من نشر الخبر وتأكيده كانت الوكالة اليهودية تنفي احتمال صدوره. لربما كان يظن مديروها أن القرار ليس إلا تهويلاً روسياً.
الوكالة كانت قد عادت للعمل في روسيا منذ العام 1989، أي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. ومنذ تسلمت الأوامر الصادرة عن وزارة القضاء الروسية بوقف نشاطها لأول مرة منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ابتدأ التهويل الصهيوني المطالب بتسهيل خروج اليهود من روسيا بسبب معاناتهم المعيشية القاسية نتيجة العقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا. والمطلوب رفع قرار الحظر، لأن القرار سوف يمنع خروج روبل روسي أو دولار أميركي واحد من حساب الوكالة إلى أي مكان في العالم، وبالتالي فإن ذلك يعني إغلاق “مزاريب” الدولار والبشر الذي يصل “إسرائيل” سنوياً من روسيا، والذي وصل إلى 10 آلاف مهاجر شهرياً في العام 1990. “مزاريب” لا يستهان بها، خاصة وأن يهود روسيا يعدّون من أكبر متموّلي العالم. ثم إن هجرة اليهود الروس إلى الكيان المؤقت زودته بآلاف الأكاديميين المتخصصين في الطب والعلوم والتكنولوجيا والثقافة، ويبدو أن روسيا قد قررت أنها أحق بهم، وهذا ما أكده تصريح وزيرة الهجرة في الكيان بأن هذا القرار يمكن أن يقوّض قدرة اليهود الروس على الهجرة إلى “اسرائيل”.
علينا أن لا ننسى أن روسيا هي خزان بشري تعقد الدولة المارقة عليه الآمال لتزويدها بمستوطنين جدد لتوطينهم في الكيان وملء الشواغر في المستوطنات التي يتم إنشاؤها وخاصة حول مدينة القدس وفي الضفة الغربية. وهذا الجنس من المواطنين الجدد هم من قامت على أكتافهم الحركة الصهيونية، وشكلت خزاناً لقياداتهم بعد قيام مؤتمر هرتزل في العام 1897 وحتى اليوم. اذ يعد يهود الأشكناز القادمون من روسيا وأوروبا الشرقية عماد الكيان، وهم من أقاموا المستوطنات الأولى في فلسطين من خلال الترتيبات التي قامت بها “الوكالة اليهودية لأجل اسرائيل”.
أنشئت الوكالة في العام 1908. وهي الجهاز التنفيذي للحركة الصهيونية، ومثلت الصهاينة أمام السلطان العثماني عبد الحميد، واشترت الأراضي في فلسطين من أجل إقامة المستوطنات الأولى المعروفة باسم مزارع الكيبوتسات، وجمعت الأموال عبر ما يسمى بالصندوق القومي اليهودي.
منذ أيام في 2/7، شن الطيران الصهيوني غارة على جنوب مدينة طرطوس، بحجة وجود أهداف إيرانية في المنطقة. ومن الملاحظ أن الغارات الجوية على سوريا قد ازدادت وتيرتها في الشهرين الماضيين، حيث قصفت “اسرائيل” دمشق ومصياف، في مواقع غاية في الحساسية.
أمر في غاية الخطورة! ولكن في الهجوم الأخير اقترب الطيران الإسرائيلي من قاعدة حميميم العسكرية المقر الرسمي للقيادة الروسية في سوريا. الأمر ليس عادياً، وفي الحقيقة أنه لم يكن من الممكن لروسيا تجاوزه، وهو يعد رسالة اسرائيلية خطيرة خاصة أنه جاء بعد يوم واحد من تسلم لبيد مهماته كرئيس لوزاء الكيان. رسالة كان على موسكو الرد عليها بحزم، ولكن روسيا لن تفتح جبهة عسكرية مع الكيان، وليس هناك من رد أقوى من لي الذراع اليمنى للكيان، ألا وهي الوكالة اليهودية. ومن كان يظن أن روسيا لا تأخذ التهديدات الإسرائيلية في سوريا وأوكرانيا على محمل الجد فعليه التفكير مرتين. ومن كان يظن أن أوراق القوة الروسية لا يحكمها سوى صوت المدافع فعليه أيضاً أن يفكر مرتين.
Discussion about this post