بتقاسيم وجهه الملائكي ومظلوميّته الظاهرة أسر قلوب كثر. تعرّفنا اليه ساكنًا في صورة، متخلّيًا عن مشاغبات الأطفال. كيف يكون الطفل ساكنًا حد الموت؟ في فلسطين يكون وأكثر.
“مات وما تغداش” تقول والدة ريان في وداع جثمان طفلها. ذاك المُلقى أمامها ببرودة أطرافه واصفرار وجهه، ليس نفسه من ودّعته صباحًا عند باب المدرسة مع زوّادة الطعام. لماذا يُكتب لأمهات فلسطين كل هذا الكَسر؟ كيف تودّع أمّ فلذة كبدها؟ انظروا الى جنين وبيت لحم ونابلس وغزة واستخلصوا “بروتوكول الوداع”. هو نفسه مهما تعددت المدن والأسماء، ففطرة الأمومة واحدة أينما كانت: نظرة من فوق النعش، فتمتمات يصعب فهمها، ثم انحناءة لقبلة على الخد او الجبين. ثم ماذا؟ ثم فراق أبدي بعد رحلة عمر كانا فيها ألصق من الروح بالبدن.
قد يقول قائل إن أعيننا اعتادت رؤية الأجساد الطرية بحال لا يليق بها، ولا يتناسب مع أعمارها الصغيرة. في قانا واحد واثنان، في ايمان حجو ومحمد فارس، في محمد الدرة وريان سليمان. المشهد واحد، أطراف باردة وأعين ذابلة. ربّما بتنا نفضّل أن لا نتمعّن في الصور أكثر. لماذا؟ لماذا نتعمّق في المشهد؟ وأي قلوب ستعتاد على تقبل هذه الأقدار التي خطّها اسرائيلي مدجج بخلاصة شر هذا العالم؟
قد تكون الاجابة عكس ما يختاره قلب متعب من رؤية الأحلام المذبوحة على رصيف العمر. لكنها مسؤولية أيضًا. مسؤوليتنا أن نحافظ على هذا الحقد المستحب تجاه القاتل، أن نختزن في أرواحنا كل هذا الغضب ليتحول الى ضمانة بمواصلة التمسك بخيار المقاومة حتى زوال هذا الكيان.
كل هذا القهر الذي نعاينه من بعيد هو ضمانة بأن يحمل أطفالنا ايضًا هذه الرسالة: لا مساكنة ولا تطبيع مع القتلة.
المصدر موقع العهد الإخباري
Discussion about this post