بعد سنوات من الجمود السياسي وصل إلى حد العداء بين سوريا وتركيا، تعيش العلاقات بين البلدين في الأيام الأخيرة نوعا من الدفء تجلى عبر سلسلة من اللقاءات التي جمعت مسؤولين كبار من البلدين والتي يمكن أن تقود في المستقبل القريب إلى لقاء تاريخي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد.
والتقى وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في العاصمة الروسية، بنظيره السوري، علي محمود عباس، في أول لقاء رسمي ومعلن وعلى المستوى الوزاري بين تركيا وسورية منذ عقد من الزمن، في إعلان ضمني عن مرحلة جديدة في العلاقات بين الجانبين، وعقب اللقاء، وصفت وزارة الدفاع التركية اللقاء بـ”البناء”، وقال الوزير أكار إنه نقل لنظيره السوري موقف بلاده المتمثل باحترام وحدة أراضي سوريا والحفاظ على استقلالها.
وفي المقابل، جاء في بيان لوزارة الدفاع السورية إن “اللقاء كان إيجابياً، وبحث ملفات عديدة”… وناقش الجانبان جهود مكافحة الإرهاب ومسألة اللاجئين، وأكدوا على أهمية استمرار الحوار المشترك من أجل استقرار الوضع في سوريا والمنطقة… فهل ستتبلور العلاقات التركية السورية قريبا بعد سلسلة من لقاءات رفيعة المستوى جمعت مسؤولين من الجانبين برعاية روسية؟…
وفي هذا الشأن أجرت مراسلة وكالة مهر، “وردة سعد” حواراً صحفياً مع مع الكاتبة والصحافية والباحثة في العلاقات الدولية والدبلوماسية “سماهر الخطيب”، وأتى نص الحوار على الشكل التالي:
** بعد سلسلة من الزيارات واللقاءات رفيعة المستوى جمعت مسؤولين من كلا الجانبين “التركي والسوري” برعاية روسية…. هل يتم الاعلان عن مرحلة جديدة في العلاقات بين البلدين… ما هي دلالات هذا التقارب؟
إن ما حدث مؤخراً من لقاء على مستوى وزراء دفاع البلدين السوري والتركي في موسكو وما أعلن عن نتائجه بأنها كانت إيجابية إضافة لما أعلن عنه لاحقاً عن تنسيق للقاء على مستوى وزراء الخارجية بطبيعة الحال هو نتيجة لاتصالات حدثت على المستوى الأمني والاستخباراتي بين البلدين أي سورية وتركيا، وكان هناك تكثيف للقاءات مع بداية العام المنصرم وكانت الشروط السورية محددة وواضحة منذ البداية؛ وتقول بانسحاب القوات التركية من المناطق المحتلة في الشمال السوري ورفع دعم تركيا للجماعات المسلحة والعودة إلى مفاعيل اتفاق أضنة الموقع بين البلدين عام ١٩٩٨ وهو ما على يبدو أنّ تركيا رضخت إليه وكان بداية ذلك بإغلاق مكاتب الإئتلاف الوطني المعارض في تركيا وطلبت منهم مغادرة البلاد…
التوافق سيترجم بلقاء على مستوى وزراء خارجية البلدين بمعنى أنّ التقارب “التركي–السوري” يسير وفق خطوات وتنسيقات أمنية – استخباراتية وعسكرية – دفاعية وسياسية – دبلوماسية
وقد شدد الرئيس السوري بشار الأسد على رهن تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة بـ”إنهاء الإحتلال” التركي للأراضي السورية، كما أنّ الرئيس الأسد سبق وأن أكد في إحدى مقابلاته على التلفزيون السوري في ردّه على سؤال حول عودة العلاقات مع تركيا ولقاء أردوغان بأنه عن نفسه لا يقبل و”إنما المشاعر الشخصية شيء والمصلحة الوطنية لسورية شيء آخر، فإذا كان اللقاء سيحقق النتائج المرجوة لسورية فلا بدّ من القيام به، وهذه مهام الدولة وأنا مؤتمن على كل ما يحقق المصلحة السورية”، كذلك أكد وزير الخارجية السوري فيصل المقداد خلال لقاء نظيره الإيراني في دمشق حيث أكد المقداد على رفض بلاده إعادة العلاقات مع جارتها الشمالية تركيا من دون إنهاء وجودها العسكري في بلاده…
بالتالي فإنّ عقد أي لقاءات سورية مع الجانب التركي مرتبط بـ”تبني أسس احترام سيادة سورية، ووحدة أراضيها وإنهاء الاحتلال العسكري التركي في الشمال السوري ووقف دعم الإرهاب…
كما أنّ النقاط التي تمخضت عن تلك الاجتماعات كانت تؤكد على تسليم آبار النفط إلى الدولة السورية، والعمل المشترك للقضاء على قسد وداعش والنصرة وهيئة تحرير الشام بعملية عسكرية مشتركة من الجانبين في حال عدم تسليم أسلحتهم ومواقعهم إلى الجيش السوري خلال مدة ثلاثة أشهر ابتداء من أول عام 2023، ويبدو أن التوافق على تلك النقاط قد تم بالفعل وهو ما سيترجم لاحقاً بلقاء على مستوى وزراء خارجية البلدين بمعنى أنّ التقارب “التركي–السوري” يسير وفق خطوات وتنسيقات أمنية – استخباراتية وعسكرية – دفاعية وسياسية – دبلوماسية ليكون أخيراً على مستوى القمة بلقاء رئاسي إذا تحققت المصلحة السورية من هذه الخطوات…
دلالات هذا التقارب واضحة بعودة أردوغان إلى مقاربة المصلحة التركية مع المصلحة السورية وعودته نحو العمق العربي من البوابة السورية
وبالتالي تبدو دلالات هذا التقارب واضحة بعودة أردوغان إلى مقاربة المصلحة التركية مع المصلحة السورية وعودته نحو العمق العربي من البوابة السورية وإيجاد مصلحة بلاده مع مصلحة سورية، وأنا لا أقول هنا عودة سورية لان الرئيس التركي كان من أوائل من دعم الإرهاب في سورية، وكان من أوائل الدول التي قطعت علاقاتها مع سورية، وحين وجد بأنّ الإرهاب الذي دعمه يرتد إليه وبأن الأجندة الأميركية التي شارك بوضعها وتنفيذها قد نالت من أمنه القومي عاد إلى سورية عودة العارف بأن تحقيق أمنه القومي لا يتم إلا عبر التواصل مع الدولة السورية وبشروطها القائلة بوحدة أراضيها وبسط سياداتها على كامل أراضيها.
** هل يقوم اردوغان باستغلال هذا التقارب لتعزيز حظوظه في الانتخابات الرئاسية القادمة؟ وهل سيؤدي هذا التقارب الى توقف العمليات العسكرية التركية في الشمال السوري؟
لا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ الانتخابات الرئاسية التركية تجعل أردوغان في سباق لإنجاز مصالحة مع الدولة السورية لأسباب عدة:
-أولها؛ التخلص من ملف اللاجئين الذي بات ضاغطاً عليه، وتأمين حدوده مع سورية من ما يسميه الوجود الكردي الذي يشكل تهديداً لأمنه القومي.
-ثانيها؛ كخطوة استباقية لما تريد المعارضة التركية القيام به بفتح العلاقات مع سورية.
-ثالثها؛ الانفتاح على العمق العربي من البوابة السورية.
-رابعها؛ النهوض بالاقتصاد التركي عبر جعل تركيا صلة الوصل بين الشرق والغرب، والاستفادة من الأزمة الأوكرانية لتوريد الغاز الروسي إلى أوروبا عبر المشتري التركي والبائع التركي.
-خامسها؛ الإمساك بملف الحبوب عبر تفعيل أكبر لاتفاقية الحبوب مع روسيا والتقارب من سورية يدعمه تقارب مع روسيا.. والأهم إيجاد حل لمشكلة الأكراد “قسد” تحديداً التي يعتبرها تهديد لأمنه القومي والحل موجود بيد الدولة السورية، بالتالي التنسيق مع الدولة السورية حول ذلك…
الدولة السورية تصر على ضمانات تؤكد التصريحات التركية والرغبة التركية بإعادة علاقاتها مع سورية
ورغم أن العملية العسكرية التي أعلن عنها أردوغان مؤخراً لم تكن الأولى في الشمال السوري والتي تمخض عنها المزيد من الاحتلال التركي للأراضي السورية إنما هذه العملية الأخيرة التي يستعد لها أردوغان لن تتم برأيي رغم أنّ الرئيس التركي غير مؤتمن الجانب، ولطالما كان مراوحاً ومراوغاً بين الأميركي والروسي في الحرب الإرهابية على سورية طيلة عقد ونيّف.. وهذا ما تعيه وتدركه جيداً الحكومة السورية وكذلك الروسية الحليفة لذلك تصر الدولة السورية على ضمانات تؤكد التصريحات التركية والرغبة التركية بإعادة علاقاتها مع سورية، وسبق وذكرنا تلك الضمانات أو الشروط القائلة بانسحاب القوات التركي من الأراضي التي احتلتها في الشمال السوري، وكذلك إيقاف كل وسائل الدعم الذي تقدمه تركيا للجماعات المسلحة في سورية، ويبدو أن المشهدية اليوم توحي باستدارة تركية والرضوخ للشروط السورية ما يؤشر إلى إنهاء العمليات العسكرية التركية في الشمال السوري، إذا تمّ الاتفاق المشار إليه وربما تكون عملية مشتركة “سورية–تركية–روسية” ضدّ جميع المجاميع الإرهابية المسلحة في الشمال السوري…
ويبقى لقاء القمة الذي طالب به أردوغان من الرئيس الروسي لعقد لقاء بين أردوغان والأسد رهن بتلبية المطالب السورية، ويبقى متعلق بالإرادة السورية إذا هي أرادت منح شرف اللقاء لأردوغان قبل الإنتخابات أو بعد الإنتخابات.
** هل تساهم روسيا في تفادي اي عملية عسكرية في الشمال السوري عبر التقارب بين البلدين ؟
روسيا؛ ومنذ أن بدأت عاصفة السوخوي عام 2015 ومع إداراتها الدبلوماسية للأزمة السورية وتفعيل مسار أستانة وسوتشي للحل السياسي للأزمة السورية بالتوازي مع مسار جينيف تسعى لحلحلة هذا الملف حيث تابعت روسيا الاتحادية مجريات الأزمة السورية منذ بداياتها بحذر وكانت مراقبة لأحداثها متوجسة من عواقبها حيث بدت الولايات المتحدة بالنسبة لها كمن فتح صندوق باندورا في سورية، فتحدثت روسيا منذ بداية الأزمة عن ضرورة البحث عن سبل لتسوية النزاع دبلوماسياً على أساس القانون الدولي وتحت مظلة الأمم المتحدة، منطلقة من أن الدور الأكبر في هذه العملية يجب ألا يمارسه اللاعبون العالميون الكبار وحدهم بل دول المنطقة أيضاً…
لم يخرج الدور الروسي في بداياته عن الإطار القانوني كما في نهاياته
ولم يخرج الدور الروسي في بداياته عن الإطار القانوني كما في نهاياته، فقد بدأت بإدارة الأزمة عبر استخدامها لمبادئ ووسائل إدارة الأزمة وتحديد أهدافها الاستراتيجية وفق قاعدة “العقدة–عقدة” وبدأت منذ ذلك الحين وهي تفكك أو تساهم في فكفكة تلك العقد، وتقريب وجهات النظر بين الأطراف الفاعلة في الحرب على سورية والأطراف المعارضة المدعومة من تلك الدول، وحتى في إدارة المعارك…
فكان كل نصرٍ للجيش السوري في ميدان المعارك يُصرف بنصرٍ سياسي في ميدان السياسة التي تلخصت في مؤتمرات جينيف وسوتشي وأستانة بين الأطراف السورية، ولقاءات القمة التي انعقدت ما بين الرئيسين فلاديمير بوتين وبشار الأسد، بالإضافة إلى لقاءات الرئيس الروسي مع نظرائه التركي والأميركي والإيراني وغيرهم وجميع تلك اللقاءات كان يتمخّض عنها تقدم ملحوظ على الأرض السورية، بدءاً من تحرير الأراضي السورية من دنس الإرهاب وليس انتهاءً بالانتخابات الرئاسية السورية التي شكلت ضربة قاضية لمشروع تقسيم سورية.
ورغم أن أنقرة ليست شريكاً سهلاً لموسكو، لكن التعاون الثنائي ما بينها مستمر، وإذا توصلت مع موسكو إلى اتفاقيات ما، فمن المؤكد أنها تنفذ… في حين يتزايد الانتقاد لأردوغان داخل تركيا بسبب هشاشة النظام المالي في البلاد، إذ يدين كثيرون السلطات لتوريط تركيا في أربع حروب في وقت واحد: في “سورية، وليبيا، والعراق، والحرب الأهلية في أراضيها الجنوبية الشرقية”… على هذه الخلفية، سيحتاج أردوغان إلى استعراض النجاح في سياسته الخارجية.
وكان الرئيس التركي، ببساطة، في حاجة إلى وقوف موسكو معه، وسبب تحوّل أردوغان نحو موسكو هو سلوك سيد البيت الأبيض، جو بايدن، الذي يتجاهل عملياً الرئيس التركي… ناهيك عن أنّ روسيا أعطت الدور اليوم للتركي في اتفاقية توريد الحبوب وفي دوره الدبلوماسي في الأزمة الأوكرانية، والأهم أن روسيا لا تحبذ إشعال صراع جديد وهي في أوج عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا.. وبالتالي فإن حراكها الدبلوماسي في إنهاء الحرب على سورية بوتيرة متسارعة اليوم إضافة إلى أن القرار الدولي قد اتخذ بإنهاء الحرب على سورية وإيجاد مكان للإعمار والاستثمار وكبح جموح التضخم الاقتصادي الذي طال كافة الاقتصادات العالمية فيكون كبحة بداية من سورية.
/انتهى/
المصدر: وكالة مهر للأنباء
Discussion about this post