تفتح الوثائق السرية للبنتاغون نافذة نادرة الإطلالة على كيفية تجسس الولايات المتحدة على الحلفاء والأعداء على حدّ سواء، وهو الأمر الذي أثار قلق المسؤولين الأمريكيين من أن يؤدي هذا الانكشاف إلى تعريض المصادر الحساسة للخطر، وكذلك العلاقات الخارجية المهمة، وأثر هذا التسريب على الأمن القومي الأمريكي.
على الرغم من اتهام روسيا بتزوير الوثائق، إلا أن التحقيقات تؤكد أن الوثيقة الوحيدة التي تم تزويرها هي الخاصة بأعداد القتلى من الجنود لدى روسيا وأوكرانيا. تكشف الوثائق عن مدى التنصّت الأمريكي على الحلفاء الرئيسيين، بما في ذلك كوريا الجنوبية و”إسرائيل” وأوكرانيا. كما تكشف وثائق أخرى عن الدرجة التي اخترقت بها الولايات المتحدة وزارة الدفاع الروسية ومنظمة مجموعة فاغنر، من خلال الاتصالات التي تمّ التنصّت عليها بالإضافة إلى المصادر البشرية، وعليه سيتم قطع هذا التنصّت وكشف الجواسيس.
الكشف عن نقاط الضعف الأوكرانية
في الدفعة الثانية من التسريب، كشفت المخابرات الروسية عن 100 وثيقة جديدة كشفت المزيد من نقاط الضعف الرئيسية في الأسلحة الأوكرانية، والدفاع الجوي، وأحجام الكتائب، والاستعداد في مرحلة حرجة من الحرب. وقد غيرت أوكرانيا بالفعل بعض خططها العسكرية بسبب التسريب، حسبما قال مصدر مقرب من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لشبكة CNN.
تلقي هذه الوثائق الضوء على الالحاح الذي تضغط به كييف على حلفاء الولايات المتحدة ومنظمة حلف شمال الأطلسي لتسريع تسليم أنظمة الدفاع الجوي الغربية الصنع وتزويد أوكرانيا بمقاتلات نفاثة غربية الصنع، مثل طائرات F-16، حتى تتمكن من منع توغلات القاذفات الروسية. وفقًا لإحدى الوثائق، فإن النتيجة المحتملة لأزمة الدفاع الجوي التي تلوح في الأفق هي أن أوكرانيا ستفقد قدرتها على حشد القوات البرية بالقرب من الخطوط الأمامية، وشن هجوم مضاد. وكشفت وثيقة أخرى بتاريخ 28 فبراير/ شباط، أن أوكرانيا ستكون قد استنفدت مخزونها بالكامل من صواريخ بوك بحلول 13 أبريل/ نيسان، وصواريخ S-300 بحلول 3 مايو/ أيار، بمعدلات الاستهلاك الحالية. وفي إحدى الخرائط المسربة، تمّ الكشف عن أنّ معظم البنية التحتية الوطنية الحيوية لأوكرانيا خارج منطقة كييف ومنطقتين أخريين في جنوب غرب أوكرانيا لن يكون لها غطاء للدفاع الجوي. وقالت إن عدد المواقع الحيوية غير المحمية سيرتفع من ستة إلى أكثر من 40.
وبناءً على هذه التسريبات، يقول تقرير إن بوتين ربما يستعد لجلب طائرات قاذفة روسية ثمينة إلى الحرب على أوكرانيا بعد أن وجدت معلومات استخباراتية عسكرية مسربة أن القوة الجوية الأوكرانية “ سيتم تقليصها بالكامل ” بحلول يونيو/ حزيران.
التجسس على الأصدقاء
التجسس على وزير الدفاع البريطاني
وفقًا لوثيقة أخرى مسربة، تكشف تجسس الولايات المتحدة على وزير الدفاع البريطاني بن والاس، أنه أبلغ البرلمان البريطاني عن المواجهة في أكتوبر/ تشرين الأول عن مواجهة بين مقاتلة روسية وطائرة تجسّس بريطانية كانت تحلق فوق أوكرانيا إلا أنه لم يفصح عن أنها كادت تسقط بسبب صاروخ روسي، بل عزا والاس إطلاق الصاروخ إلى عطل فني. وفقًا للوثيقة، أن هذه الحادثة كادت أن تدخل الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو إلى الحرب الروسية الأوكرانية.
التجسس على مصر
إلى ذلك، تتجسس الولايات المتحدة على شريكتها الأولى في الدول العربية مصر، حيث تتلقى أكثر من مليار دولار من المساعدات العسكرية سنويًا. إذ كشفت وثيقة عن مفاوضات الأسلحة السرية بين مصر وروسيا، عندما خطط الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتزويد الكرملين بعشرات الآلاف من الصواريخ. حصلت صحيفة واشنطن بوست على سلسلة من الملفات السرية نُشرت في فبراير ومارس عن محادثات مفصلة بين مسؤولين مصريين رفيعي المستوى حول بيع أسلحة لروسيا. في إحدى الوثائق، أمر السيسي المسؤولين بالحفاظ على سرية الشحنة وإنتاج الأسلحة بكميات كبيرة “لتجنب المشاكل مع الغرب“. الوثيقة السرية للغاية، المؤرخة في 17 فبراير، تعرض نقاشًا من المسؤولين المصريين حول كيفية تزويد نظرائهم الروس بالبارود والمدفعية من المصانع المصرية. هذا الأمر يمكن أن يكون له تأثيرًا كبيرًا على العلاقات بين مصر والولايات المتحدة التي يمكن أن تفرض عقوبات على القاهرة.
التجسس على زيلينسكي
تكشف إحدى الوثائق أن الولايات المتحدة كانت تتجسس على زيلينسكي. يقول تقرير المخابرات الأمريكية، الذي تم الحصول عليه من استخبارات الإشارات، إن زيلينسكي في أواخر فبراير «اقترح ضرب مواقع الانتشار الروسية في روستوف أوبلاست الروسية» باستخدام مركبات جوية بدون طيار، لأن أوكرانيا ليس لديها أسلحة بعيدة المدى قادرة على الوصول إلى هذا الحد. تشمل استخبارات الإشارات الاتصالات التي يتم اعتراضها ويتم تعريفها على نطاق واسع من قبل وكالة الأمن القومي على أنها “استخبارات مستمدة من الإشارات الإلكترونية والأنظمة التي تستخدمها أهداف أجنبية ، مثل أنظمة الاتصالات والرادارات وأنظمة الأسلحة“. ويمكن أن تفسر المعلومات الاستخباراتية التعليقات الأمريكية العلنية حول عدم رغبتها في إعطاء أوكرانيا أنظمة صواريخ بعيدة المدى بسبب مخاوف من أن كييف ستستخدمها لضرب داخل روسيا. لكن أوكرانيا تعهدت بعدم استخدام الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة للقيام بذلك.
التجسس على الكيان المؤقت
أثار تقرير استخباراتي عن إسرائيل غضبًا في الكيان، إذ يقول التقرير، الذي أعدته وكالة المخابرات المركزية ومصدره إشارات الاستخبارات، إن وكالة الاستخبارات الرئيسية في إسرائيل، الموساد، كانت تشجع الاحتجاجات ضد الحكومة الجديدة في البلاد – “بما في ذلك العديد من الدعوات الصريحة للعمل”، ورد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نيابة عن الموساد صباح الأحد، واصفا التقرير بأنه “كاذب ولا أساس له على الإطلاق”.
وتقدم وثيقة سرية أخرى، مصدرها أيضا استخبارات، نافذة على كيفية تقييم الولايات المتحدة لسياسات حلفائها – وكيف يمكن للولايات المتحدة ممارسة نفوذها لتغييرها. وتقول الوثيقة، التي تحمل عنوان “إسرائيل: مسارات لتقديم مساعدات فتاكة لأوكرانيا”، إن القدس “ستنظر على الأرجح في تقديم مساعدات فتاكة تحت ضغط أمريكي متزايد أو تدهور ملحوظ” في علاقتها مع روسيا.
التجسس على كوريا الجنوبية
ومع ذلك، تصف وثيقة أخرى، بتفصيل ملحوظ، محادثة بين اثنين من كبار مسؤولي الأمن القومي في كوريا الجنوبية حول مخاوف مجلس الأمن القومي في البلاد بشأن طلب الولايات المتحدة للذخيرة. وأعرب المسؤولون عن قلقهم من أن توريد الذخيرة، التي سترسلها الولايات المتحدة بعد ذلك إلى أوكرانيا، من شأنه أن ينتهك سياسة كوريا الجنوبية المتمثلة في عدم تقديم المساعدات الفتاكة للدول التي هي في حالة حرب. ووفقا للوثيقة، اقترح أحد المسؤولين بعد ذلك طريقة للالتفاف على السياسة دون تغييرها فعليا – عن طريق بيع الذخيرة إلى بولندا. وأثارت الوثيقة بالفعل جدلا في سيول، حيث قال مسؤولون كوريون جنوبيون للصحفيين إنهم يخططون لإثارة القضية مع واشنطن.
التجسس على الأعداء
يكشف التسريب الهائل أيضا أن اختراق الولايات المتحدة لوزارة الدفاع الروسية ومنظمة Wagner Group أعمق مما كان مفهومًا سابقًا. تم جمع الكثير من المعلومات حول روسيا عبر الاتصالات التي تم اعتراضها، مما أثار مخاوف من أن الروس قد يغيرون الآن طريقة اتصالهم لإخفاء تخطيطهم بشكل أفضل.
تظهر الوثائق أن الولايات المتحدة تمكنت من اعتراض خطط الاستهداف الروسية، والتي بموجبها محطات الطاقة الحرارية الدقيقة والمحطات الفرعية الكهربائية وجسور السكك الحديدية والمركبات التي خططت القوات الروسية لمهاجمتها داخل أوكرانيا ومتى. كما تمكنت الولايات المتحدة من اعتراض الاستراتيجية الروسية لمكافحة دبابات الناتو المقرر دخولها أوكرانيا ابتداء من أبريل. ويقول تقرير الاستخبارات الأمريكية إن الخطة “دعت إلى إنشاء ثلاث مناطق لإطلاق النار على أساس المدى – طويلة ومتوسطة وقصيرة – مع تغطية كل منطقة بأسلحة وأنواع وحدات محددة”.
بانتظار المزيد من الانكشاف
ربما يعلم الجميع أن كل دولة لديها جهاز استخبارات لا يأمن منه حتى الصديق، إلا أن الخطورة في هذه المعلومات التي تنكشف على دفعات هو عن طريقة عمل هذه الاستخبارات وكيفية تقييمها للأحداث، وقراءة ردود أفعالها بدون الكشف عن أسبابها.
المصدر: الصحافة الأمريكية
Discussion about this post