بتفاؤل حذر لا يخلو من التشكيك بالنوايا، تتفحّص صنعاء عن كثب المسودة التي حملها إليها الوفدان العماني والسعودي. خاصة وان السفير السعودي، محمد آل جابر، خرج عن بعض ما كان قد اتفق عليه في الجلسات التفاوضية في سلطنة عمان. وقد لا يبدو مستغرباً ما نقلته مصادر مطلعة في حديثها لموقع “الخنادق”، عن مطالبة الرياض للوفد العماني بالتوسط لها عند صنعاء، لتلعب بدورها، دور الوسيط. اذ ان ما يبحث عنه ولي العهد، من مخرجات الأزمة، لم يحصل عليه بعد، وهو انهاء الحرب بقليل من ماء الوجه. بعدما اضطر، ان يرسل سفيره للتفاوض مع “مجموعة من المتمردين” كان يتوعد بعزلهم طيلة 8 سنوات.
السيد الحوثي: الرياض طرفاً لا وسيط
“يكمن الشيطان في التفاصيل، ويحب الركون إلى الدقائق الأخيرة”، هذا ما يلخص المشهد في صنعاء اليوم. وبينما تتزايد الأنباء الواردة عن اتفاق قريب، تقول مصادر مطلعة تحدثت إلى “الخنادق”، ان “المؤشرات إلى حد الآن تشي بتجديد الهدنة لا باتفاق كامل يشمل الشروط التي وضعتها صنعاء، وعلى رأسها خروج القوات الأجنبية”. وأضافت المصادر انه “قد يتم الاتفاق على صيغة وسطية بالخروج التدريجي من البلاد، وذلك مرهون بموافقة صنعاء”. مشددة على أن “هناك ضخ كمية كبيرة من الشائعات التي تهدف إلى التأثير على اليمنيين والضغط على الوفد المفاوض من جهة أخرى”. موضحةً ان “كل ساعة تحمل جديداً يقرّب او يبعّد وجهات النظر، خاصة وان آل جابر يستمر بالمناورة لكسب تنازل ما، توازياً مع تمسك صنعاء بشروطها… المفاجآت قد تحدث بأي وقت”.
بدوره، أجاب قائد حركة أنصار الله، السيد عبد الملك الحوثي، على مطالبات الرياض وبشكل علني. وقال خلال محاضرته الرمضانية: “التحالف هو من يتحمل المسؤولية تجاه حرمان شعبنا من ثروته النفطية وهو من يتحمل اليوم المسؤولية في ان يتيح لشعبنا الاستفادة منها مع تعويضه بما قد حرم على مدى السنوات الثمانية”. مضيفاً “لا يمكن ان تتحول المسألة مشكلة مع صغار المرتزقة، ليسوا إلا جندياً عند التحالف…لا يمكن ان يتحول دور من قدم نفسه منذ بداية العدوان إلى اليوم بصفة قائد للتحالف، قائد للحرب، منفذ للعمليات الهجومية على بلدنا، طائراته هي التي تقصف وتدمر وتقتل، وكأنه مجرد وسيط”.
مفاوضات سعودية-يمنية استبعدت الأمم المتحدة والامارات
وقد كان من اللافت حصر المفاوضات التي ترعاها مسقط بشكل رسمي ومباشر، بالوفدين السعودي واليمني، دون حضور المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، والمبعوث الأميركي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، وهذا ما وصفه البعض، بأنه يجعل من المفاوضات أكثر جدية.
بالمقابل، كان استبعاد الامارات هو الأشد وقعاً، خاصة وان الميليشيات التابعة لها في الداخل اليمني اتخذت اجراءات تصعيدية، جاءت على لسان المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي، في حديث لشبكة “CNN” الأميركية، وقال أنّه لن يكون ملزمًا بأي اتفاق بين السعودية وحركة “أنصار الله” يمس الأمور المتعلقة بالجنوب، “سواء من الناحية الإدارية أو الأمنية أو في الأمور المتعلقة بمشاركة الموارد”. ولفت إلى أن “الرياض قد عزلت جميع أصحاب المصلحة المعنيين من هذه المحادثات”، وأكد المجلس أنه يدعم المفاوضات إذا اقتصرت على تمديد الهدنة، ولم تتناول إلا المخاوف الأمنية السعودية، مشيرًا إلى أنّه يريد عودة اليمن إلى الوضع الذي كانت عليه قبل عام 1990، عندما تم تقسيم البلاد إلى شمال اليمن وجنوب اليمن.
وكان رئيس المجلس الانتقالي، ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، عيدروس الزبيدي، قد صعّد تحركاته السياسية والدبلوماسية، خلال زيارته إلى العاصمة الروسية موسكو في 18 اذار/ مارس المنصرم، سعياً لما وصفه بـ “إعادة إحياء العلاقات الروسية الجنوبية”، التي كانت قائمة قبل الوحدة اليمنية، وقبل انهيار الاتحاد السوفييتي. وبحسب الانتقالي، فإنّ الهدف من الزيارة “الدفع بقضية شعب الجنوب بما يكفل الوصول إلى حل عودة الدولتين إلى حدود ما قبل 22 مايو/أيار 1990، وتحقيق تطلعات شعب الجنوب باستعادة وإقامة دولته الفيدرالية المستقلة كاملة السيادة”.
سيميائية الصورة
كان من الواضح، خلال رصد وسائل الاعلام السعودية، أن هناك قرار بعدم مواكبة المفاوضات، حتى ان وصول السفير السعودي إلى صنعاء لم يحظَ بالتغطية المتوقعة. ويقول رئيس دار المعارف للبحوث والاحصاء، سعيد بكران، المؤيد للامارات، انه بالنسبة “للآلة الاعلامية السعودية، فلا معلومات مواكبة ودقيقة تتسم بالوضوح، ويكاد الاعلام الرسمي غائب عن المواكبة”. وأضاف “حتى صور تحركات السفير في صنعاء نشرها إعلام الحوثيين أولاً، وخبر وصوله لم يصدر عن اي وسيلة اعلامية رسمية سعودية”. وهذا ما دفع عدداً كبيراً من الناشطين الخليجيين على وسائل التواصل الاجتماعي للنفي ان السفير قد وصل إلى اليمن، مشددين على ان “مَن وصل هو وفد اقل رتبة من السفير”.
بالمقابل، انتشرت في الساعات الماضية صور وصول السفير إلى صنعاء ثم لقاءه برئيس المجلس السياسي الأعلى، المشير مهدي المشاط، تداولها ناشطون بهدف القاء الضوء على عدد من المفارقات:
وجود العلم اليمني فقط في القاعة عند لقاء المشاط مع الوفدين السعودي والعماني
المقارنة بين استدعاء أعضاء مجلس القيادة وحكومة معين عبد الملك إلى الرياض، وحضور السفير إلى صنعاء
وتداول الناشطون صورة محمد آل جابر يصافح المطلوب للحكومة السعودية، لقاء مكافأة تبلغ 20 مليون دولار مقابل أي معلومات عنه، عضو المجلس السياسي الأعلى، محمد علي الحوثي، مرفقة بعبارة “بلّغ بن سلمان عن مكانه تغنى”.
المصدر الخنادق
Discussion about this post