الأدب العربي في فلسطين تراث فكري ثمين، وثروة فنية ضخمة، وحلقة فيي سلسلة الأدب العربي المعاصر في كل قطر من أقطار الوطن العربي الكبير.
وعلي الرغم من أهمية هذا الأدب، وسمو قيمته الفنية لم تتجه إليه عناية الدارسين من مؤرخي الادب ونقاده المتخصصين في الدراسات الأدبية،ويرجع ذلك إلي ظروف فلسطين قبل الكارثة وبعد حدوثها حيث حالت تلك الظروف دون تسليط الأضواء الكاشفة علي ادبها بفنونه المتعددة وألوانه المختلفة.
ويصدق الحكم علي الدارسين من أبناء فلسطين نفسها بخاصة، وأبناء الوطن العربي بعامة. وإلي يومنا هذا لم تعرض عيون الأدب علي القراء. ولم يفصل القول في أجناسه ولم يترجم لأعلامه البارزين من الشعراء والكتاب.
ولعل من أسباب ذلك قبل الكارثة أو قبل سنة 1948 ،أن الثورات الوطنية التي نشبت في البلاد- وهي تكافح الصهيونية والانتداب- كانت مستمرة لا يخبو لها أوار، ولا تكاد حكومة الانتداب تتمكن من إخماد ثورة في مكان حتي تشتعل ثورة بل ثورات في أمكنة متعددة.
وجد وجَّه كفاح أبناء فلسطين وثوراتهم المستمرة الطاقات الفكرية والأدبية للجهاد المسلح باعتباره السبيل الوحيد للتحرر من الانتداب ومقاومة الصهيونية،والظفر بالحرية والاستقلال، وحرمت هذه الثورات المستمرة- خلال ثلاثين سنة من سنة 1917 إلي سنة 1947- فلسطين الأمن والطمأنينة والاستقرار الذي نعمت به الأقطار العربية وبخاصة مصر والشام.
أما بعد حدوث الكارثة سنة 1948 فقد جنت تلك المأساة المروعة علي تراث فلسطين الفكري والأدبي بعد جنايتها علي مئات الألوف من أبناء البلاد، واضطر العلماء والأدباء والمفكرون إلي الهجرة من فلسطين إلي الأقطار العربية مخلفين وراءهم ثمار عقولهم ونتاج قرائحهم،ومكتباتهم الخاصة الحافلة بأمهات الكتب،وأعظم المصادر في اللغة والأدب والتاريخ الإسلامي.
ونهبت العصابات الصهيونية عام المأساة 1948 المكتبات الخاصة لأعلام فلسطين البارزين من العلماء والكتاب،والمكتبات العامة بما فيها من ثروات فكرية،وبخاصة في مدينة بيت المقدس التي كان بها عدد غير يسير من المكتبات القيمة،وتبددت ثروة فكرية ضخمة من المؤلفات الفلسطينية ومن آثار المفكرين والعلماء والكتاب والشعراء من أبناء فلسطين. وتعذر الوصول إلي تلك المطبوعات والمخطوطات النادرة التي لا تقدر بمال.
وتوجه اهتمام الادباء العرب إلي دراسة الادب العربي في فلسطين و،وظهرت كتابات ودراسات حول هذا الأدب ،ومن هذه الدراسات، ما كتبه ناصر الدين الأسد عام 1957 تحت عنوان”الاتجاهات الأدبية في فلسطين والأردن” ، وهو محاضرات ألقاها علي طلبة قسم الدراسات الأدبية واللغوية في معهد الدراسات العربية، وقرر في مقدمتها ان المحاضرات محاولة أولي لدراسة الحياة الأدبية في فلسطين والأردن محدودة بزمن معين، مقصورة علي هدف معين،وقسم البحث إلي ثلاثة أقسام تناول في الأول عوامل النهضة الحديثة ومظاهرها، وفي الثاني النثر الفني، وفي الثالث الشعر، .
والبحث الثاني له بعنوان: ” الشعر الحديث في فلسطين والأردن” عام 1960 ،وهو كسابقه محاضرات ألقيت علي طلبة المعهد، وذكر الباحث أنها محاولة أخري لدراسة جانب من جوانب الحياة الأدبية في فلسطين والأردن تتجه نحو التخصيص بعد التعميم،وقد اقتر علي الشعر وحده.
وفي عام 1960، ناقش الدكتور عبد الرحمن ياغي رسالته للدكتوراة ، وحصل علي درجة الدكتوراة من قسم اللغة العربية بجامعة القاهرة،وكان موضوعها “حياة الأدب الفلسطيني الحديث من أول النهضة حتي النكبة؟،والرسالة مقسمة إلي ثلاثة أقسام تناول الباحث في الاول الظروف التي ساعدت علي النهضة الأدبية في فلسطين، وفي الثاني حياة الشعر،وفي الثالث حياة النثر.
وتوقف الباحث عند سنة 1948، التي وقعت فيها النكبة أدت به أن يغفل أخصب مرحلة من مراحل الأدب الفلسطيني أو بتعبير أدق النكبة أو المأساة او الكارثة الذي صور فيه أبناء فلسطين من الشعراء والكتاب فواجع المأساة أهوالها، وتشرد أبناء فلسطين وتبعثرهم في الدروب.
كما أن الشعراء لم ينشروا دواوينهم إلا بعد سنة 1950 باستثناء إسكندر الخوري وحسن البحيري والشيخ إبراهيم الدباغ،وما يُقال عن الشعراء يُقال أيضًا عن كتاب القصة القصيرة والمقالة.
ومن هنا جاءت دراسة الدكتور كامل السوافيري” الأدب العربي في فلسطين(1860-1960)” لتمتد هذه الفترة إلي سنة 1960 ، وقد قسم مراحل الأدب العربي في فلسطين زمنيًا إلي أربع مراحل
المرحلة الأولي من 1860- 1907
المرحلة الثانية 1908- 1918
المرحلة الثالثة 1926- 1947
المرحلة الرابعة من 1948- 1960
أما السنوات السبع من 1919- 1926 فقد اعتبرها الكاتب فترة انتقال ومرحلة فاصلة بين عهدين:
الاول الذي كانت فيه البلاد خاضعة لسيطرة الحكم العثماني،والآخر الذي خضعت فيه للانتداب البريطاني،كما أنها مهدت أيضًا للنهضة.
وقسم الكاتب الكتاب إلي قسمين: الأول للشعر ،والآخر للنثر، وتناول الشعر في أربعة فصول موزعة علي المراحل الأربع لكل مرحلة فصل،وفي كل مرحلة ألقي الضوء علي الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية. وسلطتها علي حياة الشعر وتطوره والترجمة لأعلامه وتقديم النماذج لكل شاعر.
أما القسم الآخر الخاص بالنثر، فقد جاء في أربعة فصول أيضًا تناول في الأول نشاته وتطوره وفنونه بوجه عام،وفي الثاني المقالة والترجمة لأعلامها.وفي الثالث القصة والمسرحية والترجمة لأعلامها وفي الرابع الترجمة.
Discussion about this post