قبل ايام قلائل، وفي خضم استعدادات رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي لزيارة المملكة العربية السعودية من اجل المشاركة في القمة المزمع عقدها في الرياض منتصف شهر تموز/ يوليو المقبل بين الرئيس الاميركي جو بايدن وعدد من زعماء دول المنطقة، رفع عدد من اعضاء مجلس النواب العراقي طلبا الى الكاظمي عن طريق رئيس المجلس محمد الحلبوسي، يقضي بعدم ابرام اي اتفاقية او معاهدة مع اي طرف، لان ذلك يتناقض مع حدود صلاحيات ومهام حكومة تصريف الاعمال وفق ما نص عليه الدستور وما حددته المحكمة الاتحادية العليا.
لعل النواب الذين تقدموا بهذا الطلب، تجنبوا الخوض في الجانب الاخر الكامن وراء الطلب، بعيدا عن القيود والمحددات الدستورية والقانونية، والمتمثل بطبيعة قمة الرياض، والاهداف المرجوة منها، التي تبين واتضح جزء منها عبر تصريحات وردت من هنا وهناك على لسان بعض ممن سوف يشاركون فيها.
فالرئيس الاميركي جو بايدن الذي تعرض لحملة انتقادات لاذعة مبكرة، بسبب نيته زيارة السعودية ولقائه ولي العهد محمد بن سلمان المتهم بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، اكد ان زيارته لا تهدف الى لقاء ابن سلمان وانما تهدف الى بحث ومناقشة قضايا الامن والاقتصاد وبما يخدم مصالح واشنطن وحلفائها واصدقائها في المنطقة، في اشارة الى الكيان الصهيوني بالدرجة الاساس.
ومع عدم القطع والتأكد بأن بايدن سيزور السعودية خلال جولته الشرق اوسطية والاوروبية المرتقبة، التي من المفترض ان تشمل تل ابيب، اوضحت المتحدثة باسم البيت الابيض كارين جان ـ بيير “أن هذه الرحلة الى “إسرائيل” والسعودية، عندما يحين وقتها، ستكون في سياق أهداف هامة للشعب الأمريكي في منطقة الشرق الاوسط، واذا قرر بايدن أنه من مصلحة الولايات المتحدة التعامل مع زعيم أجنبي، وأن تعاملا كهذا يمكن أن يأتي بنتائج، عندها سيقوم بذلك”، مشيرة الى “أن السعودية شريك استراتيجي للولايات المتحدة منذ نحو ثمانين عاما، ولا مجال للشك في تداخل مصالح هامة مع المملكة”.
في ذات الوقت تقريبا اصدر الديوان الملكي السعودي بيانا رسميا، اكد نبأ زيارة بايدن للمملكة يومي الخامس عشر والسادس عشر من الشهر المقبل، ولقائه كل من الملك وولي العهد، الى جانب مشاركته في القمة التي دعا اليها الملك دول مجلس التعاون الخليجي والاردن ومصر والعراق.
ويبدو ان الملك الاردني عبد الله الثاني، كان الاكثر وضوحا في الحديث عن قمة الرياض المرتقبة، حينما اعرب عن ترحيب بلاده بإنشاء ما اسماه بـ(ناتو شرق اوسطي) على غرار حلف الناتو الاوروبي ـ الاميركي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية لمواجهة المدّ الشيوعي بزعامة الاتحاد السوفياتي السابق.
وفي مقابلة اجرتها معه شبكة (CNBC) الاميركية مؤخرا، اكد الملك عبد الله الثاني، انه سيدعم تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط على غرار حلف شمال الأطلسي، على أن يتم ذلك مع الدول التي لديها نفس التفكير، قائلا “أود أن أرى المزيد من البلدان في المنطقة تنخرط في هذا المزيج، سأكون من أوائل الأشخاص الذين يؤيدون إنشاء ناتو في الشرق الأوسط”، وان رؤية مثل هذا التحالف العسكري يجب أن تكون واضحة جدا، ودوره يجب أن يكون محددا بشكل جيد، ويجب أن يكون بيان المهمة واضحا جدا جدا، وإلا فإنّه يربك الجميع”.
وقبل حوالي اربعة اعوام، كانت الولايات المتحدة الاميركية قد دعت الى تشكيل تحالف عسكري عربي على غرار حلف الناتو، يضم دول الخليج ومصر والاردن ومعها اسرائيل لمواجهة الخطر الايراني. حيث صرح متحدث باسم البيت الابيض في حينه قائلا “إن تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي سيشكل حصنا في مواجهة العدوان والإرهاب والتطرف الإيراني، وسوف يرسي السلام في الشرق الأوسط”.
بينما ادّعى قائد القيادة المركزية الاميركية السابق الجنرال جوزيف فوتيل في قمة عسكرية بدولة الكويت في الثاني عشر من ايلول/ سبتمبر من عام 2018، “أن هناك اثنين من التهديدات الأمنية في المنطقة، يتمثلان بأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار، والمنظمات الإرهابية المتطرفة”.
وفي اطار قراءته لمعطيات واهداف قمة الرياض المرتقبة، يشير الوزير العراقي السابق باقر جبر الزبيدي الى ان زيارة الرئيس الأميركي بايدن المرتقبة إلى المنطقة وتحديدا إسرائيل والسعودية هي من أجل بناء تحالف دفاعي في الشرق الأوسط، يستهدف إيقاف هجمات الطائرات المسيّرة والصواريخ والزوارق الانتحارية، وسيكون بقيادة أمريكا وإسرائيل، ورغم عدم إعلان أعضائه إلا أنه من المتوقع أن يضم الإمارات والبحرين ومصر فيما لا تزال السعودية تماطل للدخول في هذا التحالف الموجه ضد إيران وحلفائها بالأساس”.
ويرى الزبيدي “ان عدم دخول السعودية يعني إنهيار التحالف قبل أن يبدأ لأن الدول المنضمة سترفض دفع فاتورة تمويل التحالف، وحدها الرياض التي استفادت من الهدنة مع الحوثيين، ترى أن الحلول الدبلوماسية مع إيران أفضل، وأن السياسة الأميركية اتجاهها تتغير مع تغير الرئيس”.
ويضيف “أن إيران قادرة على نشر مليون لغم بحري متنوع وإغلاق هرمز وباب المندب الذي يخضع لسيطرة حلفائها في اليمن ورفع سعر برميل النفط إلى أكثر من 300 دولار للبرميل إضافة إلى علاقاتها الأفريقية القادرة على إيقاف الملاحة في رأس الرجاء الصالح”.
ولأن معظم الاطراف السياسية ـ لا سيما قوى الاطار التنسيقي ـ تدرك مخاطر جرّ العراق الى تحالفات واصطفافات تعود عليه بالضرر وليس الفائدة، ناهيك عن كونها تخلق المزيد من الفوضى والاضطراب والقلق في المنطقة، فانها طالبت الكاظمي منذ وقت مبكر بعدم المشاركة في قمة الرياض. وربما تكون زيارة الاخير المفاجئة لطهران ـ المقررة يوم الاحد 26 حزيران الجاري ـ غير بعيدة عن ظروف واهداف ومبررات مشاركة العراق في القمة، علما ان القراءات الاولية للزيارة تمحورت اساسا حول تشكيل الحكومة الجديدة ومدى امكانية التجديد للكاظمي لولاية ثانية.
ولعل الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها والقفز عليها، هي ان العراق الذي يرتبط بعلاقات استراتيجية جيدة مع ايران، وكان للاخيرة مواقف ايجابية حياله على طول الخط، ينبغي ان لا ينخرط في اي مشاريع مضادة لها، خصوصا اذا كان مصدرها واشنطن وتل ابيب واطراف اخرى لا تتردد في الافصاح عن اهدافها ومشاريعها وخططها.
Discussion about this post