لا شكّ في أن هناك رغبة أميركية وأوروبية في إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران في ظل ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، والسعي الغربي لتأمين بدائل عن الطاقة الروسية مخصصة لأوروبا، لكنّ هناك معوّقات متعدّدة تدفع إلى الشكّ في قدرة الأميركيين والإيرانيين على التوصل إلى اتفاق في المدى المنظور، أو أقلّه قبل الانتخابات النصفية الأميركية، وذلك للأسباب التالية:
1- عدم رغبة إيرانية في تقديم تنازلات:
يهدف الأوروبيون والأميركيون إلى تأمين مصادر بديلة عن الغاز والنفط الروسيَّين مخصّصة لأوروبا، وقد يكون البحر المتوسط، بالإضافة إلى وسط آسيا، المنطقتين المرشحتين للقيام بهذا الدور بسبب القرب الجغرافي من أوروبا.
وكانت عدّة طروحات غربية شدّدت على أهمية رفع العقوبات عن إيران، الأمر الذي يسمح للأوروبيين باستيراد الغاز الإيراني لأوروبا عبر خط نابوكو، والذي كان من المفترض أن ينقل الغاز من بحر قزوين إلى النمسا عبر تركيا، وتَعَطّل العمل فيه بسبب عدم القدرة على تأمين الغاز.
وسابقاً، في خضمّ المساعي الأوروبية لتأمين بديل عن الطاقة الروسية قبل الحرب السورية، تمّ اقتراح خطّ أنابيب آخر لتصدير الغاز الطبيعي من حقل بارس الجنوبي (تتشارك فيه قطر وإيران) إلى أوروبا، وسُمِّي “خط الأنابيب الإسلامي”، الذي كان سيمرّ عبر حقل بارس الجنوبي والعراق وسوريا، ومن هناك إلى لبنان وتركيا فأوروبا. وتعطّل هذا المشروع بسبب انعدام الأمن في الدول الواقعة على هذا الخط.
اليوم، بعد التطورات التي حدثت منذ خروج الأميركيين من الاتفاق النووي عام 2018، وبعد الحرب الأوكرانية، زادت حاجة الأوروبيين والأميركيين إلى توقيع الاتفاق مع إيران، من أجل السماح لها بتصدير الغاز والنفط إلى أوروبا، وقدرة الأوروبيين على شرائه والدفع لإيران من دون الخوف من العقوبات.
لكنْ، لا يبدو أن الإيرانيين مستعدّون للعودة إلى الاتفاق من دون الحصول على مكاسب جيدة، منها أن تتم إزالة حرس الثورة عن قائمة الإرهاب، وإعطاء ضمانات بعدم التراجع عن الاتفاق في حال مجيء الجمهوريين إلى الحُكم عام 2024، وهما شرطان مرتبطان بالكونغرس الأميركي، ولا قدرة لإدارة بايدن على تقديمهما.
زد على ذلك، أن توقيع الاتفاقيات بين الصين وإيران أتاح للإيرانيين بدءَ تخطي العقوبات، عبر استثمارات صينية هائلة في عدد من القطاعات، منها النفط والطاقة، بالإضافة إلى القطاع السياحي. وعلى الرغم من عدم وجود تقارير رسمية بشأن بيع النفط الايراني والجهات التي تشتريه، فإنّ من المؤكد أن هذا القطاع بدأ يتخطى العقوبات، فلقد أعلن محسن خجسته مهر، الرئيس التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية، أن إنتاج النفط الإيراني عاد إلى المستوى نفسه الذي كان عليه قبل العقوبات، بمعدل 3.8 ملايين برميل يومياً، بعد أن تراجع بشدة في إثر فرض العقوبات.
2- الموقف العربي:
يزور الرئيس الأميركي، جو بايدن، المنطقة في الشهر المقبل، في محاولة لتطمين الحلفاء (“إسرائيل” والسعودية)، ولترميم العلاقة الأميركية السعودية بعد قضية خاشقجي، ومحاولة إقناع السعودية بزيادة إنتاج النفط لتهدئة الأسواق وتخفيض الأسعار.
لكن، يقف بايدن وإدارته أمام معضلة مزدوجة. فهو، من ناحية، يريد أن يعيد الاتفاق النووي مع إيران من أجل تسهيل وصول الغاز الإيراني إلى أوروبا وتخفيض أسعار النفط التي تلهب المستهلك الأميركي. ومن ناحية أخرى، لا يريد إغضاب “إسرائيل” والسعودية، وخصوصاً بعد سلسلة من المواقف التي بدت فيها السعودية أقرب إلى روسيا والصين من قربها إلى أميركا.
في هذا الإطار، كان لافتاً، خلال الجولة التي قام بها ولي العهد السعودي في مصر والأردن وتركيا، والإعلانات المشتركة في كل من مصر والأردن بشأن التزام أمن الخليج. وفي إثرها قام العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، بطرح فكرة “تشكيل تحالف عسكري في الشرق الأوسط، على غرار حلف شمال الأطلسي”، وكشف أن ذلك يمكن أن يتم مع الدول التي تشاطره الرأي.
وعبر دراسة طبيعة التهديدات التي يمكن أن يواجهها الأردن و”الدول التي تشاطره الرأي”، يمكن التأكيد أن هذا “الناتو العربي” سيكون موجَّهاً ضد إيران. واقعياً، هذا الطرح يفيد “إسرائيل”، ولا يفيد الدول العربية الخليجية، التي تحتاج إلى بيئة استثمار جيدة، والتي يُلائمها إبقاء التوازن السياسي، إقليمياً ودولياً، في منطقة الخليج، وعدم الزَّجّ بنفسها في صراعات عسكرية ستدفع دولها الثمن الأكبر فيها.
وهنا، يمكن طرح التساؤلات التالية: هل الطرح الأردني منسَّقٌ مع السعودية؟ وهل هو تمهيد لمطلب عربي خليجي من إدارة بايدن، خلال زيارته المنطقة، ثمناً لعودة العلاقات التاريخية؟ وهل ستوافق إدارة بايدن على هذا الطرح، الذي سيزيد في التوتر في المنطقة، وسيُبعد فرص الحلّ الدبلوماسي مع إيران؟ وهل تتراجع السعودية عن خطواتها الجديدة المتمايزة في العلاقات الدولية، لمصلحة فكرة تحالف عسكري عربي – إسرائيلي، سيفيد “إسرائيل”، ولا يفيد العرب في شيء؟
Discussion about this post