رفعت ابراهيم البدوي
منذ انطلاق العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، يحاول الرئيس الأميركي «الصهيوني» جو بايدن اصطناع قوة لا تشبهه، فالحقيقة التي أضحت ثابتة هي أن الدولة التي حكمت العالم بشكل أحادي صارت متعثرة وبلا سطوة كسابق عهدها، فهي حالياً تسير بين الألغام المتتالية كلما عطلت لغماً وقعت في ألعن منه.
حمل جو بايدن ملفاته إلى منطقة الشرق الأوسط متجولا بين الكيان الصهيوني ورام الله والمملكة العربية السعودية وهو يعلم مسبقاً أن ملفاته لا تعدو كونها فاصلاً إعلامياً لا يسمن ولا يغني عن مواصلة تعثره.
الرئيس بايدن تكلم مع الصهاينة بلسان صهيوني فهو الذي وصف نفسه بأنه صهيوني لحظة وطئت قدماه مطار تل أبيب، وفي القدس المحتلة أعلن بايدن عن ارتقاء العلاقة الأميركية مع الكيان الصهيوني من درجة الدعم إلى مصاف الشراكة الكاملة باتفاق مكتوب يلزم الحزبين الجمهوري والديمقراطي لتنفيذ الاتفاق، وهي سابقة خطرة لكونها تتجاوز دول المنطقة والقضية الفلسطينية، كما أنه تضمن دعوة لمواجهة إيران وحزب الله وحماس والجهاد، إضافة إلى منع إيران من بناء سلاح نووي ولو تضمن ذلك استخدام القوة، والأخطر في «إعلان القدس» تجاهل بايدن كليا القضية الفلسطينية وعملية السلام وحل الدولتين مكرسا القدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني.
على المقلب الآخر أعطى قرار الرياض بفتح المجال الجوي السعودي أمام الملاحة الجوية الإسرائيلية، انطباعاً بأن تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية صار مسألة وقت فقط، وأن العدو الإسرائيلي قد أحرز الجائزة التي انتظرها طويلاً أي التطبيع الكامل مع حامية الحرمين الشريفين.
انتهت زيارة بايدن للكيان الصهيوني وعلامات النصر والبهجة كانت واضحة على وجوه الصهاينة بالاستناد إلى تعهد بايدن بمنع حصول إيران على السلاح النووي ولو بالعمل العسكري، لكن تصريح رئيس وزراء الكيان الصهيوني يائير لابيد جاء مغايراً حين قال لم نتفق مع واشنطن بشأن التهديد الإيراني.
بايدن الذي حاول طمأنة الكيان الصهيوني وكبح جماحه تجاه إيران قدم للعدو الإسرائيلي رشوة ارتقاء بالعلاقة من الدعم إلى الشراكة، وهنا يجب أن نقرأ معنى هذه الترقية الأميركية للكيان الصهيوني، فالاكتفاء بالدعم يعني الاطمئنان لمستقبل هذا الكيان كقوة وبقدرات عسكرية تكنولوجية متفوقة في المنطقة، أما التعاون والشراكة، فإنها تعني يقيناً أميركياً أن مستقبل الكيان الصهيوني بات مهدداً بالزوال، وزوال هذا الكيان يعني زوال الهيمنة الأميركية على المنطقة برمتها وهنا مربط الفرس.
من القدس إلى رام الله للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس وصل بايدن خالي الوفاض ليس في جعبته سوى ورقة نعي للحقوق الفلسطينية، كما خانته الذاكرة افتكار الشعب الفلسطيني ولو بكلمة لتأتي الزيارة على حساب تغييب القضية الفلسطينية.
من تل أبيب مباشرة إلى جدة في المملكة العربية السعودية، دشن جو بايدن بطائرته الرئاسية خط الملاحة الجوية بين البلدين في خطوة اعتبرت هدية العصر للكيان الصهيوني، لكن بايدن في إسرائيل غير بايدن في جدة.
بداية من حيث طريقة الاستقبال في مطار الملك عبد العزيز في جدة والذي لا يليق برئيس دولة تحكم العالم، إلى طريقة دخوله قصر اليمامة حيث صافحه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بطريقة ندية غير معتادة، ثم لقاء لم يتعد الدقائق المعدودة مع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، ومن ثم اضطرار بايدن لعقد اجتماع خاص مع الأمير محمد بن سلمان.
يأتي كل ذلك بعد نفور بائن ساد العلاقة بين الرياض وواشنطن سببه فقدان ثقة السعودية بالحليف التاريخي وخصوصاً مع الإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض، وبعد تحميل ولي العهد المسؤولية عن مقتل واختفاء جثة الصحافي جمال خاشقجي في تركيا، إضافة إلى رفض السعودية طلب إدارة بايدن بزيادة إنتاج النفط لتخفيض سعره الآخذ بالارتفاع، الأمر الذي سبب إرباكاً في الإدارة الأميركية على المستوى الاقتصادي وسخطاً شعبياً جراء جنون أسعار مادتي البنزين والديزل، ما أدى إلى ركود اقتصادي وتضخم لم تعهده أميركا منذ 40 عاماً إضافة إلى غلاء سعر السلع في أميركا وأوروبا.
في جدة ظهرت نقاط الضعف في موقف بايدن حيث تصدر ملف زيادة إنتاج البترول السعودي في «قمة التنمية والأمن» حيث تبين أن لا تنمية ولا أمن في المنطقة إلا بالتطبيع وضمان تنمية وتعزيز أمن العدو الصهيوني.
ومن أجل تغطية اجتماعه بالأمير محمد بن سلمان المتهم بمقتل الخاشقحي، اضطر بايدن للاجتماع بقادة مجلس التعاون الخليجي، وأضيف للقمة كل من الأردن والعراق ومصر، وللأمانة نذكر أن موقف قطر ودولة الكويت كان منصفاً للقضية الفلسطينية، فالكويت رفضت التطبيع مع العدو الصهيوني قبل حل الدولتين وضمان حقوق الشعب الفلسطيني، أما الموقف القطري فكان لافتاً في كلمة الأمير تميم بن حمد حين انتقد العدو الإسرائيلي بشده قائلاً: إن مشاكل المنطقة تكمن في تجاوز إسرائيل للقوانين الدولية وفي سياستها الاستيطانية التوسعية على حساب الفلسطينيين، متهماً إياها العبث بأمن المنطقة من خلال تهديدها بالحرب ضد إيران، وختم أن بلاده تتمتع بعلاقة ثقة وحسن جوار مع إيران.
مما لا شك فيه أن ولي العهد السعودي رد عنه الاتهام بمقتل الخاشقحي باتهام أميركا مباشرة بارتكاب جرائم سجن أبو غريب، مضيفاً إليها جريمة مقتل الصحفية الأميركية شيرين أبو عاقلة، وهذا دليل على تغيير في مستوى العلاقة بين السعودية وأميركا وارتقائها إلى مستوى الندية التي لم نعهدها في السابق، في إشارة واضحة إلى أن السطوة الأميركية لم تعد فاعلة وأن العالم يتغير.
اذاً نتائج زيارة بايدن إلى المنطقة بدت هزيلة إن لم نقل صفراً، حيث تجلت النتيجة المخيبة في جدة وانحسرت حماسته التي أظهرتها أمام قادة الكيان الصهيوني بمواجهة إيران، وانقلب بايدن من منقذ إلى غريق يصرخ.. أنقذوني.
في النتائج
– لا «ناتو عربي» كما أعلن ملك الأردن، وهذا ما أكده وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان خلال المؤتمر الصحفي حيث قال: لم نبحث هذا الأمر ولا أدري من أين أتت هذه الفكرة.
– لا شبكة دفاع جوي عربية إسرائيلية مشتركة، كما أعلن وروج لها العدو الإسرائيلي سابقاً.
– لا أحلاف ضد إيران، وهذا ما أعلن عنه الوزير الإماراتي أنور قرقاش حين قال إن الإمارات لن تدخل في أي حلف ضد إيران وإن الإمارات بصدد إرسال سفيرها إلى طهران.
نلفت إلى تنصل دول الخليج من الناتو العربي ربما جاء بإيعاز أميركي وذلك لتطمين إيران ضمناً، ولعدم تعطيل أجواء التفاؤل بحصول التوقيع الأميركي المنتظر على الاتفاق النووي مع إيران.
لقد كان لافتاً كلام ولي العهد السعودي الإيجابي عن إيران والذي قوبل بكلام إيراني إيجابي أيضاً وعلى لسان مستشار المرشد خامنئي كمال خرازي بمد اليد الإيرانية لعلاقات طيبة مع السعودية الدولة الجارة الوازنة في المنطقة.
نختم بالقول إن بايدن عاد إلى البيت الأبيض بعدد زائد من براميل النفط السعودي بانتظار اكتمال مشهد التغيير الحاصل في العالم وترجمة انحسار أحادية القطب في قمة طهران القادمة التي ستجمع بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والإيراني إبراهيم رئيسي وحصان الـ«ناتو» التركي رجب طيب أردوغان.
Discussion about this post