المقاومة… تحقيق الذات في عالم الوجود

يستفاد تعريف المقاومة الاصطلاحي من اشتقاقها اللفظي. إن التداول العربي يبيح لنا الجمع بين معان أربعة أساسية هي: القوم والقيام والقيمة والقومة. ذلك أن المقاومة ينهض بها قوم مخصوصون، وأن هؤلاء القوم يقومون بدفع شر قائمٍ بين أظهرهم، ويتوسلون في ذلك بقيم مثلى، عاملين على تحقيق قومةٍ مخصوصة، فتكون القومة عبارة عن نهوض بالقيم. ومن هنا، فالمقاوم عموماً يتولى تجديد الوعي بالقيم، والمقاوم الإسلامي يتولى تجديد الوعي بالقيم الدينية التي يدعو إليها الإسلام، وعليه يمكن التعريف بالتالي لطه عبد الرحمن أن المقاومة الإسلامية هي قيام طائفة من المسلمين بدفع الشرور التي ابتلي بها الناس في الزمن القائم مجددة الوعي بالقيم الإنسانية التي اكتملت مع الدين القيّم. والمقاومة الإسلامية، بقيادة حزب الله، هي أقدر مشاريع التجديد الديني الحديثة قياماً بتجليات الإسلام المختلفة، بحيث تمكن الأمّة من قومة متكاملة تدخل بها عهد الانتصار على قوى الظلم والشر. وإذا كان الحدّ وتعريف الأشياء من مهام الفلسفة، فإن المقاومة، في النظر الفلسفي، فعل ضروري للحياة وللحرية. في مقام الضرورة يتصف فعل المقاومة بالضرورة الطبيعيّة مقابل الضرورة المنطقيّة، تماماً كما هو التنفس ضرورة طبيعيّة للحياة، كذلك هي المقاومة. إن الأجسام لا يقوم عيشها بلا مقاومة، والنفوس لا تحصل كمالاتها بلا مقاومة، وعليه كان الجهاد في محلّين دفاعاً عن النفسِ وتزكيةً لها لتبلغ مقام أحسن تقويم.

تسعى المقاومة إلى تحقيق الذات في عالم الوجود وتعرف أنه من دون يقينها من ذاتها وفعل في، ولـ،ذاتها، تفقد هويتها وتسلب حقوقها. إن الكمال لا يكون بلا جهد وفعل ونهوض وقيام وحضور وتلبية وتضحية وإيثار وعبادة الخالق عبادة الأحرار. هذه هي المقاومة، إسلامية، مسيحية، أو ذات طابع إنساني، وقومي، تعمل على نشر القيم وتقاوم الظلم والشر، والقيم في هذا العالم، دينية أو من أخلاق الواجب، واحدة على الحقيقة.
كان احتلال العدو الصهيوني لفلسطين وطرد أهلها، الاحتلال الاستيطاني المدعوم من الغرب الأوروبي والأميركي، يستوجب فعل المقاومة، وكان الشعب الفلسطيني المؤيَّد من الشعوب العربيّة والإسلامية، ومن أحرار العالم ومن الأنظمة العربيّة المنتمية إلى جامعة الدول العربيّة، رأس حربة المقاومة المسلحة لتحرير فلسطين. وقد شغل النظام الإقليمي العربي بالقضيّة الفلسطينية، باعتبارها القضية الأولى يتساوق معها قضايا الوحدة والتنمية ومصالح الأنظمة القطرية العربية. حصل هذا الفعل المقاوم في قلب الحرب الباردة وصراع السياسات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية. وخاض النظام العربي، ممثّلاً بما كان يعرف بدول الطوق في محيط فلسطين، حروباً موسميّة مع العدو الصهيوني 1948 – 1982، نتائج هذه الحروب كانت، حتى 1982، حروباً متتابعة، لم يستطع طرف فيها أن يحسم الحرب لصالحه.
في علم الاستراتيجيّة العسكرية، الانتصار في الحرب يقوم على سحق قوات العدو ومنعه من القتال وفرض الاستسلام عليه، وهذا لم يحصل في الحروب النظامية العربية، لم يستطع العدو كسر شوكة النظام العربي وحمله على الاستسلام، ولا سحق قواته العسكرية، ولم يستطع العرب تحرير فلسطين.

الميزة الأساسية لهذه الحروب تقوم على الجولات المتتابعة، يكسب طرف جولة في الحرب، ويعيد الخصم التحضير لحرب قادمة. ولم تحقق الحروب النظامية أهدافها السياسية لا عندنا ولا عند العدو. وعليه، نشأت، بالمعنى العسكري المحض، حاجة استراتيجيّة وعملانية لحروب غير تقليدية، عرفت بحرب الأنصار، أو حرب الشعب، أو الكفاح المسلح والمقاومة المرتبطة بالصراع العربي- الصهيوني، ونشأت المقاومة الفلسطينية كرد طبيعي على الاحتلال الاستيطاني وعلى مراوحة نتائج الحروب النظامية التقليدية.
تميّزت مرحلة الصراع العربي–الصهيوني، في المنتصف الثاني من القرن العشرين، بخصائص مرحلة الحرب الباردة، وفيها كانت المنطقة العربية في المشرق ساحة الصراع الثانية بعد أوروبا الغربية، ودارت حروب عدّة، قاعدتها خدمة المساومات السياسية الدولية، كانت الحرب فيها جزءاً من العملية السياسية أو المفاوضات، والتي اصطدمت بتعنّت الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين وامتناعه عن القبول بالقرارات الدولية ذات الصلة، وبالتسوية الشاملة والعادلة، وفق التعبير السياسي للمرحلة بقضيّة فلسطين، وعدم إدراج قضيّة القدس وحق اللاجئين في العودة في صلب المفاوضات.
اتصفت المقاومة في هذه المرحلة بميزات حرب الشعب، حرب الثوار أو الفدائيين، وشكّلت في بداياتها تعويضاً عن عدم قدرة القوات النظامية كسبَ الحرب، وعملت بالتنسيق معها في دول الطوق، التي شنّت حروب استنزاف وأعدّت لحرب تشرين 1973، وساعدت المقاومة، بأشكال متعددة. كانت المقاومة تعبيراً عن روح الشعب، وسنداً لحرب النظام السياسي والجيوش التقليدية بعد حرب تشرين، التي استعاد فيها النظام العربي الإقليمي شيئاً من قوته، اندفعت عملية التسوية، وتوجهت لزيارة السادات وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد. وبعدها، بدأت مسيرة آلام الحروب الداخلية أو الأهلية وانقسمت القوة العربية إلى معسكرين وفقدت الأمّة وحدتها أساس قوتها.

تميّزت مرحلة الصراع العربي–الصهيوني، في المنتصف الثاني من القرن العشرين، بخصائص مرحلة الحرب الباردة

يمكننا تلخيص هذه المرحلة من المقاومة بعناوين عدّة منها ما يلي:
– تأسيس مقاومة مسلحة ضدّ العدو بهدف تحرير الأرض، على قاعدة المقاومات الشعبية لحركات التحرر الوطني في تلك المرحلة.
– العمل بالتنسيق مع القوات النظامية.
– مفهوم حرب الشعب طويلة الأمد يستند إلى عامل الزمن الذي ينتج قوة المقاومة وضعف العدو.
– شعارات تلك المرحلة تنطبق على مفهوم حركة التحرير الوطني، يعني شعب يقاتل لتحرير أرضه متجاوزاً أشكال التناقضات الأخرى.
كانت الحرب ممارسة للسياسة بأشكال أخرى، وتقوم على قاعدة الكر والفر، الصراع والمساومة، خذ وطالب، الأساسي والثانوي، البرامج المرحلية، بمعنى إدراك حركة التاريخ وفعل الزمن، الشعبوية في العمل العسكري والسياسي (صوت الجماهير وحركة الجماهير)، سيطرة روح الجماهير (le masse)، وإعلام الجماهير، وسيطرة الأيديولوجية، تدخل قوي عابر للحدود في الأفكار والسلاح والمال، شجاعة صريحة وتضحيات كبيرة وإنجازات مقبولة، نقلت القضية الفلسطينية من الثورة إلى الدولة

ولأن الحرب في خدمة السياسة (التسويات)، فإن المحاربين حينها اختلفوا على أشكال التسوية، نقلوا الصراع إلى الصفوف الداخلية، وعليه فقد نشأت الخلافات وتفككت عرى الوحدة، ودب الوهن والضعف في جسد مقاومة الأمّة.
تحت هذا العنوان يمكن أن ندرج الصراعات الداخلية في الأردن ولبنان، وصراعات الأنظمة، العراق – سوريا – فلسطين – الأردن – مصر – السعودية – الجزائر – المغرب… ليبيا وجيرانها.
حاولت المقاومة الفلسطينية، وفق سياسة قائدها ياسر عرفات، أن تنأى بنفسها عن هذه الصراعات، ولكن من دون جدوى، حتى وجدت نفسها في قلب دائرة الصراع ودفعت أثماناً باهظة من جرّاء هذه السياسة. إن شعار عدم التدخل في الشؤون العربية الداخلية، والمنظمة ممثّل وحيد للشعب الفلسطيني، مقابل فلسطين قضية العرب والمسلمين الأولى وحق العرب في استعادة أراضيهم المحتلة، وتكامل المسارات، وافتراق المسارات، وتكامل الجهات وانقسام الجبهات، وهمود جبهة في هدنة، واشتعال جبهة أخرى في حرب، كل هذا كان من خصائص المقاومة في هذه المرحلة.
– المقاومة ذات طابع وطني وقومي، هي فلسطينية وعربية كما هي مصرية وعربية، وسورية وعربية، حركة التحرير الوطني يقودها تحالف وطني، وجبهة وطنية فيها الاتجاهات السياسية المعروفة، وتشارك فيها الطبقات والمكونات الاجتماعية كافة.
– لو شئنا أن نقسم النظام العربي الإقليمي إلى دائرتيه، العربية الصغرى والإسلامية الكبرى، ثم عدنا وفككنا الدائرة الصغرى إلى النظام الإقليمي (الوحدة) والنظام القطري (التجزئة)، لعرفنا أن قضية فلسطين كانت تدور مع مصالح هذه الدوائر ما دارت مصالح هذه الدوائر. ولكننا، في صورة أشمل، نتصور الصراع في شرق الكرة الأرضية يتبوأ المركز الثاني في ساحات الحرب الباردة بعد أوروبا.

– لقد فصلت الأنظمة القطرية استقلالها بممانعة صريحة، لكنها لم تستطع إدارة شؤونها بنجاح، لعدم قدرتها على إدارة الحرب مع العدو، واتصفت هذه الحرب بالقواعد التالية:
– قاعدة الصمود والتصدي، وتعني، من الناحية العسكرية الاستراتيجية، بقاء النظام العربي قائماً (الصمود) في ساحة الصراع (التصدي). واستمر هذا الوضع حتى 1973.
– بعد حرب تشرين، دخل الوضع الاستراتيجي للصراع مرحلة الذهاب إلى المفاوضات: تحقيق السلام العادل والشامل، يعني معادلة الحرب والسلام، من يصنع الحرب هو نفسه يصنع السلام. التنسيق بين المقاومة والأنظمة حصل ضمن هذه الدائرة.
– نشوب الخلافات الداخلية والحروب الأهلية: كانت الدائرة الإسلامية تقف متألمة على رأس جبل أو تل. مارست سياستها، بلغة التضامن، وخطوات تحقيق المصالح الوطنية، فلسطين كانت قضية ثانية على هامش القضايا الوطنية، ذلك كان عنوان الموقف الإسلامي الرسمي.
– كسرت هذه القاعدة مع الثورة الإسلامية في إيران، واعتبارها بشكل صريح أن قضية فلسطين هي القضية الأولى للعرب وللمسلمين، ودعوتها إلى تحرير فلسطين والقدس ورفض التفاوض والتسويات، واعتماد المقاومة المسلحة وسيلة لتحقيق الأهداف الكاملة.
– كانت دوائر الاهتمام بالقضية الفلسطينية تتوزّع بين النظامين العربي والإسلامي قبضاً وبسطاً، قرباً وبعداً، يختلف الاهتمام باختلاف الأولويات والبرامج والأهداف والوسائل والغايات. لكن أمراً ما حدث في هذا العالم الذي أتعب حتى الشقاء، هو دخول الجمهورية الإسلامية على دائرة الصراع ضدّ العدو. وقيام هذا العدو باحتلال جنوب لبنان وجبله والعاصمة بيروت متزامناً مع الحرب المفروضة على إيران. والاحتلال السوفياتي لأفغانستان، ونشوء قوى إسلامية متطرفة أعلنت الجهاد في أفغانستان ضد السوفيات، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية.
– هذه القوى الإسلامية التي عرفت باسم حركات الجهاد في أفغانستان، ومنها تنظيم «القاعدة»، أدارت الظهر لفلسطين ويممت وجهها إلى الحرب في أفغانستان ومحيطها.
– شن العراق حربه العدوانية على إيران، لحساب مصالح وسياسات دولية وإقليميّة، وعقدت مصر اتفاقية كامب ديفيد، وانحصر الصراع مع العدو في بلاد الشام. سوريا، لبنان، فلسطين – الأردن، عزلت مصر وذهب العراق إلى حرب ضد المسلمين في إيران على الجبهة الشرقية بعيداً من فلسطين والقدس، وبلغت المقاومة الفلسطينية واللبنانية أوجها مثخنة بجراح الحرب الأهلية، كان الوقت مناسباً للعدو لشن حربه العدوانية على لبنان والمقاومة عام 1982.
– كانت العلاقات الإيرانية – الفلسطينيّة جيّدة، لأن إيران وقفت إلى جانب فلسطين في السرّاء والضرّاء، ولعبت القيادة الفلسطينية سياستها على حبل الأزمات. مرةً هنا ومرة هناك، ولم تستفد من الدعم الإيراني، لأنها غلّبت عليه دعم جبهة الرفض العربية، وبخاصة نظام صدّام حسين، الذي ناصبها العداء في السرّ، وطلب منها تأييده حربه على إيران في العلن.
– واستخدم لبنان كافة، والجنوب اللبناني على وجه الخصوص، ورقة للمساومة في يد المقاومة الفلسطينيّة. تقدّم الصراع الداخلي على الصراع ضد العدو، وانتقلت المقاومة الفلسطينية من حرب التحرير والأنصار، إلى حرب الجبهات. كان عرفات، منذ عام 1973، يفكّر أن الجبهة الثالثة في هذه الحرب هي الجنوب اللبناني، إضافة إلى الجولان وسيناء، وأنه يجب أن يوظف نتائج هذه الحرب في المفاوضات، متناسياً أنه يقاتل على أرضٍ لبنانية ويفاوض عن فلسطين. وذلك يعني في مفهوم الاستراتيجيّة أنه استبدل الحرب مع العدو على انتظار النصر يأتيه من الجبهة الشرقيّة، بعد انتصار نظام صدّام حسين، ومن المفاوضات، ومن نتائج حرب أفغانستان. الصورة كانت واضحة على خريطة الاستراتيجيّة.

– جبهات العراق، أفغانستان، المقاومة الفلسطينية استبدلت قائمة الأولويات، لانتصارات خارج فلسطين، توظّف على الأقل في العقل الفلسطيني داخل فلسطين. وهذه ذات طابع عربي، إسلامي جهادي.
– لم تتخلّ إيران عن فلسطين وأولوية القضيّة الفلسطينيّة، بل واجهت الحرب المفروضة، بالدفاع المقدس حتى معارك خورمشهر. وأتبعتها بخطتين استراتيجيتين:
1) خطة الحرب على الجبهة تحت شعار معاقبة المعتدي.
2) خطة المقاومة في فلسطين بإنشاء جيش القدس.
– أدركت سوريا، وهي المعنية المباشرة بالحرب مع العدو، ولديها أراض محتلة، أن الترياق لن يأت من العراق وإنما من إيران، والتحالف بين الدائرتين العربيّة والإسلامية وأولوية الحرب مع العدو، لا إدارة الظهر للحرب معنا، ويكتفي بالتفرّج على الحروب الأخرى.
– طرحت سوريا مقولة تحقيق التوازن العسكري مع العدو، وأعدّت جيشها لتنفيذ هذا الهدف، وهذه أصول الحرب، لأن الإعداد للحرب هو الحرب التي تنتظر لحظة للاشتعال والضغط على الزناد. إن الذين ينتقدون الموقف السوري ويصفون صمود جبهة الجولان باللاحرب يخطئون في فهم قوانين الحرب الكلاسيكية الحديثة.
– ما كان يحكم المنطقة ليس مقولة اللاحرب واللاسلم في زمن الحرب الباردة، بل مقولة الإعداد للحرب النظامية الكلاسيكية، ومقاومة العدو بحرب الأنصار، ضرب المقاومة المسلحة، أو ما اعتاد المؤرخون وصفه في فيتنام «الهوكونغ وسايفن».

دخلت إيران بقوة ساحة الصراع ومثّلت أساساً من ميزان القوى الاستراتيجي العسكري ضد العدو الصهيوني. ومثّل هذا نقلة نوعية على صعيد الصراع من الدائرة العربية إلى الدائرة الإسلامية، فيما كان جل العرب يصارعون خارج فلسطين وضد المسلمين.
– أخذ الإمام الخميني (قده) قراراً تاريخياً بالتوجه إلى مقاومة العدو الصهيوني، كانت ثمّة آراء تدفع بالوضع في إيران إلى الساحة الأفغانية، والتي تجمعها بإيران روابط عدّة، قومية ودينية، لغوية وحضارية، اقتصادية وجيوسياسية. ولكن قرار الإمام كان صريحاً، إلى معاقبة المعتدي – وتحرير جنوب لبنان (جبل عامل) وتحرير فلسطين والقدس.
– نشأت، وفق هذه الرؤية، المقاومة الإسلامية في لبنان وقبلتها فلسطين والقدس وغايتها تحرير الجنوب وفلسطين بالمقاومة.
– تمتاز هذه المقاومة بخصائص عدّة، تحصلت بها، إضافة إلى خصائص المقاومة الفلسطينية، وذلك على الصعيد العقائدي والسياسي والعسكري.
– في العقائد، هذه المقاومة إسلامية لبنانية، تمتاز عن مضمون حركات التحرير الوطني.
– ليست لها علاقة بالصراعات الداخلية.
– تقاتل من أجل تحرير الأرض وهزيمة العدو، ولا أجندة لها في عملية المفاوضات.
– الجنوب اللبناني وفلسطين عندها قضية غير منفصلة، ليس الجنوب فيها ورقة للمقاومة من أجل فلسطين.

– اعتماد المعايير الإسلامية في فقه السياسة وعلم الحرب.
– اعتماد الإعداد للحرب، والسعي للاشتباك، والاتكال على الله (المدد الإلهي) وعلى الذات (السعي البشري).
– اعتبار قضيّة تحرير الجنوب أولوية الأولويات ولا أولوية سواها حتى يتم إنجاز التحرير.
– التمسك بثوابت القضية الفلسطينية والتي زعزعتها عملية الدخول في المفاوضات والاعترافات المتبادلة مع كيان العدو.

تمتاز هذه المقاومة بخصائص عدّة، تحصلت بها، إضافة إلى خصائص المقاومة الفلسطينية، وذلك على الصعيد العقائدي والسياسي والعسكري

– 1982 – 2000: وهي مرحلة المقاومة لتحرير الجنوب والبقاع الغربي.
– 2000 – 2006: المقاومة للدفاع عن لبنان ودعم فلسطين ضدّ العدوانية الإسرائيلية والاحتلال الاستيطاني الصهيوني.
– 2006 – 2014: الدفاع عن لبنان بوحدة الجيش والشعب والمقاومة، والمشاركة في السلطة، على قاعدة اتفاقية الطائف وإصلاح النظام السياسي اللبناني.
– دعم مقاومة الشعب الفلسطيني دعماً متعدد الأوجه والمجالات ما الذي حققته المقاومة على صعيد الصراع ضد العدو الصهيوني.
– هزمت المقاومة الإسلامية العدو الصهيوني وأجبرته على الانسحاب من الجنوب والبقاع الغربي من دون قيد أو شرط. وكانت المرة الأولى التي ينسحب فيها العدو، بقوة المقاومة من أراض عربية محتلة.
– أثبتت أن ميزان القوى بالمعنى الاستراتيجي انتقل إلى رجحان كفة المقاومة. العدو لم يعد قادراً بقواه الذاتية على مواجهة قوى المقاومة الجديدة.
– حصلت في هذه الفترة متغيرات دولية وإقليمية كبرى، نظام دولي جديد، دعوة إلى التكيف مع مصالحه وقيمه، صعود حركات الإرهاب مترافقة مع المحافظين الجدد، والحلف الأميركي – الصهيوني المبني على قواعد دينيّة منحرفة عن المسيحية الحقة.
– اصطدمت أميركا بالإرهاب، واجهته في احتلال أفغانستان والعراق، أبقت إسرائيل خارج الأحلاف المباشرة، استندت إلى حلفائها من دول المنطقة، وإلى جيوشها والتحالف مع أوروبا الغربية، من قامت على تدريبه ورعايته، انقلبت عليه وانقلب عليها. من الحركات المتطرفة إلى الأنظمة التابعة، عمدت أميركا إلى تسمين الخراف قبل ذبحها، لعلها تعيد بناء عالم جديد على صورة مصالحها وقيمها واستندت في استراتيجيتها إلى ما يلي:

– بعد 11 أيلول 2001: خرجت أميركا من قارتها إلى العالم الإسلامي، غازية هذه المنطقة بقوة عسكرية كاملة تطبق نظرية باول في استخدام كامل الطاقة في الحرب. اعتبرت حربها على الإرهاب في مقدمة السيطرة ورسم خريطة جديدة للشرق الأوسط بعنوان الشرق الأوسط الجديد، تكون إسرائيل المغتصبة جزءاً منه.
– طبقت سياسة حرق النيران العسكرية في الاستراتيجية السياسية، فاستعدت إلى ساحة القتال في العراق وأفغانستان، حركات الإرهاب، لتدميرها على رؤوس شعوب هذه المنطقة، يعني إدارة الحروب على أراضي الغير (الآخرين).
– أعطت حليفها الصهيوني كل الإمكانيات ليتولى بنفسه ضرب المقاومة الإسلامية في لبنان، وكذلك شن الحرب على سوريا فيما هي تمسك بأفغانستان والعراق، وتطوّق إيران، وتلعب وحيدة على المسرح الدولي.
– قبلت الحرب الأميركية تأوّج العدوانية بداية الألفية الثالثة، وسياسة الدول العربية في مواجهتها، الإرهاب، والتفاوض مع العدو. نخر السوس عظام النظام الإقليمي العربي. وشنت عليه حملات النقد باسم تقارير الأمم المتحدة. وانهارت النظم الإقليمية أمام موجة تقدم نظام دولي جديد.
– كانت المقاومة الشمعة المضيئة في عالم العتمة المطبقة. استعدت للحرب القادمة كأنها حادثة غداً ووجهت السهام الغادرة للمنطقة من الرماة المحليين لصالح أسيادهم الإقليميين والدوليين وتتوجت هذه المواجهة في حرب تموز 2006.

يستفاد تعريف المقاومة الاصطلاحي من اشتقاقها اللفظي. إن التداول العربي يبيح لنا الجمع بين معان أربعة أساسية هي: القوم والقيام والقيمة والقومة. ذلك أن المقاومة ينهض بها قوم مخصوصون، وأن هؤلاء القوم يقومون بدفع شر قائمٍ بين أظهرهم، ويتوسلون في ذلك بقيم مثلى، عاملين على تحقيق قومةٍ مخصوصة، فتكون القومة عبارة عن نهوض بالقيم. ومن هنا، فالمقاوم عموماً يتولى تجديد الوعي بالقيم، والمقاوم الإسلامي يتولى تجديد الوعي بالقيم الدينية التي يدعو إليها الإسلام، وعليه يمكن التعريف بالتالي لطه عبد الرحمن أن المقاومة الإسلامية هي قيام طائفة من المسلمين بدفع الشرور التي ابتلي بها الناس في الزمن القائم مجددة الوعي بالقيم الإنسانية التي اكتملت مع الدين القيّم. والمقاومة الإسلامية، بقيادة حزب الله، هي أقدر مشاريع التجديد الديني الحديثة قياماً بتجليات الإسلام المختلفة، بحيث تمكن الأمّة من قومة متكاملة تدخل بها عهد الانتصار على قوى الظلم والشر. وإذا كان الحدّ وتعريف الأشياء من مهام الفلسفة، فإن المقاومة، في النظر الفلسفي، فعل ضروري للحياة وللحرية. في مقام الضرورة يتصف فعل المقاومة بالضرورة الطبيعيّة مقابل الضرورة المنطقيّة، تماماً كما هو التنفس ضرورة طبيعيّة للحياة، كذلك هي المقاومة. إن الأجسام لا يقوم عيشها بلا مقاومة، والنفوس لا تحصل كمالاتها بلا مقاومة، وعليه كان الجهاد في محلّين دفاعاً عن النفسِ وتزكيةً لها لتبلغ مقام أحسن تقويم

تسعى المقاومة إلى تحقيق الذات في عالم الوجود وتعرف أنه من دون يقينها من ذاتها وفعل في، ولـ،ذاتها، تفقد هويتها وتسلب حقوقها. إن الكمال لا يكون بلا جهد وفعل ونهوض وقيام وحضور وتلبية وتضحية وإيثار وعبادة الخالق عبادة الأحرار. هذه هي المقاومة، إسلامية، مسيحية، أو ذات طابع إنساني، وقومي، تعمل على نشر القيم وتقاوم الظلم والشر، والقيم في هذا العالم، دينية أو من أخلاق الواجب، واحدة على الحقيقة.
كان احتلال العدو الصهيوني لفلسطين وطرد أهلها، الاحتلال الاستيطاني المدعوم من الغرب الأوروبي والأميركي، يستوجب فعل المقاومة، وكان الشعب الفلسطيني المؤيَّد من الشعوب العربيّة والإسلامية، ومن أحرار العالم ومن الأنظمة العربيّة المنتمية إلى جامعة الدول العربيّة، رأس حربة المقاومة المسلحة لتحرير فلسطين. وقد شغل النظام الإقليمي العربي بالقضيّة الفلسطينية، باعتبارها القضية الأولى يتساوق معها قضايا الوحدة والتنمية ومصالح الأنظمة القطرية العربية. حصل هذا الفعل المقاوم في قلب الحرب الباردة وصراع السياسات الدولية بعد الحرب العالمية الثانية. وخاض النظام العربي، ممثّلاً بما كان يعرف بدول الطوق في محيط فلسطين، حروباً موسميّة مع العدو الصهيوني 1948 – 1982، نتائج هذه الحروب كانت، حتى 1982، حروباً متتابعة، لم يستطع طرف فيها أن يحسم الحرب لصالحه.
في علم الاستراتيجيّة العسكرية، الانتصار في الحرب يقوم على سحق قوات العدو ومنعه من القتال وفرض الاستسلام عليه، وهذا لم يحصل في الحروب النظامية العربية، لم يستطع العدو كسر شوكة النظام العربي وحمله على الاستسلام، ولا سحق قواته العسكرية، ولم يستطع العرب تحرير فلسطين.

الميزة الأساسية لهذه الحروب تقوم على الجولات المتتابعة، يكسب طرف جولة في الحرب، ويعيد الخصم التحضير لحرب قادمة. ولم تحقق الحروب النظامية أهدافها السياسية لا عندنا ولا عند العدو. وعليه، نشأت، بالمعنى العسكري المحض، حاجة استراتيجيّة وعملانية لحروب غير تقليدية، عرفت بحرب الأنصار، أو حرب الشعب، أو الكفاح المسلح والمقاومة المرتبطة بالصراع العربي- الصهيوني، ونشأت المقاومة الفلسطينية كرد طبيعي على الاحتلال الاستيطاني وعلى مراوحة نتائج الحروب النظامية التقليدية.
تميّزت مرحلة الصراع العربي–الصهيوني، في المنتصف الثاني من القرن العشرين، بخصائص مرحلة الحرب الباردة، وفيها كانت المنطقة العربية في المشرق ساحة الصراع الثانية بعد أوروبا الغربية، ودارت حروب عدّة، قاعدتها خدمة المساومات السياسية الدولية، كانت الحرب فيها جزءاً من العملية السياسية أو المفاوضات، والتي اصطدمت بتعنّت الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين وامتناعه عن القبول بالقرارات الدولية ذات الصلة، وبالتسوية الشاملة والعادلة، وفق التعبير السياسي للمرحلة بقضيّة فلسطين، وعدم إدراج قضيّة القدس وحق اللاجئين في العودة في صلب المفاوضات.
اتصفت المقاومة في هذه المرحلة بميزات حرب الشعب، حرب الثوار أو الفدائيين، وشكّلت في بداياتها تعويضاً عن عدم قدرة القوات النظامية كسبَ الحرب، وعملت بالتنسيق معها في دول الطوق، التي شنّت حروب استنزاف وأعدّت لحرب تشرين 1973، وساعدت المقاومة، بأشكال متعددة. كانت المقاومة تعبيراً عن روح الشعب، وسنداً لحرب النظام السياسي والجيوش التقليدية بعد حرب تشرين، التي استعاد فيها النظام العربي الإقليمي شيئاً من قوته، اندفعت عملية التسوية، وتوجهت لزيارة السادات وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد. وبعدها، بدأت مسيرة آلام الحروب الداخلية أو الأهلية وانقسمت القوة العربية إلى معسكرين وفقدت الأمّة وحدتها أساس قوتها.

تميّزت مرحلة الصراع العربي–الصهيوني، في المنتصف الثاني من القرن العشرين، بخصائص مرحلة الحرب الباردة

يمكننا تلخيص هذه المرحلة من المقاومة بعناوين عدّة منها ما يلي:
– تأسيس مقاومة مسلحة ضدّ العدو بهدف تحرير الأرض، على قاعدة المقاومات الشعبية لحركات التحرر الوطني في تلك المرحلة.
– العمل بالتنسيق مع القوات النظامية.
– مفهوم حرب الشعب طويلة الأمد يستند إلى عامل الزمن الذي ينتج قوة المقاومة وضعف العدو.
– شعارات تلك المرحلة تنطبق على مفهوم حركة التحرير الوطني، يعني شعب يقاتل لتحرير أرضه متجاوزاً أشكال التناقضات الأخرى.
كانت الحرب ممارسة للسياسة بأشكال أخرى، وتقوم على قاعدة الكر والفر، الصراع والمساومة، خذ وطالب، الأساسي والثانوي، البرامج المرحلية، بمعنى إدراك حركة التاريخ وفعل الزمن، الشعبوية في العمل العسكري والسياسي (صوت الجماهير وحركة الجماهير)، سيطرة روح الجماهير (le masse)، وإعلام الجماهير، وسيطرة الأيديولوجية، تدخل قوي عابر للحدود في الأفكار والسلاح والمال، شجاعة صريحة وتضحيات كبيرة وإنجازات مقبولة، نقلت القضية الفلسطينية من الثورة إلى الدولة.

ولأن الحرب في خدمة السياسة (التسويات)، فإن المحاربين حينها اختلفوا على أشكال التسوية، نقلوا الصراع إلى الصفوف الداخلية، وعليه فقد نشأت الخلافات وتفككت عرى الوحدة، ودب الوهن والضعف في جسد مقاومة الأمّة.
تحت هذا العنوان يمكن أن ندرج الصراعات الداخلية في الأردن ولبنان، وصراعات الأنظمة، العراق – سوريا – فلسطين – الأردن – مصر – السعودية – الجزائر – المغرب… ليبيا وجيرانها.
حاولت المقاومة الفلسطينية، وفق سياسة قائدها ياسر عرفات، أن تنأى بنفسها عن هذه الصراعات، ولكن من دون جدوى، حتى وجدت نفسها في قلب دائرة الصراع ودفعت أثماناً باهظة من جرّاء هذه السياسة. إن شعار عدم التدخل في الشؤون العربية الداخلية، والمنظمة ممثّل وحيد للشعب الفلسطيني، مقابل فلسطين قضية العرب والمسلمين الأولى وحق العرب في استعادة أراضيهم المحتلة، وتكامل المسارات، وافتراق المسارات، وتكامل الجهات وانقسام الجبهات، وهمود جبهة في هدنة، واشتعال جبهة أخرى في حرب، كل هذا كان من خصائص المقاومة في هذه المرحلة.
– المقاومة ذات طابع وطني وقومي، هي فلسطينية وعربية كما هي مصرية وعربية، وسورية وعربية، حركة التحرير الوطني يقودها تحالف وطني، وجبهة وطنية فيها الاتجاهات السياسية المعروفة، وتشارك فيها الطبقات والمكونات الاجتماعية كافة.
– لو شئنا أن نقسم النظام العربي الإقليمي إلى دائرتيه، العربية الصغرى والإسلامية الكبرى، ثم عدنا وفككنا الدائرة الصغرى إلى النظام الإقليمي (الوحدة) والنظام القطري (التجزئة)، لعرفنا أن قضية فلسطين كانت تدور مع مصالح هذه الدوائر ما دارت مصالح هذه الدوائر. ولكننا، في صورة أشمل، نتصور الصراع في شرق الكرة الأرضية يتبوأ المركز الثاني في ساحات الحرب الباردة بعد أوروبا.

– لقد فصلت الأنظمة القطرية استقلالها بممانعة صريحة، لكنها لم تستطع إدارة شؤونها بنجاح، لعدم قدرتها على إدارة الحرب مع العدو، واتصفت هذه الحرب بالقواعد التالية:
– قاعدة الصمود والتصدي، وتعني، من الناحية العسكرية الاستراتيجية، بقاء النظام العربي قائماً (الصمود) في ساحة الصراع (التصدي). واستمر هذا الوضع حتى 1973.
– بعد حرب تشرين، دخل الوضع الاستراتيجي للصراع مرحلة الذهاب إلى المفاوضات: تحقيق السلام العادل والشامل، يعني معادلة الحرب والسلام، من يصنع الحرب هو نفسه يصنع السلام. التنسيق بين المقاومة والأنظمة حصل ضمن هذه الدائرة.
– نشوب الخلافات الداخلية والحروب الأهلية: كانت الدائرة الإسلامية تقف متألمة على رأس جبل أو تل. مارست سياستها، بلغة التضامن، وخطوات تحقيق المصالح الوطنية، فلسطين كانت قضية ثانية على هامش القضايا الوطنية، ذلك كان عنوان الموقف الإسلامي الرسمي.
– كسرت هذه القاعدة مع الثورة الإسلامية في إيران، واعتبارها بشكل صريح أن قضية فلسطين هي القضية الأولى للعرب وللمسلمين، ودعوتها إلى تحرير فلسطين والقدس ورفض التفاوض والتسويات، واعتماد المقاومة المسلحة وسيلة لتحقيق الأهداف الكاملة.
– كانت دوائر الاهتمام بالقضية الفلسطينية تتوزّع بين النظامين العربي والإسلامي قبضاً وبسطاً، قرباً وبعداً، يختلف الاهتمام باختلاف الأولويات والبرامج والأهداف والوسائل والغايات. لكن أمراً ما حدث في هذا العالم الذي أتعب حتى الشقاء، هو دخول الجمهورية الإسلامية على دائرة الصراع ضدّ العدو. وقيام هذا العدو باحتلال جنوب لبنان وجبله والعاصمة بيروت متزامناً مع الحرب المفروضة على إيران. والاحتلال السوفياتي لأفغانستان، ونشوء قوى إسلامية متطرفة أعلنت الجهاد في أفغانستان ضد السوفيات، بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية.

– هذه القوى الإسلامية التي عرفت باسم حركات الجهاد في أفغانستان، ومنها تنظيم «القاعدة»، أدارت الظهر لفلسطين ويممت وجهها إلى الحرب في أفغانستان ومحيطها.
– شن العراق حربه العدوانية على إيران، لحساب مصالح وسياسات دولية وإقليميّة، وعقدت مصر اتفاقية كامب ديفيد، وانحصر الصراع مع العدو في بلاد الشام. سوريا، لبنان، فلسطين – الأردن، عزلت مصر وذهب العراق إلى حرب ضد المسلمين في إيران على الجبهة الشرقية بعيداً من فلسطين والقدس، وبلغت المقاومة الفلسطينية واللبنانية أوجها مثخنة بجراح الحرب الأهلية، كان الوقت مناسباً للعدو لشن حربه العدوانية على لبنان والمقاومة عام 1982.
– كانت العلاقات الإيرانية – الفلسطينيّة جيّدة، لأن إيران وقفت إلى جانب فلسطين في السرّاء والضرّاء، ولعبت القيادة الفلسطينية سياستها على حبل الأزمات. مرةً هنا ومرة هناك، ولم تستفد من الدعم الإيراني، لأنها غلّبت عليه دعم جبهة الرفض العربية، وبخاصة نظام صدّام حسين، الذي ناصبها العداء في السرّ، وطلب منها تأييده حربه على إيران في العلن.
– واستخدم لبنان كافة، والجنوب اللبناني على وجه الخصوص، ورقة للمساومة في يد المقاومة الفلسطينيّة. تقدّم الصراع الداخلي على الصراع ضد العدو، وانتقلت المقاومة الفلسطينية من حرب التحرير والأنصار، إلى حرب الجبهات. كان عرفات، منذ عام 1973، يفكّر أن الجبهة الثالثة في هذه الحرب هي الجنوب اللبناني، إضافة إلى الجولان وسيناء، وأنه يجب أن يوظف نتائج هذه الحرب في المفاوضات، متناسياً أنه يقاتل على أرضٍ لبنانية ويفاوض عن فلسطين. وذلك يعني في مفهوم الاستراتيجيّة أنه استبدل الحرب مع العدو على انتظار النصر يأتيه من الجبهة الشرقيّة، بعد انتصار نظام صدّام حسين، ومن المفاوضات، ومن نتائج حرب أفغانستان. الصورة كانت واضحة على خريطة الاستراتيجيّة.

– جبهات العراق، أفغانستان، المقاومة الفلسطينية استبدلت قائمة الأولويات، لانتصارات خارج فلسطين، توظّف على الأقل في العقل الفلسطيني داخل فلسطين. وهذه ذات طابع عربي، إسلامي جهادي.
– لم تتخلّ إيران عن فلسطين وأولوية القضيّة الفلسطينيّة، بل واجهت الحرب المفروضة، بالدفاع المقدس حتى معارك خورمشهر. وأتبعتها بخطتين استراتيجيتين:
1) خطة الحرب على الجبهة تحت شعار معاقبة المعتدي.
2) خطة المقاومة في فلسطين بإنشاء جيش القدس.
– أدركت سوريا، وهي المعنية المباشرة بالحرب مع العدو، ولديها أراض محتلة، أن الترياق لن يأت من العراق وإنما من إيران، والتحالف بين الدائرتين العربيّة والإسلامية وأولوية الحرب مع العدو، لا إدارة الظهر للحرب معنا، ويكتفي بالتفرّج على الحروب الأخرى.
– طرحت سوريا مقولة تحقيق التوازن العسكري مع العدو، وأعدّت جيشها لتنفيذ هذا الهدف، وهذه أصول الحرب، لأن الإعداد للحرب هو الحرب التي تنتظر لحظة للاشتعال والضغط على الزناد. إن الذين ينتقدون الموقف السوري ويصفون صمود جبهة الجولان باللاحرب يخطئون في فهم قوانين الحرب الكلاسيكية الحديثة.
– ما كان يحكم المنطقة ليس مقولة اللاحرب واللاسلم في زمن الحرب الباردة، بل مقولة الإعداد للحرب النظامية الكلاسيكية، ومقاومة العدو بحرب الأنصار، ضرب المقاومة المسلحة، أو ما اعتاد المؤرخون وصفه في فيتنام «الهوكونغ وسايفن».

دخلت إيران بقوة ساحة الصراع ومثّلت أساساً من ميزان القوى الاستراتيجي العسكري ضد العدو الصهيوني. ومثّل هذا نقلة نوعية على صعيد الصراع من الدائرة العربية إلى الدائرة الإسلامية، فيما كان جل العرب يصارعون خارج فلسطين وضد المسلمين.
– أخذ الإمام الخميني (قده) قراراً تاريخياً بالتوجه إلى مقاومة العدو الصهيوني، كانت ثمّة آراء تدفع بالوضع في إيران إلى الساحة الأفغانية، والتي تجمعها بإيران روابط عدّة، قومية ودينية، لغوية وحضارية، اقتصادية وجيوسياسية. ولكن قرار الإمام كان صريحاً، إلى معاقبة المعتدي – وتحرير جنوب لبنان (جبل عامل) وتحرير فلسطين والقدس.
– نشأت، وفق هذه الرؤية، المقاومة الإسلامية في لبنان وقبلتها فلسطين والقدس وغايتها تحرير الجنوب وفلسطين بالمقاومة.
– تمتاز هذه المقاومة بخصائص عدّة، تحصلت بها، إضافة إلى خصائص المقاومة الفلسطينية، وذلك على الصعيد العقائدي والسياسي والعسكري.
– في العقائد، هذه المقاومة إسلامية لبنانية، تمتاز عن مضمون حركات التحرير الوطني.
– ليست لها علاقة بالصراعات الداخلية.
– تقاتل من أجل تحرير الأرض وهزيمة العدو، ولا أجندة لها في عملية المفاوضات.
– الجنوب اللبناني وفلسطين عندها قضية غير منفصلة، ليس الجنوب فيها ورقة للمقاومة من أجل فلسطين.

– اعتماد المعايير الإسلامية في فقه السياسة وعلم الحرب.
– اعتماد الإعداد للحرب، والسعي للاشتباك، والاتكال على الله (المدد الإلهي) وعلى الذات (السعي البشري).
– اعتبار قضيّة تحرير الجنوب أولوية الأولويات ولا أولوية سواها حتى يتم إنجاز التحرير.
– التمسك بثوابت القضية الفلسطينية والتي زعزعتها عملية الدخول في المفاوضات والاعترافات المتبادلة مع كيان العدو.

تمتاز هذه المقاومة بخصائص عدّة، تحصلت بها، إضافة إلى خصائص المقاومة الفلسطينية، وذلك على الصعيد العقائدي والسياسي والعسكري

عرفت المقاومة الإسلامية المراحل التالية:

– 1982 – 2000: وهي مرحلة المقاومة لتحرير الجنوب والبقاع الغربي.
– 2000 – 2006: المقاومة للدفاع عن لبنان ودعم فلسطين ضدّ العدوانية الإسرائيلية والاحتلال الاستيطاني الصهيوني.
– 2006 – 2014: الدفاع عن لبنان بوحدة الجيش والشعب والمقاومة، والمشاركة في السلطة، على قاعدة اتفاقية الطائف وإصلاح النظام السياسي اللبناني.
– دعم مقاومة الشعب الفلسطيني دعماً متعدد الأوجه والمجالات ما الذي حققته المقاومة على صعيد الصراع ضد العدو الصهيوني.
– هزمت المقاومة الإسلامية العدو الصهيوني وأجبرته على الانسحاب من الجنوب والبقاع الغربي من دون قيد أو شرط. وكانت المرة الأولى التي ينسحب فيها العدو، بقوة المقاومة من أراض عربية محتلة.
– أثبتت أن ميزان القوى بالمعنى الاستراتيجي انتقل إلى رجحان كفة المقاومة. العدو لم يعد قادراً بقواه الذاتية على مواجهة قوى المقاومة الجديدة.
– حصلت في هذه الفترة متغيرات دولية وإقليمية كبرى، نظام دولي جديد، دعوة إلى التكيف مع مصالحه وقيمه، صعود حركات الإرهاب مترافقة مع المحافظين الجدد، والحلف الأميركي – الصهيوني المبني على قواعد دينيّة منحرفة عن المسيحية الحقة.
– اصطدمت أميركا بالإرهاب، واجهته في احتلال أفغانستان والعراق، أبقت إسرائيل خارج الأحلاف المباشرة، استندت إلى حلفائها من دول المنطقة، وإلى جيوشها والتحالف مع أوروبا الغربية، من قامت على تدريبه ورعايته، انقلبت عليه وانقلب عليها. من الحركات المتطرفة إلى الأنظمة التابعة، عمدت أميركا إلى تسمين الخراف قبل ذبحها، لعلها تعيد بناء عالم جديد على صورة مصالحها وقيمها واستندت في استراتيجيتها إلى ما يلي:

– بعد 11 أيلول 2001: خرجت أميركا من قارتها إلى العالم الإسلامي، غازية هذه المنطقة بقوة عسكرية كاملة تطبق نظرية باول في استخدام كامل الطاقة في الحرب. اعتبرت حربها على الإرهاب في مقدمة السيطرة ورسم خريطة جديدة للشرق الأوسط بعنوان الشرق الأوسط الجديد، تكون إسرائيل المغتصبة جزءاً منه.
– طبقت سياسة حرق النيران العسكرية في الاستراتيجية السياسية، فاستعدت إلى ساحة القتال في العراق وأفغانستان، حركات الإرهاب، لتدميرها على رؤوس شعوب هذه المنطقة، يعني إدارة الحروب على أراضي الغير (الآخرين).
– أعطت حليفها الصهيوني كل الإمكانيات ليتولى بنفسه ضرب المقاومة الإسلامية في لبنان، وكذلك شن الحرب على سوريا فيما هي تمسك بأفغانستان والعراق، وتطوّق إيران، وتلعب وحيدة على المسرح الدولي.
– قبلت الحرب الأميركية تأوّج العدوانية بداية الألفية الثالثة، وسياسة الدول العربية في مواجهتها، الإرهاب، والتفاوض مع العدو. نخر السوس عظام النظام الإقليمي العربي. وشنت عليه حملات النقد باسم تقارير الأمم المتحدة. وانهارت النظم الإقليمية أمام موجة تقدم نظام دولي جديد.
– كانت المقاومة الشمعة المضيئة في عالم العتمة المطبقة. استعدت للحرب القادمة كأنها حادثة غداً ووجهت السهام الغادرة للمنطقة من الرماة المحليين لصالح أسيادهم الإقليميين والدوليين وتتوجت هذه المواجهة في حرب تموز 2006.

– سبق حرب تموز حرب الاغتيال السياسي، وأسطورة المحكمة الدولية، وسيف العدالة الدولية، أية عدالة يحملها لنا جيش الغزاة. وكذلك سياسة صرف النيران الذي استهدف إثارة الفتنة، وخلق أعداء داخليين: إيران هي العدو لا إسرائيل، رأس المقاومة هو المطلوب لا رأس العدو. الانقسام بين العرب والمسلمين لا التضامن، الصراع المذهبي بين المسلمين لا وحدة الدين الواحد والنبوة الخاتمة.
– انتقل الإرهاب من مواجهة أميركا إلى مواجهة الشعوب والأنظمة في الداخل، إلى شن حروب أهلية متنقلة، تخبط خبط عشواء، لا ضمير لها ولا أخلاق، القتل المجاني ولا شيء غير القتل، الفتنة العمياء، ولا قصد غير الفتنة، الانحراف عن العقيدة والآداب والفطرة السليمة، وتخريب النفوس والعقول وخراب المصالح والقيم. تلك كانت صورة الفوضى الأميركية الخلاقة في المنطقة. دعهم يقتتلون ودعنا ننتظر، نحن لم نفعل شيئاً، سوى ترك القبائل تتقاتل، ولنشرب نخب الموتى على ضفاف آبار النفط. عالم من سوريالية الموت يقتل في كل نفس كأنما يقتل الناس جميعاً ولا يرتدع ولا يخشى الله سبحانه.
– في ظل هذه الفوضى وفي وسط هذا الخراب في نفوس البشر وبنيان الحجر، وقفت المقاومة الإسلامية شامخة في لبنان، وفي فلسطين، تتحدى المخاطر وتواجه الأعداء وتحقق الانتصارات وكان الانتصار الإلهي والتاريخي والاستراتيجي في حرب تموز 2006، والانتصار المكرر في حرب غزة عام 2008.

– كان يمكن للنظام السوري أن يكون في مأمن عن تسونامي الثورات العربية، لأنه نظام في تقاتل مع العدو الصهيوني وكان عليه أن يباشر خطة الإصلاح لو أن هذه الثورات عملت لصالح الأمّة، من دون تشويش الأغيار عليها، ولذلك شهدت سوريا الجولة الأكثر دموية في مناخ الثورات العامة.
– ابتليت المعارضة السورية بسوء العاقبة. بدأت حركة معارضة سلمية، وتحوّلت إلى حركة إرهابيّة قلّ نظيرها. هددت كل إنجازات المقاومة في الانتصارين، انتصار التحرير وانتصار تموز 2006 والمكرر في غزة 2008. جعلت من فلسطين قضية ثانوية، قلبت مقياس العدو والصديق، بثت الفتنة في صفوف الأمّة، قتلت النفس المحترمة كأنها تقتل الناس جميعاً.
– ليس من واقع صادق أكثر من الجغرافية. التي لا تتغيّر إلّا يوم تزلزل الأرض زلزالها. ولبنان جبل في سوريا، قطعة جميلة من بلاد الشام. وطن لأهله، في خريطة مقدسة بين جبل المكمل وحرمون، بين الجولان والجليل والجنوب بين عكا وصور وطرابلس، الساحل السوري الذي فتح ذراعيه لنشر الأبجدية والبضائع والأرجوان (الجمال) – كان هذا الإرهاب التكفيري يستهدف سوريا ولبنان معاً. هل تبقى الحركة التكفيرية إلى الشمال. وهل يبقى البقاع في مأمن إلى سيطرة التكفيرية على السلسلة الشرقية لجبال لبنان، وهل يبقى وادي العاصي في مأمن إذا صارت حمص وحماة والقصير إمارات بلادها بين التكفيريين، أسئلة تلزم مجاوبة عنها العقل التاريخي والاستراتيجي، لا العقل الذي لا يرى خارج ما تنقله الحواس المباشرة له، فلا يتدبّر ما تحمله جنود الحواس إليه.

– إن العقل السياسي المحض، يرى في دخول حزب الله الحرب الدفاعية في سوريا، عملاً لا يناقض سياسة النأي بالنفس ولا بيان بعبدا، لأن هذه السياسة رسمت قبل سوء العاقبة التي نالت من المعارضة السورية، لم يعد ثمة معارضة.
ما هو متوافر الآن قوى الإرهاب التكفيري بأبشع مظاهره وأفعاله.
– قلنا إن أميركا خسرت الحرب وهزم الكيان الصهيوني، واستبدلوا حربهم نظرية حرق النيران، وأرسلوا الإرهابيين لقتل النفس والناس. ما الذي تفعله المقاومة في هذا المحل سوى أن تدفع عنها أخطار الإرهاب، وتحمي الشعب والأرض والوطن والنظام العام. إن الإرهاب إفساد في الأرض ودفع الفساد يكون بمقاومته. ولذلك لم تنتقل المقاومة من مكان إلى آخر، تغيّر وجه الأعداء، تغيّرت الأسماء، والمقاومة تواجه العدو الأساس في لباس الضلال التكفيري الإرهابي.
– من انتصر على الأصل ينتصر على البديل، وما الأمر إلا صبر ساعة. والحصاد وفير أيها الناس، عندما يهزم الإرهاب التكفيري، تسلك الثورات العربية طريق الصحوة الإسلامية الحقة، تتوحّد الأمّة، وتشارك من موقع القوة والعدالة والمحبة والسلام إدارة شؤون هذا العالم.

Share

مما نشرنا

Next Post

Discussion about this post

صفحتنا على فيس بوك

من الأرشيف

ديسمبر 2024
ن ث أرب خ ج س د
 1
2345678
9101112131415
16171819202122
23242526272829
3031  

الأكثر مشاهدة