استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساء الخميس ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على العشاء، خلال أول زيارة يقوم بها الأخير لأوروبا منذ اغتيال الصحافي جمال خاشقجي. وتشكل هذه الزيارة التي تثير غضب المدافعين عن حقوق الإنسان، خطوة “لرد الاعتبار” للأمير السعودي، الذي كان منبوذاً بسبب قضية خاشقجي. ومن جهة أخرى تأتي هذه الزيارة في إطار الجهود الغربية الرامية إلى التقرب أكثر من أكبر دولة مُصدرة للنفط في العالم، في ظل الحرب الأوكرانية والمحادثات المتعثرة لإحياء الاتفاق النووي مع إيران.
هذا وتأتي هذه الزيارة بعد أقل من أسبوعين على زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للسعودية والتي أعادت “محمد بن سلمان” إلى الساحة الدولية، في خضم الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة. ووصل محمد بن سلمان الذي بدأ جولته الأوروبية المصغرة من اليونان، إلى مطار أورلي في باريس مساء الأربعاء، حيث كان في استقباله وزير الاقتصاد والمال الفرنسي برونو لومير، كما ذكر مصدر حكومي.
وسبق أن ذكرت الرئاسة الفرنسية في بيان أن ماكرون الموجود في أفريقيا، سيعود بعد ظهر الخميس وسيستقبل محمد بن سلمان بعد ساعات على عشاء عمل مساء الخميس في الإليزيه.
وبحسب تصريح للخبير في شؤون المملكة في معهد أبحاث الدراسات الأوروبية والأمريكية كانتان دي بيمودان، لوكالة الأنباء الفرنسية فإن “ماكرون قام بالجزء الأكبر من أعمال رد الاعتبار بزيارته شخصيا محمد بن سلمان في الرياض في كانون الأول/ديسمبر الماضي”، مضيفاً “ماكرون بدأ رد الاعتبار وبايدن استكمله وبينهما (بوريس) جونسون”، الذي زار الرياض أيضاً في آذار/مارس الماضي.
وكانت أجهزة الاستخبارات الأمريكية قد أشارت إلى مسؤولية محمد بن سلمان في اغتيال جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول. لكن زيارة بايدن للمملكة كرست تراجع الأخير عن وعده في حملته الانتخابية بمعاملة السعودية على أنها “منبوذة”، كما أثارت الخطوة الأولى لمحمد بن سلمان داخل الاتحاد الأوروبي استياء المدافعين عن حقوق الإنسان.
وفي السياق، قالت أنييس كالامار التي قادت تحقيقا في اغتيال خاشقجي عندما كانت المقررة الخاصة للأمم المتحدة لحالات الإعدام خارج إطار القانون، لوكالة الأنباء الفرنسية، إن “زيارة محمد بن سلمان لفرنسا وجو بايدن للسعودية لا تغير من واقع أن محمد بن سلمان ليس سوى قاتل”.
من جهتها، كتبت مديرة منظمة هيومن رايتس ووتش في فرنسا بينيديكت جانرود على تويتر “يبدو أن محمد بن سلمان يمكن أن يعتمد على إيمانويل ماكرون لرد اعتباره على الساحة الدولية رغم القتل الوحشي للصحافي جمال خاشقجي والقمع القاسي للسلطات السعودية ضد أي انتقاد وجرائم حرب في اليمن”. وأضافت أن عودة حظوته لدى رؤساء الدول الغربية “تثير صدمة أكبر لأن العديد منهم في ذلك الوقت عبروا عن اشمئزازهم (من عملية القتل) والتزامهم بعدم إعادة محمد بن سلمان إلى المجتمع الدولي”، مدينة سياسة “الكيل بمكيالين”.
هذا وقالت الباحثة المشاركة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية كاميل لونز إن “الحرب في أوكرانيا أعادت البلدان المنتجة للطاقة إلى الواجهة وهذه الدول تستفيد من ذلك”. وأضافت أن ذلك “يؤمن لها رافعة سياسية ستستخدمها لإعادة تأكيد أهميتها على المسرح الدولي”.
أما بالنسبة إلى الدول الغربية، فهي تتنافس في “البراغماتية”، وفقا لها. وتابعت أنه في مواجهة “انفجار أسعار الطاقة، من الواضح أن حقوق الإنسان في السعودية لم تعد فعلاً الأولوية على جدول الأعمال”.
من جهتها، زعمت رئيسة وزراء فرنسا أن استقبال ماكرون لولي العهد السعودي “لا يؤثر في التزامنا بحقوق الإنسان” وأضافت أثناء وجودها شرق البلاد إن “الأمر بالطبع لا يعني وضع مبادئنا جانبًا، إنه لا يؤثر في التزامنا بحقوق الإنسان. سيكون لرئيس الجمهورية فرصة لبحث هذه المسألة مع محمد بن سلمان”، على حد تعبيرها.
Discussion about this post