عاش لولا دا سيلفا حياة قاسية، بين النشأة والطفولة والمراهقة، وصولاً إلى الرئاسة، ولأن تكوينه الأول كان في وسط فقير، كبر لولا وأخذ على عاتقه راية الفقراء، وتخليصهم من الظلم.
قبل أن يكون رئيساً للبرازيل، إحدى الدول البارزة في أميركا اللاتينية، كان الرئيس المنتخب أمس لولا دا سيلفا طفلاً عاش في ظروف صعبة للغاية، تسبب بها الفقر المدقع الذي عانت منه أسرته.
ثم انتقل دا سيلفا إلى مرحلة المراهقة التي لم تكن أفضل من مرحلة الطفولة، حيث كان معيلاً لعائلته، مما اضطره إلى العمل في أكثر المهن صعوبة، واحدة منها أفقدته أصبعاً في يده.
نشأت شخصية دا سيلفا في بيئة قاسية، فأثّرت بشكل مباشر في تكوين شخصيته، لكنها لم تخلق منه شخصاً فظاً، بل جعلته رحيماً بمن حوله، ذاق الفقر ومرارته فأراد أن يكون جسراً ليعبر فوقه فقراء البرازيل نحو حياة أفضل.
نشأته وطفولته
“لقد علمتني أمي كيف أمشي مرفوع الرأس وكيف أحترم نفسي حتى يحترمني الآخرون”.
نشأ دا سيلفا الذي ولد في 27 تشرين الأول/أكتوبر 1945، في أسرة فقيرة، أصلها من الشمال الشرقي للبرازيل، وكانت طفولته قاسية، حيث تعلم من والدته الكثير حول الحياة ومواجهة صعوباتها.
وكتب ريتشارد بورن في الجزء الأول من كتابه “لولا البرازيل” عن طفولة دا سلفيا، وجاء عنوان هذا الجزء بعنوان “قاسية وصعبة”، قائلاً إن لولا انتمى لأسرة مكونة من 7 أولاد وبنات، سافر والده مع ابنة عمه بعد أسبوعين فقط من مولد دا سيلفا إلى ساو باولو، للبحث عن عمل ثم انقطعت أخباره بعد فترة قصيرة، فظنت والدته أنه وجد وظيفة وبالتالي سافرت هي الأخرى إلى ساو باولو ومعها أطفالها.
ولكن سرعان ما اكتشفت أن زوجها تزوج من ابنة عمه بعد أن عاشوا قصة حب سرية، ولذلك اضطرت أن تسكن في غرفة واحدة في منطقة فقيرة في هذه المدينة، ولقد لعبت “أريستيدس” والدة دا سيلفا دوراً كبيراً في حياته وتكوين شخصيته، واعترف دا سيلفا بذلك.
بدأ لولا دا سيلفا مشواره التعليمي في سن مبكر، ولكنه توقف عن التحصيل الدراسي في سن العاشرة من عمره، عندما كان في السنة الخامسة من التعليم الأساسي بسبب الفقر الشديد والظروف الصعبة التي كانت تمر بها العائلة.
ولكن تلك الظروف الصعبة ساهمت في بناء شخصيته، وظهر هذا عندما تولى حكم البرازيل حيث وجه اهتماماً كبيراً للفقراء.
مراهقة ترافقت مع أعمال شاقة
لا بد أن شخصية دا سيلفا المناضلة تعود إلى خلفية عاشها في فترة شبابه، قاسى فيها ظروفاً صعبة للغاية، حيث عمل هذا الفتى في سن مبكرة من عمره كماسح للأحذية لفترة طويلة في شوارع ساو باولو، وكصبي في محطة وقود، ثم حرفي في ورشة.
ليعمل بعد ذلك ميكانيكياً لإصلاح السيارات، وبائع خضروات لكن كل هذه الظروف جعلت منه رجلاً قوياً، وانتهى به الحال كمتخصص في التعدين بعد التحاقه بمعمل “فيس ماترا” حيث نجح في الحصول على دورة تدريبية لمدة 3 سنوات من هناك.
وتعرض لولا لحادثة في سن الـ19 من عمره، أثناء عمله في إحدى مصانع قطع الغيار للسيارات، أدت إلى فقدانه أصبعه خنصر في يده اليسرى، وكان السبب في هذا هو إهمال صاحب المصنع الذي كان يعمل به.
وبعد هذا الحادث انضم دا سيلفا إلى نقابة عمالية بهدف تحسين أوضاع العمال، لأنه عانى الكثير ليحصل على علاج آنذاك.
وأثرت تلك الحادثة في نفسية لولا، مما دفعه للمشاركة في اتحاد نقابة العمال، بهدف الدفاع عن حقوق العمال وتحسين مستواهم وتحريرهم من قسوة أصحاب الأموال وظلمهم.
حياته الأسرية
لم يكتب لزواج دا سيلفا الأول الاستمرارية، حيث توفيت زوجته الأولى “ماريا دى” عام 1970، بسبب مرض التهاب الكبد الوبائي، أي بعد سنة واحدة فقط على زواجهما في عام 1969 لتنتهي بذلك حكايتهما معاً من دون إنجاب أطفال.
وفي عام 1974 تزوج من “ماريزا ليتسيا لولا دا سيلفا” والتي أصبحت السيدة الأولى في البرازيل وأنجب منها 5 أبناء.
محطات في حياته السياسية
صبغت ظروف دا سيلفا الصعبة حياته ومعتقداته، حتى جعلته صوتاً للمستضعفين ليس فقط في البرازيل بل حول العالم، وشكلت له قاعدة جماهيرية جلها من الفقراء والعمال وكل من يرزح تحت مظلة الظلم والاستغلال.
شارك لولا في شباط/فبراير من العام 1980، في تأسيس حزب العمال، ذو الأفكار التقدمية. وفي العام 1983، ساعد في تأسيس اتحاد نقابات (CUT). وفي العام 1984، انضم لحملات المطالبة بتصويت شعبي مباشر في الانتخابات الرئاسية البرازيلية، وهذا ما نجحوا في تحقيقه عام 1989.
وخاض دا سيلفا الانتخابات الرئاسية 3 مرات دون جدوى، قبل أن يستطيع تحقيق النصر في انتخابات العام 2002، وقد أُعيد انتخابه عام 2006.
وفي تموز/يوليو 2017، أدين بتهمة غسل الأموال والفساد في محاكمة مثيرة للجدل، وحُكم عليه بالسجن 9 سنوات ونصف. وبعد فشله في قضية استئناف الحكم، تم سجنه في نيسان/أبريل 2018 وقضى 580 يوماً في السجن.
أما في نيسان/أبريل 2021 أيّدت المحكمة العليا البرازيلية إلغاء إدانات بالفساد صادرة بحق الرئيس السابق لولا دا سيلفا ما جعله مؤهلاً للترشح للانتخابات الرئاسيّة عام 2020.
وفي أيار/مايو 2021، صرّح لولا أنه سيرشح نفسه لولاية ثالثة في انتخابات العام 2022، ضد الرئيس الحالي جايير بولسونارو، وتمكن من الفوز بولاية ثالثة في 30 تشرين الأول/أكتوبر.
Discussion about this post