ترى البروفيسور ناديجدا ليبيديفا أن شعور العظمة لدى شعب ما يدل على أنه يعاني نوعا من عقدة نقص. وهذا التشخيص من هذه العالمة النفسية ينطبق تماما على الولايات المتحدة.
دأب الساسة الأمريكيون على اللهج بـ “الاستثنائية الأمريكية”، حتى أن الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، كان أعلن أن أمريكا مدينة متلألئة على قمة تل.
هذا الشعور بـ “العظمة” في الولايات المتحدة بدأ منذ وقت مبكر. يظهر ذلك في قول جون وينثروب، وهو سياسي أمريكي شهير في عام 1630، قبل حتى أن تستقل وتتأسس الولايات المتحدة إن العالم الجديد سيكون ” بمثابة نموذج لبقية العالم”.
وفي هذا الشأن تقول العالمة النفسية المتخصصة في علم نفس الشعوب والأمم، ناديجدا ليبيديفا في لقاء من زميلنا خالد الرشد ضمن برنامج “رحلة في الذاكرة”: “إن حلم السلطة هذا قد يؤدي إلى الإيقاع بهذا الشعب. فقد يوحى له أنه شعب كبير.. حكيم.. قوي ومؤثر، بينما جيرانه ليسوا كذلك البتة”.
عبارة “الاستثنائية الأمريكية” ظهرت لأول مرة في كتاب للمفكر والمؤرخ الفرنسي أليكسي دي توكفيل، بعنوان “الديمقراطية في أمريكا”، حيث أضفى على الولايات المتحدة دورا خاصا، وكتب يقول إن “أصلهم المتزمت، وعاداتهم التجارية وظروفهم، والأرض نفسها تسمح للعقل الأمريكي بالتركيز على الأهداف العملية، التي يتشتت انتباهها أحيانا فقط عن طريق الدين، وإلقاء نظرة خاطفة على السماء”.
أولئك المتشددون والمتمسكون بـ”عظمة” الولايات المتحدة وتميزها، يعتقدون أن “الله اختار شعبها لهذا الغرض”. ومثل هذه المفاهيم تغلغلت وأصبحت جزءا مهما من الهوية الأمريكية.
ناديجدا ليبيديفا تلخص مثل هذه الحالة في أحد كتبها قائلة: “بينت الأبحاث والدراسات أن من سمات المركزية العرقية ما يلي… أولا- يرى الشعب أن كل ما يجري في ثقافته طبيعي وصائب، وكل ما يجري في الثقافات الأخرى غير طبيعي وغير صائب. ثانيا – ترى المجموعة القومية أن ممارستها تصلح لأن تكون شاملة بمعنى أن ممارستها جيدة ليس لها فحسب بل وللأمم الأخرى أيضا. ثالثا – المعيار الذي يتخذه الشعب في الحكم على الشعوب الأخرى هي قيمه هو حصرا. رابعا – المساعدة والتعاون مع أعضاء نفس المجموعة القومية يعد أمرا مرحبا به. خامسا – تنطلق المجموعة العرقية في تصرفاتها بحيث يكون أعضاء مجموعتها في عداد الرابحين دائما. سادسا – يعتز الشعب كثيرا بمجموعته. سابعا – يشعر الشعب بالنفور تجاه مجموعات الشعوب الأخرى”.
في الغالب يستخدم السياسيون الأمريكيون أوهام “الاستثناء الأمريكي” و”المهمة الخاصة” لتبرير أهدافهم. وتحولت الولايات المتحدة جراء ذلك إلى وحش منفلت، يشن الحروب في مختلف أصقاع العالم بشكل دوري، فيما تضبط واشنطن الأمم الأخرى باستثناءات قليلة، لتكيل المديح أو تفرج من دون أن تعترض حتى تلميحا!
ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي بين عامي 2001 – 2009، كان كتب في سياق “جنون العظمة” يقول: “نحن، كما قال لينكولن، الأمل الأخير والأفضل للأرض. نحن لسنا مجرد أمة واحدة أخرى، كيان واحد آخر على المسرح العالمي. لقد كنا ضروريين للحفاظ على الحرية وتقدمها، ويجب على أولئك الذين يقودوننا في السنوات المقبلة أن يُذكرونا، كما فعل روزفلت وكينيدي وريغان، بالدور الفريد الذي نلعبه. لا يجب عليهم ولا علينا أن ننسى أننا، في الواقع، استثنائيون”.
هذا “الاستثناء” تحول إلى عقيدة عدوانية مستشرية تهدد مستقبل الأرض، خاصة أن في هذا البلد نفذت جريمة إبادة جماعية منظمة ضد الهنود الحمر. وهذه الولايات المتحدة الأمريكية “الاستثنائية” هي من ألقى قنبلتين نوويتين بفارق أيام على مدينتين يابانيتين، ولم يكن هناك مبرر أو سبب يرقي إلى مستوى سلاح الإبادة الجماعية هذا. وبقيت الجريمتان من دون عقاب أو حتى مجرد لفت نظر، مثل سلسلة طويلة من الغزو والاختلال والاغتيال، يصعب حتى حصرها.
اللافت أن دعوات التشبث باستثنائية الولايات المتحدة وبـ “عظمتها الكونية” زادت في السنوات الأخيرة، حتى أن الرئيس السابق دونالد ترامب قال: “دعونا نعيد أمريكا عظيمة مرة أخرى”، فهل ترامب، مع ظهور “تجاعيد الشيخوخة” على الولايات المتحدة، وبروز منافسين كبار يلاحقونها، بات يشعر بعقد نقص أمريكا، بشكل أكثر حدة؟
المصدر: RT
Discussion about this post