السؤال الوحيد الذي يدور في أذهان الأمريكيين المودعين في البنوك اليوم: هل أموالي آمنة؟ أتى الجواب من الرئيس الأمريكي جو بايدن، نعم إنها كذلك، أي مودع لأي بنك أمريكي سيفلس، ستقوم مؤسسة التأمين على الودائع الفيدرالية بتعويض جميع أمواله، حتى الودائع غير المؤمّن عليها. إلا أنّ مشكلة رفع سعر الفائدة بهدف معالجة أزمة الوصول إلى الحدّ الأقصى من سقف الدين الأمريكي، يشي بأنّ هذا الإجراء هو فقط بهدف تهدئة الهلع الذي يسيطر على الأمريكيين، باعتباره العدوّ الأول اليوم للولايات المتحدة. ومهما كان من حال، فإنّ انهيار المصارف سيؤدي إلى تأجيج الاستقطاب السياسي على الصعيد الداخلي، أما على الصعيد الخارجي، فبوتين هو المستفيد الأول.
هل هذا عام 2008 آخر؟
عام 2008 كان الديموقراطيون يسيطرون على مجلس الشيوخ ومجلس النواب. أرسل الرئيس الجمهوري جورج بوش الإبن كبار مسؤوليه الاقتصاديين إلى الكابيتول هيل للتحذير من كارثة مالية وشيكة في بداية الركود العظيم. حينها خرجوا من مكتب رئيسة مجلس النواب آنذاك نانسي بيلوسي مذهولين، من احتمال حدوث كارثة اقتصادية، مع إمكانية القضاء على النظام المصرفي، ومدخرات ملايين الأمريكيين. “كانت واحدة من تلك اللحظات النادرة، وبالتأكيد نادرة في تجربتي هنا، أن يقرر الديمقراطيون والجمهوريون أننا بحاجة إلى العمل معا بسرعة”. كما صرّح أحد المسؤولين الديموقراطيين وبالفعل اتفق الحزبان المتناحران حينها على عملية إنقاذ التمويل الأمريكي.
ولكن بعد 15 عامًا، تقول شبكة CNN التلفزيونية، أنه بالنظر إلى الجو السياسي الملتهب اليوم بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي اللذان يتقاسمان مجلسي الشيوخ والنواب، فمن الصعب تصور أنّ الطرفان يعيان نفس المستوى من التهديد، ناهيك عن الاتحاد على العمل المشترك.
إلى ذلك، كان من المتوقع أن يكون القطاع المصرفي أكثر استقرارًا بسبب الإصلاحات التنظيمية التي تم وضعها بعد الأزمة في عام 2008. الفارق الرئيسي بينها وبين أزمة اليوم، بأنّ الأموال ستُدفع من صندوق تأمين البنوك، وليس من دافعي الضرائب، وهو الأمر الأخطر على الاقتصاد الأمريكي في حال استمرت البنوك بالانهيار. حاولت إجراءات حكومة بايدن اليوم منع حدوث إفلاس بنكي جديد بعد إفلاس ثلاث بنوك، بهدف إعادة الاستقرار إلى القطاع المصرفي بعد أسبوع من الفوضى. حيث كان التهافت على البنوك ناتجا عن بيع بنك وادي السيليكون SVB لأوراقه المالية بخسارة فادحة، لتأمين سحوبات ودائع العملاء، بعد أن بدأ الناس في سحب أموالهم من البنك.
هل سيكون لذلك أي تأثير على الجدل حول سقف الديون؟
ترى صحيفة واشنطن بوست إنه من المحتمل أن تتسبب هذه الأزمة بالشعور بالحاجة الملحة لرفع سقف الديون، ذلك أن التخلّف عن سداد الديون الأمريكية من شأنه أن يتسبب في ضرر لا يمكن إصلاحه على الاقتصاد الأمريكي. والأخطر، أنه سيتسبب بأضرار على الاستقرار المالي العالمي، لأن سوق سندات الخزانة الأمريكية هو حجر الأساس للنظام المالي العالمي. إلا أن ثمة لعبة مقامرة سياسية يلعبها الجمهوريون والديموقراطيون بهدف الاستقطاب السياسي للانتخابات الرئاسية المقبلة، فرفع سقف الدين سيساعد بايدن على الإيفاء بوعوده الانتخابية، مما يقوي من حظوظه في الانتخابات المقبلة، وهو الأمر الذي يسعى إلى إحباطه الجمهوريون.
الهلع سيّد الموقف
الواقع أنّ أي نظام مصرفي، إذا طرأ عليه حالة من الهلع، مع قليل من الذعر، فإن ذلك كفيل بتفجير النظام كلّه. ذلك أن الناس ستركض لسحب ودائعها من البنوك، وسينهار القطاع المصرفي، وتنهار معه الحكومات.
كان من المتوقع أن تمنع الحكومة حدوث أزمة من شأنها أن تؤدي إلى مزيد من التهافت على البنوك. “إذا فعلوا ذلك، فإن ذلك سيوقف هذا الذعر من الانتشار إلى البنوك الأخرى ويحل العديد من المشكلات، على الأقل على المدى القصير”، قال الخبير الاقتصادي ريتشارد دنكان. وأضاف “إذا بدأنا نرى ذعرًا مصرفيًا كبيرًا، فسيكون لذلك تداعيات أوسع بكثير في جميع أنحاء الاقتصاد الأمريكي”.
ومع اندلاع حملة رئاسية جديدة، ومع تصدع العلاقات بين الحزبين، ربما كما لم يحدث من قبل لناحية الظروف الداخلية والعالمية، من الواضح أن انعدام الثقة الحزبي الهائل، يمثل تهديدًا يمكن أن يعيق الجهود المبذولة لمعالجة الأزمات المالية الخطيرة في الولايات المتحدة، وغيرها من القضايا مثل الاستمرار في تمويل الحرب في أوكرانيا.
المصدر الخنادق
Discussion about this post