نشر موقع “Antiwar” الأميركي، التابع لمعهد “راندولف بورن” المناهض للإمبريالية والحروب، تقريراً بعنوان “هل تعتقد أن الولايات المتحدة لن تفوّت عن خطة سلام؟”، للكاتب تيد سنايدر، في طرح كامل لسلوكٍ أميركي طويل من التخلي عن الخطط السلام وإبدالها بالحروب.
ولفت الموقع إلى نشر الصين موقفها بشأن “التسوية السياسية للأزمة في أوكرانيا”، في 24 شباط/فبراير الماضي، مُشيراً إلى أنّه بدلاً من قبول شريك قوي له نفوذ وسجل حافل من اتفاقات الوساطة، فإنّ الولايات المتحدة رفضت بشكل قاطع جهود بكين.
وأكّد الموقع أنّه بالرغم من أنّه يبدو من غير المعقول أن ترفض الولايات المتحدة خطة سلام محتملة، إلا أنّ لها تاريخاً طويلاً في ذلك، فقد تخلت الولايات المتحدة عن خطط السلام منذ أيامها الأولى وحتى الأمس القريب.
تاريخٌ طويلٌ في رفض خطط السلام
حاول “تاكومسيه” زعيم قبيلة “شاوني”، وهم من الهنود الأميركيين، عام 1811، التفاوض مع حاكم ولاية “إنديانا” آنذاك، ويليام هنري هاريسون، بينما كان تاكومسيه بعيداً عن موطنه لمتابعة المفاوضات، استغل هاريسون الفرصة، وأرسل جيشه لسحق أتباع تاكومسيه وحرق بلدتهم وطاردهم إلى كندا.
ويؤكد كاتب التقرير أنّه لم يتغير شيء بعد 200 عام من أفعال هاريسون، ففي كل حروب الولايات المتحدة الأخيرة، كانت هناك فرصة حقيقية لتسوية تفاوضية، لكنّها تخلّت عنها في كل حرب.
وأضاء سنايدر على دفع الولايات المتحدة الاتحاد السوفيتي عن عمد إلى غزو أفغانستان، في 1979، أو على حد تعبير مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي الأسبق، جيمي كارتر، نعوم بريجنسكي، فإنّ الولايات المتحدة “زادت من احتمالات التدخل”.
واعترف بريجنسكي، في مقابلة عام 1998، بأنّ الهدف من “العملية السرية” هو “قيادة الروس إلى الفخ الأفغاني”، حيث أخبر الرئيس كارتر أنّ “هذه هي فرصتنا لمنح روسيا فيتنام الخاصة بها”.
وبعد عقد من الزمان عرض الرئيس السوفياتي آنذاك، ميخائيل غورباتشوف، على الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الأب، وقف إطلاق النار، واقترح خطة سلام تتضمن وقف كلا البلدين إرسال شحنات الأسلحة إلى أفغانستان، والانتقال إلى حكومة ائتلافية، وإجراء انتخابات ديمقراطية بإشراف الأمم المتحدة، مرر بوش خطة السلام وأبقى الأسلحة تتدفق إلى أفغانستان.
وتخلّت الولايات المتحدة، للمرة الثانية، عن احتمالات السلام في أفغانستان، بعد عقدين من الزمان، ويقول تشومسكي في هذا الصدد: “إنّ طالبان أوضحت في عدة مناسبات أنّها مستعدة لتسليم زعيم تنظيم القاعدة آنذاك، أسامة بن لادن، وشبكة التنظيم إلى دولة ثالثة”.
ويضيف تشومسكي إنّه “بعد أسبوعين من الغزو الأميركي لأفغانستان، عرضت طالبان استسلاماً كاملاً، لكنّ الولايات المتحدة رفضت مرة أخرى اقتراح سلام”.
وعندما حاول أختار محمد منصور، زعيم طالبان، التفاوض مع الولايات المتحدة، عام 2016، لمحاولة إيجاد طريقة لإنهاء الاحتلال الأميركي لبلاده سلمياً، اغتالته الولايات المتحدة.
ووفقاً لتشومسكي أيضاً، فإنّه في حرب العراق الأولى، أرادت حكومة الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، عقد صفقة مع الولايات المتحدة للخروج من الكويت دون إذلال كامل، لكنّ كل محاولات العراقيين للتفاوض على انسحابهم قوبلت بازدراء من قبل الولايات المتحدة”.
وذكر تشومسكي حرب العراق الثانية، مؤكداً أنّ “صدام حسين كان حريصاً على تقديم كل تنازلات السماح للمزيد من مفتشي الأمم المتحدة، لكنّ واشنطن تخلّت مجدداً عن سلام محتمل”.
وذكر الكاتب الأزمة الليبية، ففي عام 2011، كانت الحكومة الليبية حريصةً على قبول خطة السلام التي وضعها الاتحاد الأفريقي، وأشار حينها مفوض الاتحاد الأفريقي للسلام والأمن، رمتان لامورا، إلى أنّ “السعي وراء أجندات أخرى في ليبيا من قبل جهات غير أفريقية، منع تنفيذ خارطة طريق الاتحاد الأفريقي”، فالأجندة الأميركية الأخرى في ليبيا كانت تغيير النظام بالقوة و”رفض تغيير النظام بدون حرب”.
وبعد عام واحد فقط، في سوريا كانت هناك خطة سلام أخرى وموافقة أميركية أخرى على خطة سلام في نيسان/أبريل 2012، فقد سافرت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، هيلاري كلينتون، إلى اسطنبول لحضور اجتماع للدول التي دعمت “المعارضة السورية” التي شكّلت “أصدقاء سوريا”، كان على الطاولة عرض للأمم المتحدة من كوفي عنان بجهود وساطة سبق أن وافق عليها الرئيس السوري، بشار الأسد، لكن مجدداً رفضت كلينتون العرض.
أوكرانيا مؤخراً.. ستتخلى أميركا عن أي فرصة للتسوية
تتابع المادة الحديث عن مبادرات السلام الأخرى التي رفضتها الولايات المتحدة في أوكرانيا، مع تفجّر الأوضاع هناك، وتحديداً مبادرة “إسرائيلية” وأخرى تركية، رفضتهما “بإصرار” لتمنع إمكانية وجود خطط سلام في أوكرانيا.
وكشف رئيس الوزراء “الإسرائيلي” الأسبق، نفتالي بينيت، أنّه توسط في مفاوضات بين الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين، والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في آذار/مارس 2022، والتي كانت لديها، حسب قوله “فرصة جيدة للتوصل إلى وقف إطلاق النار”، لكنّ الولايات المتحدة رفضت مرةً أخرى خطة سلام محتملة، ليقول بينيت إنّ الغرب “منعه”.
وألمح نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، نعمان كورتولموس، إلى نفس العرقلة الأميركية الساعية لـ”أهداف أكبر”، وقال لشبكة “CNN TURK”: “نحن نعلم أن رئيسنا يتحدث إلى بلدي الزعيمين، في بعض الأمور تمّ إحراز تقدم ووصل إلى النقطة الأخيرة، ثمّ فجأة نرى أن الحرب تتسارع، شخص ما يحاول عدم إنهاء الحرب، ترى الولايات المتحدة في إطالة أمد الحرب مصلحتها”.
ويُظهر رفض الولايات المتحدة لاقتراح التسوية الصيني الأخير، أنّها مستمرة في سلوكها النمطي في رفض خطط السلام.
وعندما بدا الحل الدبلوماسي ممكناً، في الأيام الأولى للحرب في أوكرانيا، رفضت وزارة الخارجية الأميركية إنهاء الحرب، حتى لو كانت التسوية التفاوضية تلبي أهداف أوكرانيا، لأنّ “هذه حربٌ أكبر من روسيا من نواحٍ كثيرة، إنّها أكبر من أوكرانيا”.
واختتم الكاتب تقريره بالقول: “هناك نمطٌ تاريخي واضح ومتواصل لتخلي الولايات المتحدة عن خطط السلام في سعيها لتحقيق أهداف أكبر”.
Discussion about this post