في آب/أغسطس 2005، بدأ جيش الاحتلال بتفكيك الكتل الاستيطانية، التي أقامها في قطاع غزة، وانتهت عملية الانسحاب في شهر أيلول/ سبتمبر، تحت قيادة أرييل شارون، رئيس حكومة الاحتلال حينها، رغم إطلاقه سابقاً قولاً اشتهر فيه: “نتساريم عنده مثل تل أبيب”، في إشارة إلى رفضه المطلق للانسحاب.
هذا الإنجاز التاريخي حصل تحت ضربات فصائل المقاومة الفلسطينية وعملياتها النوعية التي تصاعدت وتطورت ضد الإسرائيليين ومواقعهم العسكرية، التي كبدت العدو خسائر فادحة وأثمرت دحره من القطاع، لتكون غزة أول الغيث لتحرير فلسطين كاملة.
العمليات النوعية
في الثامن والعشرين من أيلول/سبتمبر عام 2000، اقتحم رئيس حزب الليكود آنذاك أرييل شارون ونحو ألفي جندي المسجد الأقصى. خطوة كانت كفيلة باندلاع انتفاضة الأقصى، التي ارتكب فيها شارون مئات المجازر بحق الفلسطينيين، وقتل أكثر من 4 آلاف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال.
رداً على جرائم الاحتلال، نفذت المقاومة في مختلف الأراضي الفلسطينية حوالى 200 عملية أوجعت الاحتلال، بين تفجير وإطلاق نار واقتحام ودهس، خلفت أكثر من 650 قتيلاً وما يزيد على 3200 جريح.
ويستعرض هذا التقرير أبرز العمليات التي نفذتها المقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها في قطاع غزة وأهمها خلال سنوات الانتفاضة الخمس، والتي كان لها دور كبير في دحر الاحتلال عن غزة.
سلاح الأنفاق
في السادس والعشرين من أيلول/سبتمبر عام 2001، استخدمت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس، ولأول مرة في تاريخ الصراع، سلاح الأنفاق، حيث حفرت نفقاً بطول 150 متراً أسفل موقع “ترميد” العسكري جنوب مدينة رفح، وزرعت عبوتين بوزن 250 كيلو غرام، ثم تم تفجيرهما عن بُعد، ما أدى إلى مقتل 5 جنود، وجرح أكثر من 30 جندي.
بعدها بعامين فقط تكررت العملية، وفجر المقاومة موقع المراقبة العسكري “حردون” والمزود بآليات تصوير ومراقبة عالية الدقة وأسلحة رشاشة نوعية، من خلال نفق حفرته أسفله بطول 200 متر في السابع عشر من كانون الأول/ديسمبر عام 2003، ما أدى إلى مقتل 3 جنود، وإصابة 11 آخرين حسب اعتراف العدو.
وفي السابع والعشرين من حزيران/يونيو عام 2004، حفرت كتائب القسام نفقاً أسفل موقع “محفوظة” شمال مدينة خانيونس، بطول 500 متر، وزرعت 21 برميلاً متفجراً بوزن ثلاثة أطنان من المواد المتفجرة أسفل الموقع قبل أن تقوم بتفجيره، وتقتل 7 جنود وتصيب 20 آخرين.
وبعد عدة أشهر فقط، نفذت كتائب القسام بالاشتراك مع صقور فتح عملية “براكين الغضب” في الثاني من كانون الأول/ديسمبر عام 2004، حيث فجرت عبوة تزن (1300 كغم) أسفل الموقع العسكري عند معبر رفح، بعد حفر نفق طوله 600 متر خلال 4 أشهر. بعدها، تقدم مجاهدان أحدهما من كتائب القسام والآخر من صقور فتح بعد خروجهما من نفق آخر أُعد لهذه الغاية تحديداً، حيث اشتبكا مع الجنود داخل الموقع لمدة ساعة كاملة، واستشهد على إثرها أحدهما، بينما تمكن المجاهد الآخر من الانسحاب، واغتنام سلاح متوسط من نوع (mag)، كما دُمر الموقع بكامله، وقُتل 7 جنود، وأصيب أكثر من 13 آخرين.
وأخيراً، في السابع من كانون الأول/ديسمبر عام 2004، نفذت كتائب القسام عملية “السهم الثاقب” الأمنية التي استدرجت فيها المخابرات الإسرائيلية إلى أرض زراعية شرق مدينة غزة، بعد الحفر فيها نفقاً أرضياً، وجهزته بعبوات أرضية شديدة الانفجار تزن طنّاً ونصف الطن من المتفجّرات.
بعد تقدّم القوات الاحتلال إلى المكان المحدّد، فجّر الاستشهاديان مؤمن رجب محمد رجب، وأدهم أحمد حجيلة، العبوات، ومن ثم تقدّموا ليجْهِزوا على من بقِيَ على قيد الحياة من الجنود، في حين اعترف العدو بمقتل جندي وإصابة 4 آخرين.
العمليات الاستشهادية
في 13 آب/أغسطس عام 2001، قام الاستشهادي محمد نصر من “سرايا القدس” الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، بتفجير نفسه بمطعم “وول ستريت” وسط مدينة حيفا المحتلة، ما أدى لإصابة 21 إسرائيلياً.
وفي 9 أيلول/سبتمبر من العام نفسه، فجر الاستشهادي عبد الفتاح راشد من سرايا القدس سيارته في حافلة صهيونية على مفترق بيت ليد ما أدى إلى إصابة 11 اسرائيلي.
بعدها بثلاثة أعوام، في الرابع عشر من كانون الثاني/يناير عام 2004، فجرت الاستشهادية ريم الرياشي من كتائب القسام، حزامها الناسف وسط تجمع لجنود وضباط الاحتلال في معبر بيت حانون، ما أدى إلى مقتل 4 جنود وإصابة 10 آخرين.
ورداً على اغتيال الشيخ أحمد ياسين، فجّر الاستشهادي طارق حميد في 28 نيسان/أبريل من العام نفسه، سيارته المفخخة في حاجز أبو هولي في دير البلح، ليعترف العدو بإصابة 4 جنود بجراح خطيرة.
اقتحام المواقع
في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر عام 2001، نفذت كتائب القسام أول عملية اقتحام عسكرية، واستهدفت مستوطنة “إيلي سيناي” شمال قطاع غزة، نفذها الاستشهاديان إبراهيم نزار ريان، وعبد الله شعبان. وأسفرت العملية عن مقتل جنديين وإصابة 15 آخرين بجروح.
بعدها بعام، وفي السابع من أذار/مارس، اقتحم الاستشهادي محمد فرحات أكاديمية “عوتسيم” العسكرية في مستوطنة “عتصمونا”، ليشتبك وحده مع الجنود داخلها، ما أدى لمقتل 11 جندياً وإصابة 10 آخرين.
وفي 21 أذار/مارس من العام 2004، اقتحم الاستشهاديان محمد سالم من “كتائب القسام”، ونبيل مسعود من كتائب “شهداء الأقصى” عملية مشتركة داخل “أسدود”، ما أدى إلى مقتل 10 إسرائيليين وإصابة 20 آخرين.
ثم في الثاني من أيار/عام 2004، نفذت “سرايا القدس” بالاشتراك مع “ألوية الناصر صلاح الدين” عملية اقتحام داخل مستوطنة “كيسوفيم”، نفذها الاستشهاديين إبراهيم حماد، وفيصل أبو نقيرة، وقتلا خلالها 5 اسرائيليين، وأصابا عدداً آخر.
وفي 14 كانون الثاني/يناير عام 2005، قام مجاهدو “كتائب القسام” و”كتائب شهداء الأقصى” و”ألوية الناصر صلاح الدين” عملية نوعية، ضربت العدو في معبر “كارني”، وأدت إلى مقتل 6 جنود وإصابة 5 آخرين.
إطلاق الصواريخ
ولأول مرة في تاريخ المقاومة الفلسطينية، قامت “كتائب القسام”، وبابتكار من مهندسيها، بإطلاق صواريخ من طراز (قسام1) على مدينة “أجدروت” الصهيونية شمال قطاع غزة في 26 تشرين الأول/أكتوبر.
وبعدها بثلاثة أيام، قامت “سرايا القدس” بقصف أهداف صهيونية بـ5 صواريخ “غراد” عبر مركبة رباعية الدفع، رداً على اغتيال الشهيد القائد أحمد الشيخ خليل، ومجموعة من المجاهدين.
كذلك، قامت “سرايا القدس بدك حصون الإسرائيليين بـ44 صاروخ وقذيفة، من بينها 17 صاروخ “غراد”، وقتل مستوطن وإصابة 45 آخرين، ملحقةً دماراً هائلاً بالمنازل والممتلكات الصهيونية.
تفجير العبوات
في 22 آب/أغسطس 2004، فجرت “سرايا القدس” جرافة صهيونية بعبوة ناسفة شديدة الانفجار في منطقة حي السلام على الشريط الحدودي جنوب رفح.
وفي تشرين الثاني/أكتوبر، قتل إسرائيلين في عملية تفجير سيارة مفخخة نفذها السرايا بالقرب من سوق محني يهودا في القدس المحتلة.
اشتباك مباشر
وفي 11 أيلول/سبتمبر 2001، قتل ضابطين اسرائيلين وأصيب آخر في عملية إطلاق نار بطولية نفذتها “سرايا القدس” شمال طولكرم.
وفي 28 حزيران/تموز2002، قتل 3 إسرائيليين في عملية إطلاق نار نفذتها المقاومة جنوب جبل الخليل.
وبعدها بشهر، أصيب 3 جنود آخرين، في اشتباك مسلّح ضد دورية صهيونية قرب جنين، في عملية مشتبكة بين “سرايا القدس” و”كتائب القسام” و”كتائب الأقصى”، ثم عاد المجاهدون إلى قواعدهم بسلام.
نوَّعت المقاومة الفلسطينية، بمختلف فصائلها، من أشكال وأنواع عملياتها العسكرية، ما أدَّى وبفعل الضربات النوعية إلى بدء “إسرائيل” بإخلاء مستوطناتها من قطاع غزة، في حدث تاريخي، حيث لم يسبق لها أن أخلت أرضاً تستولي عليها منذ احتلالها فلسطين التاريخية عام 1948.
إنجاز، مهّد للتطور عسكرياً وأمنياً، والإيمان بقدرة المقاومة على تحرير أرض فلسطين، خطوةً تلو خطوة، من البحر إلى النهر.
Discussion about this post