في عام 2015، عندما تم انتخاب جاستن ترودو رئيساً لوزراء كندا، وعد الكنديين حينها “بطرق مشمسة”. فهل اتّباع الولايات المتحدة في سياستها العدائية تجاه الصين، هو ما كان يدور في ذهن ترودو؟ وكيف تتضرّر كندا من ذلك؟
“غلوبال تايمز”: باتّباع جنون الرهاب الأميركي.. ترودو يؤذي كندا
تقول صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية، في تقرير، إنّه بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها الحكومة الكندية على مستوى التضخم، ونقص المساكن، والشبح المرعب المحتمل للحرب النووية، وأزمة المناخ المستمرة، إلّا أنّها عازمة على اختلاق أزمة أخرى مع الصين.
ففي أوائل تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، اتهم ترودو، في حديث إلى الصحافيين، الصين بـ”الألعاب العدوانية” و”التدخل في الانتخابات”. بعد أيام فقط، اتهمت وزيرة الخارجية الكندية، ميلاني جولي، الصين بأنّها قوة عالمية “مزعزعة للأمن العالمي”.
تصريحات قاسية، توضح الصحيفة الصينية أنّها تشير إلى “اتجاه يبدو أنّ كندا تسير فيه على خطى الولايات المتحدة، في سعيها للابتعاد بصورة متزايدة عن الصين”.
وعند الحديث عن الدوافع الكندية وراء “العدائية” تجاه الصين، يبرز في الواجهة الملف الاقتصادي، إذ إنّ ما يقرب من ثلاثة أرباع صادرات كندا يذهب إلى الولايات المتحدة. وهذا يعني أنّ أي محاولة أميركية لاستبدال منشأ صادراتها، ستهدد الاقتصاد الكندي، بصورة كبيرة.
انطلاقاً من هذا الجانب الحيوي، لوحظ كيف سارعت كندا إلى الانغماس في الحرب الاقتصادية الأميركية المفروضة على الصين، من دون أي معارضة تُذكَر.
كما أنّ كندا ترغب في إمكان الحصول على معاملة تفضيلية، مع استمرار الولايات المتحدة في تنفيذ سياسات انعزالية على نحو متزايد، بما في ذلك قانون خفض التضخم، الذي انتقدته القوى الأوروبية، كونه يوفر دعماً استثنائيّاً للشركات المنتجة في الأراضي الأميركية، وهو ما يتعارض تماماً، في رأي الأوروبيين، مع قواعد التجارة العالمية.
لكن على الرغم من هذا كله، فإنّ جنوح كندا نحو سياسات مضطربة مع الصين، أخذ منحىً تصاعدياً مؤخراً.
كيف تطور الخلاف؟
في أوائل كانون الثاني/يناير 2018، بدأت العلاقات الكندية الصينية تأخذ اتجاهاً مغايراً، مع قيام السلطات الكندية باعتقال منج وانزو، المديرة المالية، وابنة مؤسس شركة “هواوي” الصينية للتكنولوجيا والاتصالات، في مطار “فانكوفر” في كندا، في أثناء توجهها من هونغ كونغ إلى المكسيك، وذلك بناءً على طلب من السلطات الأميركية، الأمر الذي أدى إلى أزمة في العلاقات الصينية الكندية.
وارتفع منسوب التوتر بين البلدين بعد اتهام كندا للصين بالتدخل في شؤونها الداخلية، والتدخل في انتخاباتها، عبر تمويل “شبكة سرية” من المرشحين، وفق تقرير نشرته شبكة “غلوبال نيوز” الكندية. وهو ما عدّته الصين ادعاءات لا تمتّ إلى الواقع بصلة.
وفي 6 حزيران/يونيو الماضي، استخدمت الطائرات العسكرية الكندية قرار مجلس الأمن الدولي، بشأن تشديد العقوبات على كوريا الشمالية، ورصد أي انتهاكات محتملة للعقوبات الدولية، ذريعةً للاستطلاع جواً ولاستفزاز الصين، عبر اقتراب الطائرات الكندية من المجال الجوي الإقليمي الصيني، وهو ما رأت الصين أنه يعرّض الأمن القومي وسلامة أفراد الخطوط الأمامية من كِلا الجانبين للخطر.
وقبل أسبوع، أصدرت كندا قراراً مفاجئاً، أثار غضب السلطات الصينية، طالبت فيه ثلاث شركات صينية بسحب استثماراتها من تعدين الليثيوم في البلاد، مبررة هذا الإجراء بأسباب تتعلق بالأمن القومي. خطوة وصفتها الصين بالمسيّسة، مطالبة كندا بالكف عن تسييس القضايا الاقتصادية والتجارية.
ما الذي تخسره كندا؟
طوال عدّة أعوام، كانت الصين أكبر شريك تجاري لكندا في آسيا، وكانت أكبر سوق تصدير لها، ومن أكبر مستوردي الموراد الكندية في آسيا. ووفقاً لإحصاءات الصين، فلقد نما حجم التبادل التجاري بينهما، بين عامَي 2001 و2016، من 7.4 مليارات دولار إلى 45.7 مليار دولار.
تطوُّرُ العلاقات دفع السفير الصيني في كندا، حينها، إلى الحديث عن مرحلة عظيمة نتيجة نمو التبادل التجاري والتعاون السياسي بين البلدين، وخصوصاً في مواجهة الحمائية الاقتصادية التي تهدد الاقتصاد العالمي.
إلّا أنه، بعد خلاف عام 2018، تأثّر سلباً مستوى التعاون التجاري، إذ أظهرت البيانات، الصادرة عن هيئة الإحصاء الكندية، أن الصادرات الكندية إلى الصين انخفضت بنسبة 15.17٪ في الربع الأول من عام 2022، عن الفترة نفسها من عام 2021.
وبناءً عليه، يُفهم جيداً ما الذي خسرته كندا من جرّاء انصياعها التام لسياسة واشنطن العدائية تجاه الصين. ففي الجانب الاقتصادي، خسرت كندا اتفاق التجارة الحرة مع الصين، والذي كانت تعمل جاهدةً على تحقيقه، والذي كان من شأنه أن يحقق فوائد اقتصادية عدةّ للجانبين.
كما أنّها خسرت بيئة الاستثمار التي توفّرها الشركات الصينية، والتي قدمت مساهمات كبيرة إلى كندا خلال فترة التناغم بينهما، من خلال خلق فرص العمل، وإيرادات الضرائب الحكومية، والاستثمار، ومزيد من خيارات المستهلك، وتحسين صادرات المنتوجات والخدمات، وإفادة سلسلة التوريد الكندية.
وفي هذا السياق، لوحظ، في الفترة ذاتها، خسارة كندا مئات آلاف الوظائف خلال شهر واحد عام 2019. ووفقاً لما أظهرته بيانات لهيئة الإحصاء الكندية، فإن سوق الوظائف خسرت 71 ألف وظيفة في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، بينما ارتفع معدل البطالة إلى 5.9 في المئة، وهو أعلى مستوى خلال أكثر من عام.
بالإضافة إلى ذلك، وجد الشعب الكندي – المزارعون – إيراداتهم تتهاوى بسبب مقاطعة الصين واردات فول الصويا الكندي، والتي كانت تصل إلى 2.7 مليار دولار كندي سنوياً. فكندا دولة رائدة عالمياً في إنتاج فول الصويا، والصين تُعَدُّ أحد المستوردين الرئيسيين.
وعلى مدى العقدين الماضيين، استثمرت الصين، أكبر منتج في العالم للمعادن الأرضية النادرة، مليارات الدولارات في كندا، من أجل ضمان إمدادات هذه المعادن، وهو ما يكشف حجم الخسارة التي تكبّدتها كندا من جرّاء تصاعد التوتر مع الصين.
يَظهر أن الخاسر الأكبر من الحرب القائمة بين الولايات المتحدة والصين، هي كندا، التي ألزمت نفسها بسقفٍ عالٍ من الإجراءات والتصريحات ضد بكين.
ويُؤخَذ في الاعتبار، في هذا السياق، أن الصين، مع ما تملكه من قوة اقتصادية كبرى، تشكل رافعة لأي اقتصاد، وهو ما لم تُخفِه وزيرة الخارجية الكندية، ميلاني جولي، خلال زيارتها منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، بقولها إن “الصين قوة لا يمكننا تجاهلها، اقتصادياً، لكن يجب علينا أيضاً أن نكون حَذِرين منها”.
وفي مقابل اللجوء الكندي إلى الحماية الاقتصادية الأميركية، يتزايد حجم التبادل التجاري بين واشنطن وبكين، إذ وصل عام 2021 إلى 755.64 مليار دولار، بزيادة 28.7% عما كان عليه عام 2020، الأمر الذي يوضح أن الولايات المتحدة، التي تدفع الدول إلى وقف تعاونها مع الصين، لم تنجح في تخطّي المردود الإيجابي للتعاون مع الصين اقتصادياً، أو لا ترغب حتى في ذلك.
Discussion about this post