السياحة هي توفير الخدمات للسياح. والسائح هو الشخص الذي يسافر بعيدًا عن بلده، سواء داخل وطنه أو خارجه، ليوم واحد على الأقل، أو ليلة واحدة. وأسباب مثل هذا السفر عديدة منها الفراغ (الترويح، العطلات، العلاج، التعليم، الدين، الرياضة) والتجارة والشؤون العائلية. وعليه فإن الذين يقضون عطلاتهم في بلد آخر، ووفود المؤتمرات، ورجال الأعمال المسافرين كلهم في عداد السائحين.
لم تعد صناعة السياحة كما كانت منذ سنوات..تشعبت فروعها وتداخلت و أصبحت تدخل في معظم مجالات الحياة اليومية..لم تعد السياحة ذلك الشخص الذي يحمل حقيبة صغيرة ويسافر إلى بلد ما ليقضي عدة ليال في أحد الفنادق ويتجول بين معالم البلد الأثرية..تغير الحال وتبدل وتخطت السياحة تلك الحدود الضيقة لتدخل بقوة إلى كل مكان لتؤثر فيه وتتأثر به.
هذا التنوع هو نتاج تطور صناعة السياحة ونتاج زحفها إلى مقدمة القطاعات الاقتصادية في العالم..فقد تمكنت السياحة من تجاوز كل الأزمات وأثبتت التجارب أنها صناعة لا تنضب ولا تندثر بل تنمو عاما بعد عام رغم كل الأحداث المؤسفة التي قد تمر بها..فالسياحة هي صناعة مرتبطة بالرغبة الإنسانية في المعرفة وتخطي الحدود..لقد توقع البعض منذ سنوات أن تقل حركة السياحة مع تطور الإعلام وظهور شبكة الإنترنت التي تعج بالمعلومات والصور والبيانات ..ولكن السنوات أثبتت أن السياحة ستظل اكثر الصناعات نموا وأكثرها رسوخا..ورغم دخول دول كثيرة في الفترة الأخيرة إلى سوق السفر والسياحة إلا أن السوق يستطيع استيعاب العالم كله..فهي صناعة العالم من العالم والى العالم..والأكثر تطورا وتفهما وتفتحا هو الذي يستطيع أن يأخذ منها قدر ما يريد..
التـــاريخ
نمت أول صناعة للسياحة، على ما يبدو، قبل حوالي 3000عام، بتقديم السلع والخدمات لزائري المقدسات الهندوسية والبوذية في الهند، وما زالت بعض هذه الزيارات مستمرة حتى اليوم.
الإغريق والرومان
في القرن الخامس قبل الميلاد سافر هيرودوت كثيرًا إلى كل من مصر وبلاد ما بين النهرين وجنوب روسيا والطرف الشمالي لإفريقيا. وقد وضع الرومان الكثير من خصائص السياحة في الدول الغربية، حيث شكلت عطلاتهم الدينية، التي بلغت مائة يوم سنويًا، أساس العطلات في الغرب اليوم. وكان للرومان أيضًا تذكاراتهم ومنتجعاتهم السياحية، وكانو يهربون من ضغوط المدينة بزيارة نابولي والريفيرا الإيطالية.
سافر الرومان أيضًا إلى أماكن أخرى في الإمبراطورية الرومانية. فقد كان المقتدرون منهم يسافرون إلى مصر واليونان لزيارة المعابد ورؤية الثقافة المحلية. وفي القرن الثاني الميلادي أنتج الجغرافي الإغريقي باوسانياس أول دليل سياحي لمساعدة الزائرين الرومان إلى بلاد الإغريق.
في العصور الوسطى
كانت التجارة وزيارة الأماكن المقدسة أهم أسباب السفر في العصور الوسطى لدى أهل أوروبا. فقد كان النصارى يسافرون إلى المراكز الدينية مثل روما وكانتربري في إنجلترا، وعلى امتداد الطرق بنيت النزل والاستراحات. وكانت للتذكارات أهمية خاصة حيث كان زوار الأماكن المقدسة يوثقون بها الأماكن التي قصدوها بحثًا عن الخلاص. وما زال العديد من الطرق التي سلكها زوار المقدسات والأماكن التي زاروها شواهد سياحية هامة حتى اليوم.
وفي أواخر القرون الوسطى سافر كثير من الأوروبيين بحثًا عن الترفيه أكثر من سفرهم لزيارة الأماكن المقدسة. وفي القرن السادس عشر أوضح باراسلسوس، أبوالطب الحديث، أن الينابيع الحارة مفيدة للصحة، مما دفع الكثيرين إلى السفر إلى المنتجعات المعدنية في ألمانيا والمجر والنمسا وإيطاليا.
الرحلة الكبرى
شهد عصر النهضة بداية ماعرف “بالرحلة الكبرى” في أوروبا حيث كان الشباب الأرستقراطيون يتنقلون عبر أوروبا للتعلم والتثقف. فقد كانت رؤية العالم الأوروبي مهمة جدًا وخاصة لدى الشباب الإنجليزي المتعلم، ولذلك ازداد الاهتمام برؤية المناظر باعتباره جزءًا لا ينفصم عن السياحة، فأولت الدول الكاتدرائيات والكنائس والقصور وآثار روما القديمة عنايتها.
ومع ازدياد التركيز على التعليم، باعتباره من ضروريات تكوين الرجل المتكامل، شهد عصر النهضة أيضًا أولى موجات الانتقال إلى القارة الأوروبية، التي استمرت طوال القرن السابع عشر. وكان الطالب يبدأ رحلته الكبرى عادة عند سن السادسة عشرة، أي بعد التخرج من الجامعة مباشرة، حيث كانت رحلته تستغرق عادة ما بين عام وخمسة أعوام. وكان الطالب يصطحب معه في رحلته من أطلق عليهم حينئذ المرافقون، وكانت مهمتهم الاعتناء به في السفر. وكان الأثرياء منهم يصطحبون حاشية تضم الخدم والحرس والمحاسبين ومصوري المناظر وغيرهم. وقد أُدخلت الكمبيالات في الخدمة في القرن الثامن عشر، وكانت الكمبيالة خطابًا من مصرف يسمح للسائح بسحب مبلغ معين عندما يكون خارج وطنه. وهي توازي الشيكات السياحية في العصر الحديث.
القرن التاسع عشر
أدت الثورة الصناعية إلى تغيرات هامة في أنماط السفر وسلوك المسافرين. فقد أصبح بمقدور الطبقة الوسطى وطبقة العاملين التنقل بسهولة بفضل السكك الحديدية والسفن البخارية. وأدت هذه التطورات أيضًا إلى إنشاء المنتجعات السياحية الجماعية في المملكة المتحدة مثل ساوثند ومارجيت وبلاكبول.
وقد أوجدت الحركة الرومانسية الإنجليزية التي قادها شعراء مثل وليم وردزورث مناخًا برز فيه الاهتمام بالمناظر الطبيعية، حيث عكست الكتب السياحية هذا الاتجاه في أوائل القرن التاسع عشر، وأصبحت مناطق مثل جبال أسكتلندا وجبال الألب السويسرية أهدافًا سياحية في أوروبا. وفي أمريكا الشمالية وأستراليا ونيوزيلندا أدى تطور السكك الحديدية مع ما واكبه من اهتمام بالمناظر الطبيعية إلى إنشاء أولى الحدائق القومية مثل متنزه يلوستون الوطني (ويومينج، الولايات المتحدة الأمريكية، 1872)، ومتنزه رويال الوطني (نيو ساوث ويلز، أستراليا 1879)، ومتنزه بانف الوطني (ألبرتا، كندا، 1885).
السياحة الجماعية الحديثة
بدأت في 5 يوليو 1841 عندما غادرت أول رحلة بالقطار نظمها توماس كوك محطة السكك الحديدية في ليستر بإنجلترا. وقد أصبح كوك أول منظم رحلات حيث حصل على “أجر جماعي” مخفض قدره شلن واحد لكل شخص في رحلة نظمها من ليستر إلى لاوبرا. ومضى كوك في تنظيم رحلاته بالاشتراك مع الشركات التي كانت تسير خطوط السكك الحديدية في ذلك الوقت حيث كان ينظم رحلاته لتلاميذ المدارس. أما السفر بغرض الاستمتاع فقد جاء متأخرًا.
نظم جيمس كوك أول رحلة بغرض تجاري في عام 1845، وكانت من ليستر إلى ليفربول وويلز الشمالية. وقد نظم الرحلات الأولى إلى أحداث رئيسية مثل المعرض الكبير في لندن في عام 1851م والمعرض العالمي في باريس في عام 1855م، كما نظم رحلة سير إلى جبال الألب السويسرية. وفي عام 1867م نظم أول رحلة إلى الولايات المتحدة.
في عام 1873م اخترع كوك أول ورقة تداولية، وكانت شكلا مبكرًا للشيكات السياحية الحديثة. وفي عام 1872م نظم أول رحلة حول العالم، حيث وردت تفاصيل الرحلة في جريدة التايمز. بدأت الرحلة من لندن، وعبرت المحيط الأطلسي إلى نيويورك، ومنها بالقطار إلى سان فرانسيسكو، ثم عبر المحيط الهادئ إلى اليابان، ومنها برًا إلى القاهرة حيث التحقت بسفريات كوك من القاهرة إلى لندن. بهذه الرحلة اكتسبت رحلات كوك شهرة كبيرة. وبحلول عام 1880م بلغ عدد وكالات توماس كوك السياحية 60 وكالة في أنحاء العالم المختلفة، وبلغ عدد الفنادق التي تتعامل مع شيكات كوك السياحية 500 فندق. انظر: كوك، توماس.
وعندما بدأ سياح الطبقة الوسطى يسافرون إلى أماكن كانت محتكرة للأثرياء من السياح طور هؤلاء الأثرياء أشكالاً سياحية أخرى أكثر ترفًا. وفي عام 1883م سير البلجيكي جورج ناجلماكرز قطار الشرق السريع، وكان أول قطار أوروبي بغرف نوم ومطعم. انتظمت رحلات قطار الشرق السريع في البداية من باريس إلى البحر الأسود ثم امتدت رحلاته فيما بعد إلى إسطنبول بتركيا. وقد توقفت الخدمات المتكاملة إلى إسطنبول في عام 1977م، ولكن الخدمات ما تزال باقية في أجزاء من الرحلة. كان قطار الشرق السريع مؤثثًا تأثيثًا راقيًا، وفي أواخر القرن التاسع عشر بدأ تسيير السفن ذات التأثيث الفاخر، حيث وفرت السفن الأولى مستوى من الفخامة لم يكن متوفرًا في أفضل الفنادق.
وفي العشرينيات من القرن العشرين الميلادي زار العديد من نجوم السينما الأمريكيين الريفيرا الفرنسية والريفيرا الإيطالية، مما زاد من شعبيتهما. وظهرت موضة الحمامات الشمسية، وما تزال باقية حتى الآن، بالرغم من المخاطر الصحية الناجمة عن التعرض الطويل لأشعة الشمس. ويفسر استمرار هذه الموضة الشهرة السياحية الواسعة التي تحظى بها مناطق البحر الأبيض المتوسط وجزر الكاريبي.
وبانتهاء الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) أصبح التنقل بغرض الاستمتاع ميسورًا بفضل ازدياد تملك السيارات وتوفر الوقت والمال. وبدخول الطائرات النفاثة التجارية إلى الخدمة في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين أصبح بمقدور أكبر عدد ممكن من الناس السفر إلى مسافات طويلة، في أسرع وقت، وبأسعار أقل. وقد تطلب ازدياد كثافة التنقل عبر الجو بناء مطارات أكبر لاستيعاب الأعداد الكبيرة من المسافرين. وشهدت تلك الفترة أيضًا بناء الفنادق الضخمة في المناطق الساحلية.
أدى تطور السياحة أيضًا إلى ظهور ما عرف باسم الرحلات الشاملة. وقد نظمت شركة هورايزون أول رحلة من هذا النوع إلى جزيرة كورسيكا على البحر الأبيض المتوسط، في عام 1950م. وكانت هذه الرحلات، بما امتازت به من دقة في التنظيم، أوضح نموذج للرحلات الجماعية في القرن العشرين. وبازدياد عدد المسافرين برزت مناطق سياحية جديدة إلى الوجود، وشيدت متنزهات ضخمة مثل ديزني لاند وديزني وورلد في الولايات المتحدة.
وفي أوائل الثمانينيات من القرن العشرين أصيبت السياحة بنكسة لارتفاع أسعار الوقود، ولكن السياحة ظلت تنمو باطراد أثناء فترة الركود الاقتصادي. فقد بلغ معدل نمو السياحة بين عامي 1970 و1990م أكثر من 260%.
السياحة اليوم
شهدت الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين تطور أشكال أخرى من التنقل. فبالرغم من أن سياحة العطلات تمثل جزءًا أساسيًا من صناعة السياحة فإن أعدادًا كبيرة من السياح مازالوا يسافرون بغرض اكتساب ثقافات جديدة والاحتكاك ببيئات مغايرة. ونظرًا لتغير أنماط الحياة أصبح قضاء العطلات القصيرة وعطلات نهاية الأسبوع خارج المنازل عادة شائعة.
وفي التسعينيات من القرن العشرين نمت السياحة العالمية بمعدل سنوي بلغ حوالي 4%. ويذهب السياح اليوم إلى أماكن لم تكن مطروقة في السابق. فبسبب النمو السريع الذي تشهده الصين وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وتايوان واليابان أصبحت منطقة آسيا والمحيط الهادئ مركز استقطاب رئيسي للسياحة العالمية. ومن المتوقع أن تحافظ مناطق سياحية جديدة مثل بالي في إندونيسيا والحاجز المرجاني الكبير في أستراليا ومناطق في تايلاند وسنغافورة على نموها في السنوات القادمة.
أهمية السياحة
عندما يفكر الكثيرون في السياحة تنصرف أذهانهم عادة إلى السفر عبر الحدود إلى بلاد أخرى غريبة. ولكن معظم السياحة في الواقع محلية ـ أي ترتبط بسياح يسافرون إلى أماكن داخل أوطانهم.
مقومات السياحة
تتكون صناعة السياحة من كل الأعمال التي توفر السلع والخدمات مباشرة لمختلف النشاطات الترويحية والتجارية الخاصة بالسائحين. وتشمل الصناعة الخطوط الجوية المحلية والعالمية، والخطوط البحرية والنهرية، والسكك الحديدية، والحافلات وسيارات الأجرة، والفنادق والشقق ووسائل الإقامة الأخرى، والمطاعم والأندية ومؤسسات الرعاية الأخرى، ومنظمي الرحلات الترفيهية، ووكالات السفر، وموفري التسهيلات الترفيهية (المسارح ودور السينما والمعارض وغيرها)، والحدائق القومية والآثار السياحية، ومصنعي وبائعي الهدايا التذكارية، ومراكز المعلومات السياحية، ومراكز المؤتمرات والاجتماعات. ويخدم العديد من هذه الأعمال غير السياح أيضًا
إحصائيات سياحية عالمية
تهيمن الدول الصناعية على نوعي السياحة المحلية والدولية، حيث تستقبل أوروبا وأمريكا الشمالية ومنطقة المحيط الهادئ أكثر من ثلثي السائحين الدوليين. ومهما كان الحال فإن السياحة صناعة رئيسية في معظم الدول.
ففي منتصف تسعينيات القرن العشرين أسهمت السياحة بما يزيد على 6% من قيمة كل السلع والخدمات المنتجة في أنحاء العالم المختلفة، ومثلت أيضًا أكثر من 13% من المنصرفات الاستهلاكية العالمية. ويقدر الخبراء أن السياحة تدعم أكثر من 130 مليون وظيفة في مختلف أنحاء العالم، وتسهم بما يزيد على 5,6% من إجمالي المدفوعات الضريبية.
Discussion about this post