تنتظر مصر تنفيذ اتفاقية الغاز الموقعة مع الكيان المؤقت والتي تقضي بأن تسييل القاهرة عبر منشآتها الغاز الذي سيتم تصديره الى القارة الأوروبية. بالرغم من أن اتفاقيات التطبيع مع الكيان التي روّج على أنها “المخلص” من الأزمات الاقتصادية الا أنها كانت ولا زالت السبب الأساسي والمباشر للاقتصادات المدمرّة في الدول المطبعة.
توقعت وكالة ” ستاندرد آند بورز” العالمية أن يصل إجمالي الديون السيادية المصرية مع نهاية العام الحالي، 2022، إلى 391.8 مليار دولار، بعدما كان 184.9 مليار دولار فقط في العام 2017. وانعكست الازمات الاقتصادية المصرية مع على الوضع الاجتماعي والمعيشي، فبحسب التقارير والإحصاءات الواردة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري فإن المجتمع المصري يسير بخطوات حثيثة نحو أتون الفقر، حيث بات أكثر من 30 مليون مصري تحت مستوى خط الفقر.
هذا الوضع أنتجته السياسات الاقتصادية التي فرضها التطبيع ما أدّى الى تراجع نصيب الفرد من السلع الأساسية حيث أن % من المصريين لا يستطيعون تأمين باحتياجاتهم الأساسية. وتراجع معدل نمو الأجور من 25% عام 2013-2014 إلى 5% في موازنة العام 2018-2019، تزامنَ ذلك مع قفزة التضخم من 8% إلى 32% خلال الفترة ذاتها. كذلك أصبح 40. كما بلغت معدلات البطالة بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 29 عاماً 15% عام 2022، وبين الشابات 35.9%.
احتلت مصر المرتبة الثالثة لارتفاع معدلات الجريمة بسبب انتشار الفقر والبطالة، واحتلت المرتبة الأولى عربيًا في حالات الانتحار عام 2021، وذلك بسبب الأزمات النفسية الناجمة عن الأزمات المادية. بالإضافة الى ارتفاع معدلات التسرب المدرسي في البلد، حيث تسرّب خلال العامي 2020- 2021 فقط 70 ألف طالب وطالبة.
بحسب التقديرات الرسمية تبلغ نسب عمالة الأطفال في مصر ما يقارب المليوني طفل، كما أن عدد ساعات العمل التي يقضيها هؤلاء الأطفال في العمل تتعدى أكثر من 9 ساعات يومياً في المتوسط، وأكثر من ستة أيام في الأسبوع بشكل يتجاوز عدد ساعات العمل للكبار. بالإضافة الى كل هذه المعاناة، لا يكف الكيان المؤقت عن الإمعان في زيادة معاناة المصريين، حيث يستمر في تهريب المواد والمبيدات السامة التي سمّمت التربة الزراعية وسرطنة المواطنين صغارًا وكبارًا حيث تسجّل 1131 حالة جديدة كلّ عام، لكلّ 100 ألف نسمة.
في هذا السياق، يسلّط العرض الاتي الضوء على معاناة المصريين على الصعيد الاقتصادي والصحي والاجتماعي – النفسي بعد تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي.
ضجّت مواقع التواصل الاجتماعي في شباط / فبراير 2022، بانتحار مراهقة مصرية بتناولها سُمًّا شائعًا يسمّى “حبّة الغلة”. وتستخدم حبة الغلة كمبيد حشري لمقاومة الآفات الحشرية داخل مخازن وصوامع حفظ الغلال، أو حتى داخل منازل المزارعين الذين يحتفظون بتلك الغلال في منازلهم، ويتم تداولها في القرى المصرية داخل محلات البقالة أو محال المبيدات الزراعية بسعر يتراوح من جنيه الى 3 جنيهات تختلف من منطقة لأخرى، وهو ما يجعلها أرخص وأسرع وسيلة للإنتحار، حيث تتراوح نسبة الوفاة بعد تناولها 70 الى 100% بحسب مركز البحوث الاجتماعية والجنائية. واستقبل مركز السموم بمحافظة المنوفية في عام 2019 وحده 5160 حالة انتحار منها 116 حالة باستخدام حبة حفظ الغلال أي ما يعادل 2.24% من نسب حالات الانتحار، وفي عامي 2020 و2021 تم رصد 8 حالات انتحار لشباب ما بين سن 17 إلى 25 عاماً بمركز أبوكبير بمحافظة الشرقية بهذه الحبّة.
تقول الدكتورة غادة حسب الله، أستاذة الطب الشرعي والسموم في جامعة القاهرة لبي بي سي، إن خطورة حبة الغلال تكمن في عدم وجود مصل مضاد لها، حيث “يحاول الأطباء إنقاذ كل جهاز من أجهزة المريض الداخلية على حدة لتجنب الوفاة؛ إلا أن أكثر من 60 % من الحالات لا تنجو”.
وقد ساعدت القوانين التي وضعتها وزارة الزراعة برئاسة الوزير الزراعي المصري السابق يوسف الوالي -عميل الكيان المؤقت- الى إدخال كميات كبيرة من “حبوب الغلال” والمواد الخام المسرطنة ” فوسفيد الألمونيوم ” التي تحتوي عليها “حبة الغلة” من الكيان المؤقت الى مصر والتي سممت المحاصيل الزراعية وأفسدت التربة الزراعية وسرطنة أجساد المصريين وروّجت كـ “أرخص وسيلة للانتحار وأسهلها”.
يقول الدكتور علاء بركات الرئيس التنفيذي لشركة مصر لتكنولوجيا الصناعات الحيوية أن “اذا وضع 7 حبات من حبوب الغلة في سلّم عمارة قادرة على أن تقتل أهالي العمارة المؤلفة من 12 شقة خلال 10 أيام”.. المشكلة تكمن في القوانين العتيقة التي وضعت في مرحلة الستينات (أيام السادات)”
أدّت مرحلة الستينات وفي ضوء التطبيع المصري مع الكيان المؤقت الى تدمير البيئة النفسية والمعيشية للشعب المصري الرافض لفكرة التطبيع، فبحسب استطلاع للرأي أجراه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى (أميركي)، عام 2021 فإن 8% من المصريين فقط يقبلون بفكرة “قيام علاقات تجارية ورياضية مع الاسرائيليين”.
بحسب المختصين فإن الكيان المؤقت “استغل اتفاقية السلام التي وقعها الرئيس الراحل أنور السادات، في خوض حروب أخرى تحمل شعارات المخدرات والجنس والسرطانات وتهديد مياه النيل والانتحارات”. وأكد المختصون أن الشعب المصري جنى الحصاد المر من اتفاقية التطبيع، ودفع ضريبتها من مأكله ومشربه، وتدمير البنية المجتمعية بنشر المخدرات بكافة أشكالها، بالإضافة لتحويل مناطق مصرية كاملة، كمحميات طبيعية للإسرائيليين في طابا وشرم الشيخ ودهب، لفرض التطبيع بالقوة الاقتصادية على الشعب المصري.
قال عضو مجلس الشعب المصري السابق عزب مصطفى، أن “أخطر ما واجه المصريين نتيجة اتفاقية التطبيع المشؤومة، هو تدمير صحتهم باستيراد المبيدات المسرطنة والمواد السامة، التي دمرت الزراعة في مصر، تحت حماية كاملة من نظام حسني مبارك.. إسرائيل خططت لقتل المصريين بالشكل البطيء، وساعدها في ذلك الاتفاقيات والبنود والملاحق السرية لاتفاقية السلام، التي لم يتم الكشف عنها حتى الآن، كما ساعدها ما قدمه نظام مبارك من تسهيلات للشركات الزراعية والسياحية والتجارية المشتركة مع إسرائيل، وهو ما نتج عنه في النهاية كمية الأمراض والدمار الذي أصاب المصريين”.
إن معاناة الشعب المصري التي خلفها التطبيع المصري مع الكيان والتي أدّت الى ارتفاع معدلات الانتحار حيث تحل مصر في المرتبة الأولى عربيًّا من حيث عدد حالات الانتحار، متفوقة في ذلك على دول تشهد نزاعات مسلحة وحروبًا أهلية، نظرًا للعدد الكبير من السكان الذي يتجاوز 100 مليون نسمة، وتأتي في المرتبة الـ15 عالميًّا من حيث معدلات الانتحار.
الصعيد الإقتصادي، تشير التقارير والإحصاءات الواردة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري إلى أن البلاد تسير بخطوات حثيثة نحو أتون الفقر، حيث بات أكثر من 30 مليون مصري تحت مستوى خط الفقر. وقد قفزت معدلات الفقر خلال العقدَين الماضيَين، من 16.7% عام 2000 إلى 29.7% عام 2021، وسط موجات متتالية من الوعود التي قطعتها الأنظمة الحاكمة على نفسها لتخدير شعوبها، لعلّ أكثرها ضجيجًا تلك التي شهدتها الأعوام السبع الماضية، إذ أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي على عام 2015، وهو العام الثاني لولايته الأولى، “عام الرخاء”. إلا أنه لم يكن كذلك، فطلب من الشعب التحمُّل لمدة عامَين آخرَين عام 2016، لكن الوضع لم يتغيّر، ثم طالبهم بالصبر في عامَي 2018 و2019 وصولًا إلى عام 2020، حين قال إن مصر بنهاية يونيو/ حزيران من هذا العام ستكون في منطقة أخرى تمامًا من حيث المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
تعود أسباب الفقر الى عاملين أساسيين هما السياسات الإقتصادية التي اعتمدها الأنظمة المصرية المتتالية والتي فرضها التطبيع المصري القائمة على الإستدانة من الخارج الأمر الذي أدى الى ارتفاع الدين الخارجي وارتفاع الأسعار وتراجع نصيب الفرد من السلع.
تشير الأرقام الرسمية الصادرة عن البنك المركزي أن حجم هذا الدين ارتفع ليسجّل نحو 137.859 مليار دولار في نهاية العام المالي 2021-2020، مقابل نحو 123.490 مليار دولار في نهاية العام المالي 2019-2020 بزيادة سنوية قدرها 14.369 مليار دولار، هذا بخلاف 40 مليار دولار قيمة فوائد هذا الدين، بما يعني أن الرقم الفعلي للدين الخارجي بفوائده قد يصل إلى أكثر من 177 مليار دولار، من دون حساب عوائد السندات.
وانتشار الفساد في الدولة، والذي يعدّ سببًا رئيسيًا في تفشي الفقر، بسبب نهب الثروات بما يمنع التوزيع العادل ويقضم حق الشعب المصري لصالح حفنة من الفاسدين.
بحسب الخبير الاقتصادي عادل صبري، فإن وجود فاسدين، يرتبطون مع بعضهم بسلسلة واحدة، تعيد إنتاج فاسدين جدد” دون وجود محاسبة قوية رادعة لهم.
في دراسة للمعهد المصري للدراسات، أعدّها الباحث مصطفى إبراهيم، استعرض أبرز مؤشرات الفقر التي من بينها تراجُع نصيب الفرد من الاحتياجات الأساسية في ظل ارتفاع أسعار السلع الرئيسية التي تشكّل وجدان الشعب الغذائي، وعلى رأسها اللحوم والبقوليات والخضروات.
كشفت الدراسة عن تراجع متوسط نصيب المواطن في مصر من اللحوم الحمراء عام 2018 بنسبة 29.4% إلى 9.6 كيلوغرامات عام 2016، مقابل 13.6 كيلوغرامات عام 2015، كذلك القمح ليصل إلى 137.8 كيلوغرامًا مقابل 141.1 كيلوغرامًا، والأرزّ إلى 34.7 كيلوغرامًا مقابل 39.1 كيلوغرامًا، والخضروات إلى 86.3 كيلوغرامًا مقابل 93.1 كيلوغرامًا، والفاكهة إلى 62.6 كيلوغرامًا مقابل 63.6 كيلوغرامًا، ولحوم الدواجن والطيور إلى 10.1 كيلوغرامًا مقابل 10.7 كيلوغرامًا.
واستند الباحث في دراسته إلى معدلات الأجور (ترتبط قضية الأجور بـ 6 ملايين موظف بالقطاع الحكومي فقط، أي حوالي 25 مليون مواطن عند احتساب معدل الإعالة) التي تراجعت بصورة ملحوظة، فأثّرت بشكل سلبي على حصة الفرد من الاحتياجات الأساسية، حيث تراجع معدل نمو الأجور من 25% عام 2013-2014 إلى 5% في موازنة العام 2018-2019، تزامنَ ذلك مع قفزة التضخم من 8% إلى 32% خلال الفترة ذاتها.
وعددت الدراسة عشرات المظاهر التي يمكن اعتبارها مؤشرات واضحة على تفشّي الفقر، منها أن 40% من المصريين لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، كذلك ارتفاع معدلات البطالة إلى 12.9% في أقل التقديرات، فيما تتضاعف تلك النسبة وفق تقديرات أخرى.
هذا بجانب أن هناك 9 ملايين طفل في مصر يعيشون تحت خط الفقر، وأن نصف الشعب تقريبًا يعيشون على هياكل الدجاج، بسبب ارتفاع أسعار الدواجن والسلع الأساسية، بجانب أن قرابة 80% من الفقراء لا تصلهم خدمات الدعم أو التأمين الاجتماعي، مع احتلال مصر المرتبة الثالثة لارتفاع معدلات الجريمة بسبب انتشار الفقر والبطالة، وارتفاع معدلات الانتحار بين الشباب بسبب الأزمات النفسية الناجمة عن الأزمات المادية.
المستويات المعيشية المتدنية والفقر اللذين يداهمان محدودي الدخل، يدفعهما بطبيعة الحال إلى اللجوء نحو العشوائيات للحياة فيها، كونها الأرخص كلفة والأقل نفقة.
في دراسة للمنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة “دراية”، أشار إلى أنه حتى عام 2014 كان يعيش نحو 14 مليون مواطن مصري في المناطق العشوائية، فيما ذهبت دراسات أخرى إلى أن الرقم يتجاوز 20 مليون، منهم 1.7 مليون نسمة يقطنون 357 منطقة غير آمنة (بدرجاتها المختلفة)، و12 مليونًا يقطنون مساحة 152 ألف فدان، وهى المناطق العشوائية غير المخططة. ووفق الدراسة، بلغَ إجمالي مساحة المناطق العشوائية بالجمهورية نحو 160.8 ألف فدان تمثّل 38.6% من الكتلة العمرانية لمدن الجمهورية (37.6% مناطق غير مخططة، 1% مناطق غير آمنة)، تنتشر فى 226 مدينة بجميع المحافظات من إجمالي 234 مدينة، حيث يوجد 8 مدن فقط خالية من المناطق العشوائية بكل من محافظات السويس والشرقية وكفر الشيخ والجيزة، ثم تأتي محافظة الإسكندرية (العاصمة الثانية للبلاد) فى المرتبة الأولى، حيث بلغت مساحة المناطق العشوائية بها 20.1 ألف فدان تمثّل 12.5%، تليها العاصمة القاهرة بمعدل 19.4 ألف فدان تمثّل 12%، ثم محافظة الجيزة 15.5 ألف فدان تمثّل 9.6% من إجمالي مساحة المناطق العشوائية.
ثانيًا، على الصعيد الإجتماعي النفسي، يعاني الشعب المصري من أزمة نفسية إجتماعية حادة وهي التي تكون دافعًا أساسيًا لإرتفاع معدلات الانتحار في مصر، وطبقا لآخر مسح للأمانة العامة للصحة النفسية في مصر في العام 2018، فإن 25% من المصريين يعانون من الأعراض والاضطرابات النفسية، أي أن كل 1 من كل 4 أشخاص من المفحوصين لديه عرض أو اضطراب نفسي.
ترى المعالجة المعرفية والسلوكية للاكتئاب والوسواس القهري الدكتورة رسمية علي فهمي في حديث للجزيرة نت، أن الضغوط النفسية تتصاعد في مصر جراء انتشار مشاعر الخوف والقلق وعدم المساواة ونقص الأمن ونقص الأمان الشخصي والمجتمعي وغياب القدوة، وهو ما أثر سلبا على الصحة النفسية للمصريين. وأضافت أن الوسواس القهري زاد بطريقة رهيبة في مصر خلال الخمس سنوات الأخيرة طبقا لمشاهداتها والحالات المرضية التي تصدت لها، كما تضاعفت الإصابة بالاكتئاب بما يقرب 10 مرات قبل تلك السنوات الأخيرة في مصر. وأشارت إلى أن الضغوط المعيشية تؤدي إلى اضطرابات الشخصية، وهو ما يظهر في الحالة اليومية المصرية في نماذج انعدام الضمير والرشوة والخداع لدرجة “قتل القتيل والسير في جنازته”، بحسب تعبيرها، وهو ما أفرز نمطا شائعا يتجسد في احترام القوي واحتقار الضعيف وإيذائه. ولفتت رسمية فهمي إلى أن الضغوط بمصر أفرزت كذلك “شخصيات تجنبية” تعاني من خوف مفرط، وهم نسبة ليست بقليلة في المجتمع المصري، كما أفرزت شخصيات مرتابة تسيء الظن بشكل كبير وتسبب آلاما كبيرة لمحيطها قد تتطور لعنف نرى مظاهره في جرائم أسرية متكررة. وأشارت إلى أن أصعب المظاهر تمكن في تطور تلك الأمراض والضغوط على الأطفال، فالصغار هم الحلقة الأضعف في دائرة الحياة، إذ تصل لهم ضغوط الحياة عبر ذويهم وتجعل منهم أطفالا مشوهين مخادعين بدرجة عنيفة، مما يضر مستقبلهم قبل حاضرهم.
ترى المرشدة النفسية والأسرية الدكتورة عبير عبد الله أن معاناة المصريين زادت جدا في الفترة الأخيرة، حيث تزايدت الضغوط النفسية وتباعا الأمراض النفسية والاضطرابات حتى إنها أصابت 25% من الشعب المصري. وتضيف في تصريح للجزيرة نت أن هذه النسبة كبيرة وصادمة وأرجعتها إلى عدم استقرار الحياة السياسية وسوء الحالة الأمنية والصعوبات الاقتصادية، مما أدي إلى ازدياد المعاناة الاجتماعية وظهور التفكك الأسري وغياب دور الأسرة ككل من المجتمع، مما أخلّ بمواجهة تبعات الضغوط النفسية على المصريين.
وبحسب قسم النفسي الإجتماعي في جامعة الأزهر يعتبر أن معاناة الشعب المصري النفسية تأتي من أزمة الثقة التراكمية التي تتسبب في مزيد من الإحباط واللمبالاة لدى المواطن المصري ويجعلهم غير مكترثين لتطور أنفسهم، بل يعيشون اليوم بيومهم لتأمين القوت اليومي، كما أنها تأتي من عدم الإحساس بالأمان الناجم عن تعاقب الحكام الفاسدين وتواجد “شريك” في أرضهم غير مرغوب فيه الى حدٍّ كبير ويقوم بسرقة ثرواتهم. كما تزيد معاناة الشعب المصري سوءًا في عدم قدرتهم على مواجهة الضغوط بسبب الإعتقالات التعسفية التي تمارسها الدولة إذا حاول شخص ما التعبير عن رأيه أو محاولة تغيير الواقع.
ثالثًا، على الصعيد الصحي، يعتبر القطاع الصحي في مصر من أكثر القطاعات المثقلة بالمشكلات. أولى هذه المشكلات تتعلق بنسبة الدعم المخصص لهذا القطاع الهام في الميزانية العامة للدولة. وهو ما انعكس على مستوى الخدمات المقدمة في القطاع الحكومي، كما أن تدني الأجور الخاصة بالأطباء أدى إلى استقالة حوالي اثني عشر ألف طبيب من وظائفهم في المنشاّت الصحية الحكومية. مشكلة أخرى تواجه المواطن الذي لا يستطيع الحصول على الخدمات الصحية الجيدة في المستشفيات الحكومية هي ارتفاع تكلفة العلاج الخاص خصوصاً بالنسبة لأصحاب الأمراض المزمنة. مع الأخذ بعين الاعتبار أن برنامج التأمين الصحي الشامل الذي دشّنته مصر عام 2018 لم يشمل حتى الآن إلا ثلاث محافظات فقط. وترتفع أعداد المصابين بمرض السرطان بمختلف أنواعه “سرطان البروستات – الرئة – القولون والكبد” فضلاً على سرطان الثدي الذي يصيب السيدات. ويصل عدد الإصابات بمرض السرطان في مصر إلى 113,1 حالة جديدة كلّ عام، لكلّ 100 ألف نسمة، بمعنى 1131 حالة سرطان جديدة كلّ عام لكلّ مليون مواطن مصري.
وفقاً للجنة القومية للأورام بوزارة الصحة المصرية، فإنّ معدلات الإصابة بالسرطان داخل البلاد مرشّحة للزيادة 3 أضعاف بحلول 2050
ويعود ارتفاع أعداد المصابين بمرض السرطان الى عدة عوامل أبرزها، انتشار المبيدات الزراعية خاصة تلك الضارةّ منها والمغشوشة، والتي تُعدّ من أخطر الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بمرض السرطان بخلاف الأمراض الأخرى، ليس بين المزارعين فحسب ولكن أيضاً لدى من يتناول المنتجات الزراعية غير الصالحة للاستخدام الآدمي. والجدير بالذكر أن هذه المبيدات الزراعية يتم إدخالها من الكيان المؤقت منذ أيام السادات الى هذا اليوم، من دون اتخاذ أي إجراء لوقف تهريب هذه المبيدات وملاحقة المسؤولين.
قال خبير السموم بجامعة عين شمس، محيي المصري، هناك أكثر من 500 نوع من المبيدات، بعضها محرّمة دولياً، تدخل البلاد.
وتكثر حالات وفاة المصريين أمام المستشفيات الحكومة والخاصة بسبب تعنت الإدارة في إسعافهم وإستقبالهم، فقد انتشرت صورة على نطاق واسع لمسن ملقى أمام مستشفى الحياة التخصصي بمنطقة حمامات القبة شرق القاهرة، وقد فارق الحياة بعد أن رفض مسؤولو المستشفى الكشف عليه لاشتباههم بإصابته بفيروس كورونا نظرا لحالة الإعياء الشديدة التي بدا عليها. وعلى أبواب مستشفى الحسين الجامعي التابعة لجامعة الأزهر بالقاهرة، وقف شاب يصرخ مستغيثا بمن ينقذ أمه “أمي تموت” بعد رفض المستشفى استقبالها، وقال إنه ذهب للشرطة فردت عليه بأنها ليست مسؤولة، ولن يستطيعوا مساعدته. تكررت مشاهد مماثلة أمام مستشفيات بأسيوط والمنيا وأسوان بصعيد مصر، والإسكندرية، وغيرها من المحافظات، ومستشفى ناصر بمنطقة شبرا التي هدد فيها مواطن بإشعال النار في نفسه، بعد أن رفضت أكثر من مستشفى استقبال أخيه المصاب لعدم توافر أماكن.
المستويات المعيشية المتدنية والفقر اللذين يداهمان محدودي الدخل، يدفعهما بطبيعة الحال إلى اللجوء نحو العشوائيات للحياة فيها، كونها الأرخص كلفة والأقل نفقة.
في دراسة للمنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة “دراية”، أشار إلى أنه حتى عام 2014 كان يعيش نحو 14 مليون مواطن مصري في المناطق العشوائية، فيما ذهبت دراسات أخرى إلى أن الرقم يتجاوز 20 مليون، منهم 1.7 مليون نسمة يقطنون 357 منطقة غير آمنة (بدرجاتها المختلفة)، و12 مليونًا يقطنون مساحة 152 ألف فدان، وهى المناطق العشوائية غير المخططة. ووفق الدراسة، بلغَ إجمالي مساحة المناطق العشوائية بالجمهورية نحو 160.8 ألف فدان تمثّل 38.6% من الكتلة العمرانية لمدن الجمهورية (37.6% مناطق غير مخططة، 1% مناطق غير آمنة)، تنتشر فى 226 مدينة بجميع المحافظات من إجمالي 234 مدينة، حيث يوجد 8 مدن فقط خالية من المناطق العشوائية بكل من محافظات السويس والشرقية وكفر الشيخ والجيزة، ثم تأتي محافظة الإسكندرية (العاصمة الثانية للبلاد) فى المرتبة الأولى، حيث بلغت مساحة المناطق العشوائية بها 20.1 ألف فدان تمثّل 12.5%، تليها العاصمة القاهرة بمعدل 19.4 ألف فدان تمثّل 12%، ثم محافظة الجيزة 15.5 ألف فدان تمثّل 9.6% من إجمالي مساحة المناطق العشوائية.
ثانيًا، على الصعيد الإجتماعي النفسي، يعاني الشعب المصري من أزمة نفسية إجتماعية حادة وهي التي تكون دافعًا أساسيًا لإرتفاع معدلات الانتحار في مصر، وطبقا لآخر مسح للأمانة العامة للصحة النفسية في مصر في العام 2018، فإن 25% من المصريين يعانون من الأعراض والاضطرابات النفسية، أي أن كل 1 من كل 4 أشخاص من المفحوصين لديه عرض أو اضطراب نفسي.
ترى المعالجة المعرفية والسلوكية للاكتئاب والوسواس القهري الدكتورة رسمية علي فهمي في حديث للجزيرة نت، أن الضغوط النفسية تتصاعد في مصر جراء انتشار مشاعر الخوف والقلق وعدم المساواة ونقص الأمن ونقص الأمان الشخصي والمجتمعي وغياب القدوة، وهو ما أثر سلبا على الصحة النفسية للمصريين. وأضافت أن الوسواس القهري زاد بطريقة رهيبة في مصر خلال الخمس سنوات الأخيرة طبقا لمشاهداتها والحالات المرضية التي تصدت لها، كما تضاعفت الإصابة بالاكتئاب بما يقرب 10 مرات قبل تلك السنوات الأخيرة في مصر. وأشارت إلى أن الضغوط المعيشية تؤدي إلى اضطرابات الشخصية، وهو ما يظهر في الحالة اليومية المصرية في نماذج انعدام الضمير والرشوة والخداع لدرجة “قتل القتيل والسير في جنازته”، بحسب تعبيرها، وهو ما أفرز نمطا شائعا يتجسد في احترام القوي واحتقار الضعيف وإيذائه. ولفتت رسمية فهمي إلى أن الضغوط بمصر أفرزت كذلك “شخصيات تجنبية” تعاني من خوف مفرط، وهم نسبة ليست بقليلة في المجتمع المصري، كما أفرزت شخصيات مرتابة تسيء الظن بشكل كبير وتسبب آلاما كبيرة لمحيطها قد تتطور لعنف نرى مظاهره في جرائم أسرية متكررة. وأشارت إلى أن أصعب المظاهر تمكن في تطور تلك الأمراض والضغوط على الأطفال، فالصغار هم الحلقة الأضعف في دائرة الحياة، إذ تصل لهم ضغوط الحياة عبر ذويهم وتجعل منهم أطفالا مشوهين مخادعين بدرجة عنيفة، مما يضر مستقبلهم قبل حاضرهم.
Discussion about this post