لا يمكن فصل إعلان دمشق عدم رغبتها في المشاركة في القمّة العربية المقبلة في الجزائر، عن التصعيد الأميركي الأخير في سوريا، سواء ميدانياً أو سياسياً، والهادف إلى عرقلة مسار «أستانة» المدعوم من روسيا، بعدما نجح هذا المسار في تجميد خطوط القتال، وأفسح المجال أمام إعادة التواصل بين دمشق وعدد من العواصم العربية بشكل علني، إضافة إلى فتْحه حديثاً الأبواب المغلَقة بين دمشق وأنقرة. وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن واشنطن أصدرت، في الاجتماع الأخير لـ«أصدقاء سوريا» في جنيف، ما يُشبه «التعليمة» إلى هؤلاء، بضرورة شنّ حملة على قمّة الجزائر على خلفيّة سعْي الأخيرة إلى إشراك سوريا فيها، وهو ما يبدو أنه آتى أُكله سريعاً.
في ظلّ تصاعُد الجدل حول القمّة العربية التي يَجري التحضير لانعقادها في الجزائر في شهر تشرين الثاني المقبل، على خلفية ملفّات خلافية عدّة؛ على رأسها مشاركة سوريا في القمّة بعد 12 عاماً على تجميد عضويّتها في «الجامعة»، أعلنت وزارة الخارجية السورية عدم رغبتها في المشاركة في الاجتماع، عازية ذلك، وفق الوزير فيصل المقداد، إلى «الحرص على المساهمة في توحيد الكلمة والصفّ العربي في مواجهة التحدّيات التي تفرضها الأوضاع الراهنة على الصعيدَين الإقليمي والدولي». وقوبل هذا الإعلان بتقدير من الجزائر، التي سعت خلال الأشهر الماضية إلى تمهيد الأرض لإعادة سوريا إلى مقعدها، سواء بسبب العلاقة المتينة بين البلدَين، أو لرغبتها في أن تكون القمّة التي تحتضنها «تاريخية». وثمّنت الخارجية الجزائرية، في بيان، الموقف السوري، وتعهّدت باستمرار التواصل والتنسيق مع سوريا خلال الحدث الذي تشهده أراضيها.
اللافت في تطوّرات هذا الملفّ، تصاعُد الحديث عنه بشكل كبير عبر وسائل إعلام مدعومة من قطر والسعودية خلال الأسبوع الماضي، وسط تشكيك في مدى نجاح الجزائر في عقد القمّة، واقتراحات بنقلها إلى عاصمة عربية أخرى، الأمر الذي يبدو أنه دفع دمشق إلى اتّخاذ موقف صريح يمنع التشويش على الجزائريين. وجاءت هذه الحملة بالتوازي مع سلسلة لقاءات قادتها واشنطن مع ممثّلين عن السعودية وقطر ومصر والأردن ودول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى مشاركة ممثّل عن تركيا ووفد من المعارضة السورية، في مدينة جنيف السويسرية، المدينة التي رفضت دمشق استمرار أعمال «اللجنة الدستورية» (المسار الأممي للحلّ في سوريا) فيها، بعد انضمام سويسرا إلى قائمة الدول التي تفرض عقوبات على روسيا، من بينها عقوبات تمنع مشاركة موسكو في الاجتماعات، الأمر الذي أدّى إلى تجميد هذا المسار.
وتَكشف مصادر سوريّة معارِضة اطّلعت على ملفّ أعمال اجتماع جنيف، والذي عُقد على مدار يومَين الأسبوع الماضي، في حديث إلى «الأخبار»، أن الوفد الأميركي أعدّ، قبل انعقاد اللقاء، ورقة أعمال مؤلَّفة من سبعة بنود، بينها بند واضح يتعلّق بعدم عودة دمشق إلى الجامعة العربية، حيث حرصت واشنطن على التأكيد للوفود العربية المشارِكة رفضها مِثل هذا الإجراء، وتوصيتها بضرورة الإبقاء على الوضع الراهن، بالإضافة إلى بند آخر يتعلّق بالمسار الروسي، وأهمّية الحدّ منه، وتفعيل مسارات أخرى يكون لموسكو حضور أقلّ فيها. ويبدو أن الإصرار الأميركي على عرقلة عودة دمشق إلى مقعدها، أعطى دفعة قوية للدول التي تعارض هذه الخطوة، وعلى رأسها قطر، التي أعلنت صراحة مرّات عدّة موقفها الرافض، إضافة إلى السعودية التي بدأت تنشط بشكل أكبر في الملفّ السوري بعد فترة تردُّد، في وقت يبدو فيه أن الموقف المصري الذي كان يشجّع عودة سوريا إلى «الجامعة»، أصبح أكثر تردُّداً.
بالإضافة إلى ما سبق، ذكرت المصادر» أن من بين الملفّات التي نوقشت أيضاً، التطبيع بين دمشق وأنقرة، حيث طرحت واشنطن مجموعة من الاقتراحات لوقْف هذا المسار المدفوع من قِبَل روسيا وإيران، من بينها أفكار تتعلّق بإعطاء مساحة أكبر لـ«المجلس الوطني الكردي» المرتبط بأنقرة في «الإدارة الذاتية»، بالإضافة إلى دعم مشاريع إنعاشية في المناطق التي تُسيطر عليها تركيا في الشمال السوري، وهو ما بدأ العمل عليه فعلاً المبعوث الأميركي الجديد إلى مناطق «قسد»، نيكولاس جرانجر، عبر سلسلة لقاءات تمهيدية بين ممثّلين عن الأحزاب الكردية لتنشيط الحوار الكردي – الكردي. وأضافت المصادر إن تركيا أبدت قلقها من احتمال فشل المسار الأميركي مجدّداً، وخصوصاً أنه جرى تجريبه سابقاً ولم يصل إلى أيّ نتيجة، وأكّدت استمرار دعمها للمعارضة السورية وللمسار الأممي للحلّ في سوريا، وتَواصل سعيها لـ«إبعاد خطر الأكراد عن حدودها»، وتخفيض عدد اللاجئين السوريين على أراضيها.
وعلى الرغم من أن البيان الختامي لاجتماع جنيف جاء مقتضباً، أكدت المصادر، لـ«الأخبار»، أن الولايات المتحدة طلبت من ممثّلي المعارضة تكثيف نشاطهم على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث من المقرَّر أن يسافر وفد معارِض إلى نيويورك في التاسع عشر من الشهر الحالي، لاستكمال عمليات التحشيد التي تقودها واشنطن على هامش الاجتماع.
في غضون ذلك، بدا لافتاً تراجُع التشويش على قمّة الجزائر بعد إعلان دمشق عدم رغبتها في المشاركة فيها، الأمر الذي أعطى الجانب الجزائري مساحة تحرّك أكبر، تجاوز عبرها أحد أهمّ المطبات التي كانت تعيق انعقاد القمّة، التي عادت التحضيرات لانعقادها في موعدها.
Discussion about this post