أظهرت حركة الجهاد الإسلامي خلال 55 ساعة من القتال في معركة “وحدة الساحات” عن مخزون صاروخي كبير وزيادة في انتاج الصواريخ وظفتها لتكثيف الضغط على الجبهة الداخلية لكيان الاحتلال. هذا التطور منذ المعارك الأخيرة (صيحة الفجر 2019 وسيف القدس 2021) تقرأه مستويات الاحتلال بجدية وتدرك أبعاده.
في هذا السياق، يرى خبير التهديدات الصاروخية عوزي روبين في دراسة بحثية نشرها “معهد القدس للاستراتيجية والأمن” أن هذه القدرات المتطردة تكشف أنه “على الرغم من كل الجهود الإسرائيلية، فإن صناعة الصواريخ في حركة الجهاد الإسلامي لم تتأثر إلى حد كبير بهجمات سلاح الجو، بل وتمكنت من التوسع. وهذا يعني أيضًا أن هذه الصناعة لا تعاني من نقص في المواد الخام ومنشآت الإنتاج”، متوقعاً أن يسقط أكثر من 1000 صاروخ يومياً في معركة مقبلة مع الفصائل الفلسطينية.
المقال المترجم:
كانت عملية “الفجر” جولة قصيرة من التصعيد بين إسرائيل وبعض الفصائل الفلسطينية في غزة. بدأت الجولة مساء الجمعة 5 أغسطس 2022 واستمرت أكثر من يومين بقليل، حتى انتهت بهدنة متفق عليها مساء يوم 7 أغسطس. بدأت سلسلة الأحداث التي أدت إلى هذه الجولة بإعلان اعتقال قائد حركة الجهاد الإسلامي في جنين. يرى كل من الجهاد الإسلامي وحماس في غزة الأذى الذي يلحق بشعبهما في يهودا والسامرة (القدس والضفة الغربية) على أنه ضرر يلحق بهما ويردان على مثل هذا الضرر بمجموعة من الإجراءات لإلحاق الأذى بإسرائيل، بدءًا من حرق الحقول من خلال القنص وإطلاق نيران الدبابات على المركبات الإسرائيلية وانتهت بإطلاق الصواريخ على التجمعات السكانية في المنطقة الوسطى. إن إسرائيل ليست مستعدة لقبول هذا الربط بسبب تداعياته الأمنية الصعبة، وهي تقوم بمبادرات هجومية للحصول على ثمن من الجانب الآخر مقابل أي محاولة من قبل المنظمات الفلسطينية في غزة لربط أيدي إسرائيل في يهودا والسامرة.
بعد حوالي 4 ساعات من اغتيال تيسير الجعبري، أطلقت حركة الجهاد الإسلامي النار بالصواريخ وقذائف الهاون على المستوطنات المحيطة بغزة، والتي امتدت بعد ذلك إلى وسط البلاد. من بين أمور أخرى، تم الهجوم على القدس (مرة واحدة) وتل أبيب (مرتين) وبئر السبع (مرة واحدة). بعد اغتيال ضابط كبير آخر في الجهاد الإسلامي، قائد القطاع الجنوبي، خالد منصور، تحققت معظم أهداف إسرائيل في هذه العملية وبدأت المفاوضات على وقف إطلاق النار. دخل هذا حيز التنفيذ رسميًا في 7 أغسطس / آب الساعة 10:30 مساءً، بعد حوالي 50 ساعة من بدء إطلاق الصواريخ (على الرغم من أن الجهاد الإسلامي لم يتوقف عن إطلاق الصواريخ إلا بعد حوالي خمس عشرة دقيقة).
إن التحليل الكمي للحرب الصاروخية خلال “الفجر” يشير إلى وجود سباق وثيق بين قدرة الهجوم الصاروخي للمنظمات الفلسطينية في غزة وقدرة نظام الدفاع الإسرائيلي على احتواء الهجوم – وهو سباق لا يزال من غير الواضح فيه أين يميل التوازن. الخسائر والأضرار القليلة في العملية الحالية لا تشير إلى انخفاض في قدرات الجهاد الإسلامي الصاروخية – بل العكس هو الصحيح. في الجولة الحالية، تمكنت المنظمة من إطلاق ما لا يقل عن 1175 صاروخ باتجاه إسرائيل.
المقارنة بين إطلاق النار على إسرائيل في عملية الفجر وإطلاق النار في عملية الحزام الأسود (معركة “صيحة الفجر) في عام 2019 بديهية – بدأت عملية “الحزام الأسود” بالاغتيال القيادي بارز في تنظيم الجهاد الإسلامي في غزة بهاء أبو العطا – استمرت هذه العملية قرابة يومين، تم خلالها إطلاق حوالي 450 صاروخ على إسرائيل، جميعها من قبل المنظمة نفسها.
بمقارنة حجم النيران الذي استخدمته الجهاد الإسلامي في هاتين العمليتين، تظهر زيادة كبيرة جدًا في قدرات التنظيم النارية: خلال 33 شهرًا بين “الحزام الأسود” و “الفجر”، تمكن التنظيم من زيادة معدل الإطلاق بمقدار مرتين ونصف وهو رقم مثير للإعجاب من جميع النواحي وقد تم إطلاق 350 فقط في اليوم الأول من القتال. لذلك فمن المسلم به أن الجهاد الإسلامي تمكنت من إطلاق ما لا يقل عن 825 صاروخ خلال اليوم الثاني من القتال – وهو رقم كان يعتبر وهميا حتى وقت قريب، ويشكل رقما قياسيا لمعدل إطلاق النار، ويتجاوز هذا المعدل معدل إطلاق النار المشترك للمنظمتين المسلحتين – حماس والجهاد الإسلامي – خلال عملية “وول جارديان” (حارس الأسوار / سيف القدس) العام الماضي.
إلى جانب معدل إطلاق النار المرتفع، أظهر مشغلو صواريخ الجهاد الإسلامي قدرة على تركيز النيران وإطلاق وابل كثيف في وقت قصير. ظهرت هذه القدرة بشكل رئيسي في اليوم الثاني من القتال، حيث تم إطلاق ما لا يقل عن خمسة صليات متتالية على عسقلان لمدة ساعتين ونصف الساعة. تم إطلاق أكبر وابل في الساعة 3:20 من بعد ظهر يوم 7 أغسطس / آب، وشمل 130 صاروخًا تم إطلاقها في بضع دقائق على أشدود وبئر السبع ومنطقة شفالة.
من المسلم به أن معدل التكثيف في قدرات إطلاق حركة الجهاد الإسلامي يتزايد باطراد مع مرور الوقت. الانطباع هو أنه على الرغم من كل الجهود الإسرائيلية، فإن صناعة الصواريخ في حركة الجهاد الإسلامي لم تتأثر إلى حد كبير بهجمات سلاح الجو في جولات التصعيد السابقة، بل وتمكنت من التوسع. وهذا يعني أيضًا أن هذه الصناعة لا تعاني من نقص في المواد الخام ومنشآت الإنتاج اللازمة لتصنيع الصواريخ وإطلاقها بمعدل متزايد باستمرار. من المحتمل أن حماس تتعزز هي الأخرى بطريقة مماثلة. لذلك يمكن توقع أنه في الجولات القادمة ضد المنظمات الفلسطينية في غزة، سيكون معدل إطلاق النار المشترك أكبر من 1000 عملية إطلاق في اليوم – وربما أكثر من ذلك.
إنتاج الصواريخ الفلسطينية اليوم أسهل وأرخص من اعتراضها إسرائيلياً، مما قد يستدعي أن تكون كلفة الاعتراض سهلة ورخيصة مثل إنتاجها، لأنه حينها سيتم القضاء على ميزة المهاجم، سيتمكن المدافع من زيادة قدراته بنفس معدل زيادة قدرات المهاجم، ولعل المقصود هنا سلاح الليزر الذي تقوم وزارة الحرب بتطويره حاليًا،
وحينها سيحدث الفرق الجوهري بين تكاليف الدفاع والهجوم، وهو ما كشفه رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت بقوله إن التصدي للصواريخ سيكلف بضعة دولارات بدل عدة عشرات آلاف منها، بزعم أن سلاح الليزر سيكسر المعادلة في غضون سنوات قليلة.
الملخص
يجب ألا يغطي الرضا عن العملية الناجحة الجوانب المقلقة التي تم اكتشافها. سلطت العملية مرة أخرى الضوء على السباق الوثيق بين الصواريخ من غزة ونظام الدفاع الجوي الإسرائيلي، وهو سباق لا تضمن إسرائيل الفوز به. لذلك، يجب على النظام الأمني أن يحسب خطواته إلى الأمام وأن يستعد للحالات التي لن تتحمل فيها القدرة الدفاعية الحالية العبء، وستتطلب تغييرات تكنولوجية وتغييرات عقائدية لحماية البلاد من التهديد المتزايد للصواريخ الإيرانية والصواريخ والطائرات بدون طيار.
Discussion about this post