منذ أيام، ألقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف كلمة بلاده، خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2022، والتي تميزت بصياغتها الجيدة التي شبهها البعض بخطابات محامي الادعاء، بحيث استطاعت تقويض خطاب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن في العديد من النقاط.
لكن اللافت في خطاب لافروف، أنه جاء ليؤكد المسار التصاعدي الذي تسير به بلاده، ضد المعسكر الغربي والأحادية القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. معتبراً أن المرحلة الحالية، يتم خلالها البت في مسألة مستقبل النظام العالمي، المحصور بين خيارين: إما أن يكون نظاماً بهيمنة واحدة تجبر الجميع على العيش وفقاً لقواعدها، والتي تعود بالنفع عليها فقط، وإما أنه سيكون عالماً ديمقراطياً عادلاً، بدون ابتزاز وترهيب من غير المرغوب فيهم، وبدون نازية جديدة واستعمار جديد على حدّ وصفه.
وأكدّ لافروف أن نموذج الأحادي القطب لتنمية العالم، الذي خدم مصالح “المليار الذهبي”، الذي تم ضمان استهلاكه الفائض لقرون من خلال موارد آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، أصبح شيئًا من الماضي. معتبراً بأن تشكيل دول ذات سيادة مستعدة للدفاع عن مصالحها الوطنية، يؤدي إلى تشكيل بنية متعددة الأقطاب ومتساوية. وهذا ما تنظر إليه واشنطن والنخب الحاكمة في الدول الغربية التابعة لها، على أنه تهديد لمكانتها المهيمنة.
فماذا قصد لافروف بمصطلح “المليار الذهبي”، الذي خدم نموذج الأحادي القطب مصالحه؟
_ هي نظرية مشهورة في روسيا، تفيد بأن هناك طبقة من النخب في العالم، تعمل الى تكديس ثرواتها وتدمير حياة الناس العاديين.
_ ووفقاً للمؤرخ والفيلسوف السياسي الروسي “سيرغي كارا مورزا”، فإن المليار الذهبي هم سكان البلدان المتقدمة، الذين يستهلكون نصيب الأعظم من جميع الموارد على هذا الكوكب.
_لذلك وفقًا لكارا مورزا، فإن الدول التي يصطلح عليها بأنها متقدمة، ولكي تحافظ على مستوى عالٍ من الاستهلاك لدى مواطنيها، فإنها تؤيد تدابير سياسية وعسكرية واقتصادية مصممة لإبقاء بقية العالم في حالة غير متطورة صناعياً، وكمنطقة ملحقة بالمواد الخام لإلقاء النفايات الخطرة وكمصدر للعمالة الرخيصة. وربما هذا ما يوّضح لنا عمق الصراعات الإستراتيجية للإدارة الأمريكية، سواءً مع الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية والدول الحليفة لهم، لأنها تعتبرهم مصدر تهديد لهيمنتها.
_ يعتقد كارا مورزا ومعاصروه في روسيا، أن الحل الأفضل لمواجهة هذه الهيمنة هو من خلال تقييد التجارة الحرة (خاصة مع الدول الغربية)، ومختلف أساليب تدخل الدولة في الاقتصاد، لا سيما من خلال السياسات الحمائية للقطاعات الصناعية. وفي وقتنا الحالي يمكننا إضافة سياسات الأمن الغذائي أيضاً. فبالعودة الى خطاب لافروف الأخير، فقد كشف بأن أغلب المواد الغذائية التي تمّ إخراجها من أوكرانيا مؤخراً، وفقاً لاتفاقية إسطنبول قد ذهبت الى الدول الأوروبية حصراً.
_الشركات المتعددة الجنسيات، تقوم بتوجيه الثروة من البلدان الأفقر إلى البلدان الأكثر ثراءً، وهذا ما يخلق فجوة في التنمية ما بينهما.
المصدر: الخنادق
Discussion about this post