لا تنتهي الفصول الغرائبية والعجائبية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. فالعالم وإن شاهد أو سمع عن بعض مآثر ومراحل حياة ترامب الحافلة بالفضائح الشخصية والمؤسساتية إبان فترة ولايته، أو قرأ عن سلوكه غير المنضبط، وأفعاله المتهورة مع المقربين أو قادة الدول، أو أجرى بحثا عن جرائمه المتعددة بحق الأمم والشعوب، رغم كل ذلك، فإن هذه الشخصية الجدلية ما زالت تختزن الكثير من الأسرار المخفية، التي كشف كتاب جديد صدر في أمريكا الاسبوع الماضي تحت عنوان: “رجل الثقة”، عن جزء منها، وتشير بمعظمها إلى رعونة ترامب وسقطاته الكثيرة، وتصرفاته الطائشة والبعيدة كل البعد عن العقلانية والرصانة التي يفترض أن تميّز رؤساء الدول.
ما هو مضمون كتاب رجل الثقة؟
يتناول الكتاب المكون من 607 صفحات، لمؤلفته مراسلة صحيفة “نيويورك تايمز” ماغي هابرمان، الفترة التي كان قضاها ترامب في مدينة نيويورك، ثم كرئيس للولايات المتحدة فيما بعد، فضلا عن أنه يورد تفاصيل التفاعلات غير المعتادة وغير المنتظمة بين ترامب وقادة العالم وأعضاء الكونغرس ومساعديه، إلى جانب روايات من وراء الكواليس عن وقته كرجل أعمال.
تنقلت هابرمان بين محطات ولايته الرئاسية – كانت أجرت لهذه الغاية مقابلة مع ترامب على 3 مراحل من أجل الكتاب – مستعرضة بعضًا من مواقفه الفظة والفاضحة، وبيّنت كيف أنه كان يفتقر إلى أدنى معايير اللياقة في التعامل مع قادة العالم، وغيرهم ممن يدور في فلكه.
تروي الكاتبة، أنه أثناء لقاء ترامب لأول مرة برئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي، سرعان ما نقل الرئيس المحادثة إلى موضوع الإجهاض، حيث توجّه اليها قائلًا “بعض الناس مؤيدون للحياة، وبعض الناس مؤيدون لحق الاختيار”. لكن ترامب لم يقف عند هذا الحد، إذ فاجأ ضيفته أثناء المحادثات بعبارات أثارت دهشتها وصدمتها، من خلال قوله “تخيلي لو قامت بعض الحيوانات الملوثة باغتصاب ابنتك وحملت؟”.
علاوة على ذلك، تشير هابرمان، إلى أن ترمب كان يمتدح كثيرًا روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين بسبب قوته، وتلفت الانتباه الى أنه ضحك عندما غضب مساعدوه لأنه غرّد باقتراح لوحدة إلكترونية مشتركة مع روسيا كان من شأنها “السماح للروس فعليًا بالدخول في التحقيقات الأمريكية بشأن القرصنة الإلكترونية لمنشآتها”.
وفي جزء آخر من الكتاب، يظهر ترامب عدم اهتمامه بالعلامات السرية على بعض الملفات، إذ حاول مساعدوه منعه من نشر صورة لمنشأة إيرانية على “تويتر” حتى يتمكنوا من إزالة التفاصيل السريّة حولها، لكنه أحب كيف بدت الصورة، وخاطب مساعديه قائلًا: “إن الجزء المثير مرتبط بالإعلان عما هو مصنّف بالسرّي جدًا”.
الطامة الكبرى أنه في عام 2019، أوضح ترامب، الذي بدا أنه لا يفهم كيفية عمل فروع الحكومة، أنه ببساطة سوف “يقاضي” الكونغرس إذا حاولوا عزله. ويُظهر الكتاب أيضًا، محاولات متكررة من المستشارين للطلب الى ترامب التخفيف من حدة سلوكه، خوفًا من أن يخسر محاولة إعادة انتخابه بسبب سلوكه الشخصي.
أكثر من ذلك، لم يحفظ ترامب أي اعتبار لحرمة الموت حتى وإن كان الموتى من المسؤولين. فعندما كانت روث بادر غينسبورغ (أشهر قضاة المحكمة الأميركية العليا، خدمت فيها 27 عاما) على فراش الموت في عام 2020، كان ترامب يرفع يديه بسخرية إلى السماء ويقول: “من فضلك يا الله. أرجو العناية بها. كل حياة ثمينة”، قبل أن يسأل أحد مساعديه: “كم من الوقت تعتقد أنه تبقى لها؟”.
ماذا عن فترة إصابته بفيروس كورونا وخوفه من الموت؟
من المعلوم أن ترامب كان قد قلل من شأن فيروس كورونا في أوائل عام 2020، لكنه في الواقع كان يرتعد خوفًا منه. فقد أقر بشكل خاص بخطورته وقدم نفسه على أنه ضحية لهذا الوباء.
يروي الكتاب بالتفصيل، كيف كان ترامب خائفًا من الموت وكيف ساءت حالته في البيت الأبيض، إلى حد أن “نائب رئيس أركان العمليات توني أورناتو، كان حذر الرئيس من أنه إذا أصبح في وضع أكثر خطورة، فيجب اتخاذ إجراءات لضمان استمرارية الحكومة”.
شعر ترامب بالذهول من رؤية أقنعة الوجه الواقية، حيث طلب من مساعديه إزالتها في وجوده طوال عام 2020. وقال خلال أحد الاجتماعات “تخلص من هذا الشيء”. ليس هذا فحسب، أراد ترامب مرارًا أن يُنسب إليه الفضل في الحصول على اللقاحات، لكنه أخبر مساعديه أن هذا الأمر غير متاح بسبب “اليمين المتطرف”، في إشارة إلى أنصاره.
ما هي قصة محاولته طرد أفراد أسرته من البيت الأبيض؟
لم تسلم عائلة ترامب من تصرفاته الهوجاء، فهو كان حرّض بانتظام مساعديه وحتى أفراد أسرته على بعضهم البعض في البيت الأبيض. على سبيل المثال، قال ترامب مرارًا لرئيس موظفي البيت الأبيض آنذاك جون كيلي، إنه يريد من “جاريد كوشنر” و”إيفانكا ترامب” مغادرة البيت الأبيض.
المفاجئ أنه “في اجتماعات مع كيلي ومستشار البيت الأبيض دون ماكغان، أعطى ترامب تعليمات بإقالة الزوجين بشكل أساسي. قاوم كيلي وماكغان طلب ترامب، غير أنه في مرحلة ما، كان ترامب على وشك أن يكتب على “تويتر” أن ابنته وصهره سيغادران البيت الأبيض. هنا تدخل مجددًا كيلي واوقفه عن التغريد، قائلاً إن عليه (اي ترامب) التحدث إليهم مباشرة قبل القيام بذلك. وافق ترامب، ثم لم يتابع الحديث أبدًا.
إضافة الى ذلك، يتحدث الكتاب عن محاولته تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية وتثبيت فوزه بكافة السبل غير المشروعة، حيث منح ترامب تبعًا لذلك عمدة نيويورك السابق رودي جولياني (يمينًا) السيطرة على فريقه القانوني لأن محاميه الآخرين لم يكونوا مستعدين للذهاب بعيدًا بما يكفي لإلغاء انتخابات 2020. قال ترامب عبر الهاتف لجولياني وهو يدفعه للمساعدة في قلب النتائج: “حسنًا، رودي، أنت المسؤول. انطلق، افعل أي شيء تريده.. محاميّ سيئون”. كما أنه كثيرًا ما قام بتوبيخ مستشارة البيت الأبيض بات سيبولوني.
أكثر من كل الكتب التي تحدثت عن ترامب، يتعمق هذا الكتاب في تاريخ ترامب الطويل في نيويورك، حيث تحدثت هابرمان مع العديد من أصدقائه السابقين والمديرين التنفيذيين حول ميله للتحدث بعبارات فظة عن النساء وتجنب القوانين المالية.
ويتطرق الكتاب الى علاقة ترامب المعقدة بوالده، والطرق التي تجنبوا بها دفع الضرائب على مر السنين، حيث ان ترامب كان فكر في رغبته في استخدام قضاة سود في قضاياه، لأن محاميه الراحل روي كوهن قال إنه يمكن التلاعب بهم. وحتى كرجل أعمال، كان يحلم بالسياسة عندما كان رجل أعمال ويطلب اجراء استطلاعات رأي حول صورته في وقت مبكر من العام 1987.
ومن الأحداث المهمة التي سجلها الكتاب، محاولة تقييم دونالد ترامب لإمكانية قصف مختبرات المخدرات في المكسيك عبر الطائرات الحربية بعد أن جاءه أحد كبار مسؤولي الصحة العامة إلى المكتب البيضاوي، وأخبره أنه يجب التعامل مع مصانع المخدرات عن طريق إطلاق “الرصاص على الهدف” ـ أي قصفها ـ لوقف تدفق المواد غير المشروعة عبر الحدود إلى الولايات المتحدة. أثار ترامب الأمر عدة مرات، وسأل في النهاية وزير حربه (آنذاك) المذهول مارك إسبر، عما إذا كان بإمكان الولايات المتحدة بالفعل قصف المختبرات، دون أن يلقى أي رد.
Discussion about this post