مجمل البيانات والتصريحات التي صدرت عن القوى والشخصيات السياسية العراقية وغير العراقية، بمناسبة مرور عام كامل على اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في العاشر من تشرين الاول/ اكتوبر 2021 الماضي، اكدت على اهمية اتباع المسارات السلمية البعيدة عن كل مظاهر العنف لحل وحلحلة الامور للخروج من المأزق السياسي الذي القى بظلاله الثقيلة على البلاد طيلة عام، واكدت كذلك على ان المدخل الحقيقي لفك العقدة او العقد المستعصية يتمثل بأنتهاج سبيل الحوار بين الشركاء السياسيين، وفق مبدأ المصالح الوطنية العامة وليس الحسابات الفئوية والحزبية الخاصة، وبدون الكثير من الاشتراطات التي تبدد فرص الحل بدلا من ان توسعها وتقربها الى الواقع. وايضا نبهت الى ان استمرار الحال على ما هو عليه، يمكن ان يؤدي للانزلاق الى المزيد من المخاطر والخيارات السيئة.
وكما قال رئيس حكومة تصريف الاعمال مصطفى الكاظمي ـ الذي ترى بعض الاوساط السياسية والشعبية انه جزء من المشكلة وليس الحل ـ “لقد اثبتت ظروف عام على تجربة الانتخابات ان الاحتكام الى صناديق الاقتراع يجب ان يرتبط بايمان كل القوى السياسية المشاركة فيها بالمبادىء الديمقراطية، وممارسة العمل السياسي وفق سياقها الثقافي وقيمها”.
ولا يختلف اثنان في ان فشل القوى السياسية بتشكيل حكومة جديدة على ضوء مخرجات العملية السياسية، ودفع الامور الى التأزيم، يعكس وجود ازمة عميقة وخطيرة جدا، وقد اشرت مجمل مظاهر المشهد السياسي خلال عام كامل الى ذلك بوضوح، من خلال بلورة حقائق كبيرة ومقلقة لم يكن ممكنا بأي حال من الاحوال تجاهلها او القفز عليها، من قبيل غياب الثقة بين الشركاء ـ او الفرقاء ـ السياسيين، وكذلك فأن معارك كسر العظم لم تفضي الى تحقيق اي مكاسب لاي طرف من الاطراف، ناهيك عن كونها جعلت الامور تدور في حلقة مفرغة لانهاية لها. والحقيقة الاخرى، تتمثل في ان التوافقات الهشة، بكل اسقاطاتها السلبية، هي الخيار الممكن والمتاح على المدى المنظور، وليس هناك افضل منها، ولعل تثوير وتحشيد وتعبئة الشارع، يمكن ان يربك الامور، ويقطع الطريق على الخصم ويمنعه من الوصول الى ما يريده ويخطط له، الا انه في ذات الوقت لن يتيح لمن يتبناه بلوغ مراده بعيدا عن مطالب واستحقاقات الاخرين، فضلا عن ذلك، فأن ايقاع حراك الشارع قد ينخفض ويتراجع، لانه في نهاية المطاف لاينفصل ابدا عن مجريات كواليس السياسة وحراكاتها ومخرجاتها الواقعية، ولعل معطيات التظاهرات التشرينية الاخيرة اشرت بشكل او باخر الى هذه الحقيقة.
قد لايتحمل الجميع بصورة مباشرة مسؤولية ذلك الانسداد السياسي وما ترتب عليه، وما يمكن ان يترتب عليه من نتائج وتبعات سلبية فيما بعد، لكن واقع الحال يؤكد ان الانسداد السياسي القائم، يعد نتاجا لتراكمات من الاخطاء والسلبيات والانحرافات والاجندات والمؤامرات الممتدة على مدى عقدين من الزمن، كان للاحتلال الاميركي واطراف دولية واقليمية مختلفة دور كبير وخطير جدا فيها، ومعها-بقصد او من دون قصد-العديد من القوى والتيارات السياسية العراقية.
وبما ان الانتخابات المبكرة التي اريد لها ان تكون حلا ومخرجا لازمة متعددة الابعاد والجوانب، تأسست على ارضيات هشة، وانطلقت من وسط اشكاليات كبرى، من الصعب بمكان، ان تنتهي الى مخرجات سليمة وتعالج ازمات عميقة، ولم يبتعد رئيس الجمهورية برهم صالح عن الحقيقة، حينما كتب قائلا، “يمر عام على الانتخابات دون اكمال استحقاقاتها الدستورية. تذكير قاس بما فاتنا من فرص ضائعة لبلدنا، وحافز مهم لرص الصف والحوار الوطني الجامع، يكون اساسه ومنتهاه مصلحة الوطن والمواطنين وتلبية حقهم في الحياة الحرة الكريمة، ان الاوان لانهاء دوامة الازمات والتأسيس لحكم رشيد”.
وبينما اكدت البعثة الاممية في بيانها على اهمية الحوار غير المشروط لتجاوز الازمة العراقية، كانت رئيسة البعثة جينين بلاسخارت قد قدمت احاطة شاملة حول العراق الى مجلس الامن الدولي في الرابع من شهر تشرين الاول/ اكتوبر الجاري، بدت الى حد كبير موضوعية وعملية وواقعية مقارنة بأحاطاتها السابقة، التي كانت تنطوي على الكثير من التدخلات والمحاباة لطرف ما على حساب طرف اخر، ناهيك عن تناغمها الواضح مع مجمل المواقف الاستفزازية والمرفوضة للولايات المتحدة الاميركية وبريطانيا.
ولعل خارطة الطريق الذي رسمتها احاطة المبعوثة الاممية، تتمثل في الشروع بحوار وطني بين كل الشركاء، باعتباره السبيل الوحيد لاحتواء الازمة والاتجاه لتشكيل حكومة جديدة بأسرع وقت ممكن، تمتلك رؤية واضحة وبرنامج عملي قابل للتطبيق وفق اولويات الجمهور ومتطلباته، وهذا يستوجب التأسيس لاجواء من الثقة بين المكونات السياسية المختلفة من جهة، وفيما بينها وبين ابناء الشعب من جهة اخرى، وعدم الذهاب الى انتخابات اخرى دون ان تتوفر مقومات وعناصر نجاحها، بعيدا عن اخطاء وهفوات وسلبيات سابقاتها.
وبما انه بعد مرور عام كامل على اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، لم تتبلور اي معطيات ايجابية ملموسة، فهذا يعني فيما يعنيه ان هناك مسارات موصدة، وفتحها لايتحقق الا عبر الحوار، والاخير يتطلب قدرا من الثقة ونكران الذات والتنازلات بدلا من المساومات، وتجنب اللجوء الى منطق القوة والاندفاع العبثي نحو معارك كسر العظم.
وحتى لا تتكرر الاخطاء من جديد، ولا تتفاقم لتزيد الطين بلّة، ينبغي على كل الشركاء مغادرة اسلوب الصفقات والمتاجرة بالمواقع والامتيازات سواء في تشكيل الحكومة الجديدة، او ما سواها من استحقاقات، وان تكون الاولوية لمعالجة هموم ومشاكل الناس الحياتية، لان ذلك هو المسار المنتج بعد الذهاب الى الحوار، ولا حكمة ولا فائدة من اي انتخابات اخرى، اذا لم تكن مقدماتها صحيحة وارضياتها سليمة.
Discussion about this post