يلحظ المتابع للجوائز السنوية الصادرة عن المؤسسات الأوروبية والأميركية، والتي تُمنح في كل الحقول، السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية، أنها امتداد للمؤسسات الإمبريالية الأخرى، التي تقدَّم كمؤسسات محايدة، مثل البنك وصندوق النقد الدوليين ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها.
كما يلاحظ أن الأغلبية الساحقة من هذه الجوائز لا تُمنَح للمتميزين في حقولهم، وفقاً لهذا التميّز وحده، بل غالباً وفقاً لاستراتيجية البيلدربيرغ والدوائر الخلفية للمتروبولات الإمبريالية وفلسفة السوق والليبرالية الجديدة، وخصوصاً لمهندسيها من يهود الولايات المتحدة وبريطانيا، ابتداءً بجوائز نوبل.
تُنسَب جائزة نوبل إلى مؤسسها تاجر النفط السويدي، الذي استقر في باكو – أذربيجان أواخر القرن التاسع عشر، واخترع البارود لأغراض التنقيب واستخراج النفط، وذلك في عام 1863، والذي كان شقيقه الأصغر أولى ضحاياه.
وبالإضافة إلى اختيارات المرشحين الفائزين، والتي غالباً ما ترتبط بالدفاع عن الليبرالية والسياسات الأميركية واليهودية العالمية، أُثيرت بشأن مؤسسة نوبل نفسها ملفات فساد مالي، بحسب ما نشرته صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية في كانون الأول/ديسمبر 2008.
نوبل في الاقتصاد
لو دققنا في الحقل الأخطر لكل العوامل الإمبريالية، وهو الحقل الاقتصادي، لوجدنا أن الأغلبية الساحقة من الفائزين بجائزة نوبل للاقتصاد، منذ تأسيسها عام 1968، هم من مدرسة شيكاغو، التي تُعرَف أيضاً بالليبرالية المتوحشة، وبينهم:
فردريك هايك (1974)، ميلتون فريدمان (1976)، شولتز (1979)، بوكنان (1986)، كويتز (1989)، ميلر (1990)، رونالد كوس (1991)، غاري بيكر (1992)، فوغل (1993)، جونيور (1995)، سكولز (1997)، هيكمان (1999).
وبالإضافة إلى أن عدداً منهم من يهود الولايات المتحدة، فاز من يهود “إسرائيل” دانيال كانمان (2001)، وروبرت أومان (2005)، وجوشوا إنغريست (2021). كما فاز بالجائزة آخرون من مدارس ليبرالية مماثلة، مثل هربرت سيمون من مدرسة كارينغي (1978).
نوبل للآداب
إذا كان متداولاً وشائعاً أن نوبل للآداب أقل برمجة وانحيازاً إلى منحها لعدد من الأدباء الاشتراكيين الكبار، قبل أن تُحجب عنهم في العقود الأخيرة، إلّا أن نصف الفائزين بها (بين 120 أديباً) منذ إطلاقها عام 1901 هم من “المنشقين”، أو من المتواطئين مع الثقافة الإمبريالية في كل تلاوينها، الوضعية والليبرالية والثورات الملونة، والأخطر الثقافة المتصهينة والمنخرطة في بكائيات ما يسمى “المحرقة”.
ويعرف المتابعون أن كيبلنغ، شاعر الإمبريالية البريطانية (الإمبراطورية على حد تعبيره) من الحائزين الأوائل لهذه الجائزة، وهو صاحب القول العنصري الشهير إن “الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا”.
واستتباعاً لذلك، معروف أن مهندس المستعمرات البريطانية ورئيس وزراء بريطانيا الأسبق، تشرتشل، حاز هذه الجائزة عام 1953.
إلى ذلك، بعد أن كان الأدباء الروس المنشقون والهاربون إلى الغرب، أيام الاتحاد السوفياتي، هم الهدف المباشر لجائزة نوبل، تحوّل اهتمام الجائزة إلى أدباء الصين المنشقين، مثل كسينجيان، كما حظي أدباء الكيان الصهيوني، أو الذين كتبوا عن اليهود واليهودية وفق ما يروق لأصحاب الجائزة، بنصيب وافر منها، مثل شموئيل عجنون، ومن ترينداد (نيبول 2011) ومن بولندا (أساك سنجر 1978)، ومن السويد (الكاتبة نيلي زاكس 1966).
أيضاً، وفي سياق الجوائز التي اكتشفت أهمية مصر فيما بعد كامب ديفيد، وراحت للسادات والبرادعي، فإن لجنة الجائزة التي اكتشفت نجيب محفوظ فجأة أيضاً ومنحته الجائزة، لم تتوقف كثيراً عند عوالم القاهرة، وحتى نقده للناصرية، بل عند روايته “أولاد حارتنا”، التي يزوّر فيها التاريخ، ويجعل موسى محور كل الأديان والأنبياء.
نوبل للسلام
والأدق أن تُعرف بنوبل للسياسة، وفق المعايير الإمبريالية الأوروبية والأميركية، وليس اختيار شخصيات ومراكز في روسيا وأوكرانيا لعام 2022، ممن هم معروفون بارتباطاتهم بواشنطن ولندن، وبالتزامن مع العملية العسكرية الروسية الاستباقية ضد تحويل أوكرانيا إلى مخلب قط للأطلسي، ليس الاختيار الأول من نوعه في لعبة الاستخبارات الغربية، بل إن هذه الجائزة مكرَّسة تقريباً لهذه “الجبهة”، من جبهات الإمبريالية، على الصعيد العالمي.
وتركز، في الغالب الأعم، على البلدان والأقاليم المصنَّفة ضمن أعداء الطريقة والثقافة والمصالح الغربية الإمبريالية الأميركية والأوروبية. ومن هذه البلدان اليوم: روسيا وروسيا البيضاء، والصين، وفنزويلا، وكوبا، وإيران، وبورما، وزيمبابوي، والبلدان الأفريقية المماثلة، والبلدان العربية التي تصطفّ في هذا المعسكر، مثل سوريا.
في وقت سابق، مُنحت لشخصيات ساهمت في الانهيار السوفياتي، مثل البولندي ليخ فاونسا (1983)، والروسي غورباتشوف (1990)، واليهودي الروسي زاخروف (1975). كما مُنحت للذين كرسوا الكيان الصهيوني قوة إقليمية مهيمنة، من الرئيس الأميركي كارتر إلى بيغين والسادات (1978)، إلى عرفات ورابين (1994).
ومنذ أعوام وهي تكرَّس للمنشقين في الصين وإيران وبورما، مثل ليو شياوبو (2010)، وشيرين عبادي (2003)، والسيدة أون سان سوتشي من بورما. كما مُنحت لعدد من رموز الثورات الملونة في العالم، وبينهم اليمنية توكل كرمان (2011).
وها هي اليوم تركز على روسيا وروسيا البيضاء، عبر مؤسسات مشبوهة، مثل ميمور يال وبياليا تسكي.
ومن دواعي السخرية أيضاً أن شخصين، على شاكلة المجرم بيغن، الذي نالها عام 1978، نالا هذه الجائزة، هما وزير الدفاع الأميركي الأسبق مارشال (1953)، ووزير الخارجية ومهندس الانقلابات الدموية في أميركا اللاتينية، كيسنجر (1973).
جوائز أخرى
من أشهر الجوائز العالمية، بالإضافة إلى نوبل، زاخروف وبيغاسوس والبوكر، والتي تُمنح في حقول متعددة، من الآداب، إلى العلوم، إلى السلام وحقوق الانسان. فماذا عن هذه الجوائز، ولماذا تُمنَح في الغالب الأعم لأسماء ملتبسة، مع تغطية لأسماء محترمة بين الحين والحين.
أولاً، ارتباط الجوائز الأربع بتاريخ أصحابها في حقول لا تمتّ إلى الأدب، ولا إلى السلام، ولا إلى الثقافة. فنوبل مخترع الديناميت لأغراض نفطية، كان من تجار النفط الأوائل في باكو – أذربيجان. وزاخروف، أحد مهندسي القنبلة الذرية الروسية، وبيجاسوس مرتبط بشركة موبيل النفطية الأميركية. أما جائزة البوكر فمرتبطة بمعهد وين فيلد (اليهودي) الاستراتيجي ومؤسسة المستشار السابق لرئيس “دولة” العدو الصهيوني الأسبق، عزرا وايزمان، وتصدر منذ أعوام عن البرلمان الأوروبي.
ثانياً، كما تلاحظون، فإن الخلفية العامة لهذه الجوائز، هي خلفية النفط والديناميت واليهود الصهاينة. وباستثناء نوبل، الذي لا يعرف أحد أصله الحقيقي قبل استقراره في السويد ثم أذربيجان، فالثلاثة الآخرون، زاخروف وبيجاسوس وصاحب البوكر، وين فيلد، يهود صهاينة.
ثالثاً، بالإضافة إلى جائزة نوبل، وما ذكرناه عنها، لا بد من إضاءة على سائر الجوائز:
1- جائزة زاخروف، التي مُنحت لمعارضَين من سوريا، هما محامية مغمورة تدعى رزان زيتونة، ورسام الكاريكاتور، علي فرزات، الذي كان مقرّبا من دولة نفطية. أما زاخروف فهو عالم نووي روسي يهودي ضد الاشتراكية، وكان من مهندسي الانهيار السوفياتي مع غورباتشوف ويلتسين. وغالباً ما تعطى هذه الجائزة، التي تصدر عن البرلمان الأوروبي، لمنشقّين ضد الاشتراكية واليسار الراديكالي (في روسيا وروسيا البيضاء، والصين وكوبا)، وتغطى بين الحين والحين ببعض الأسماء المحترمة، مثل مانديلا.
ويلاحَظ لهذا العام أن الجائزة مُنحت للمصرية، أسماء محفوظ، بالإضافة إلى أسماء أخرى، علماً بأن محفوظ، كما توكل كرمان، التي نالت نوبل، من الناشطات البرتقاليات.
2- جائزة بيغاسوس، وقال عنها صاحب رواية “فساد الأمكنة”، المصري صبري موسى، عندما مُنحت له، إن هذا “التكريم” ترافق عملياً مع ذكرى تأسيس أول فرع لشركة موبيل النفطية في مصر، وهي الشركة التي ترعى هذه الجائزة.
3- جائزة البوكر للأدب، وتصدر عن معهد وين فيلد للحوار الاستراتيجي، وهو معهد تحت السيطرة اليهودية في بريطانيا. وتحوّلت من جائزة لآداب الكومنولث إلى جائزة عالمية، تتولى دولة نفطية تمويل الطبعة العربية منها.
ومع ذلك، هناك من يبيع نفسه للاقتراب من هذه الجوائز، بل يتسابق عليها المتسابقون، ويعدّونها اعترافاً بهم أو تكريماً لهم، ولا يمانعون في اختلاط الذائقتين الجمالية والإنسانية برائحة النفط والبارود واليهود.
Discussion about this post