يراهن الجمهوريون في الولايات المتحدة على نجاحهم في الانتخابات النصفية، ثم الانتخابات الرئاسية، وبالتالي انتهاء عهد بايدن وإدارته الديمقراطية، وبالتالي يستخدمون محمد بن سلمان كإحدى الأوراق الضاغطة على إدارة بايدن، لإظهار ضعفها وفشلها. والاستخدام الجمهوري لابن سلمان ليس بالأمر المستجد، بل هو فعلٌ قائم منذ ما قبل خروج ترامب من البيت الأبيض. وهذا الاستخدام هو ما يفسر حصرًا استقواء ابن سلمان والانصياع لتخفيض إنتاج “أوبك بلس”.
والمتابع للسياسة السعودية والإعلام السعودي في هذه الفترة، يلمس الأنفة السعودية، وهي على النقيض تمامًا من صمت القبور أمام الإدارة الجمهورية بقيادة ترامب، التي أبدعت الأوصاف لابن سلمان وأبيه، وحطّت من قدرهما كأنّهما اللاشيء بل أكثر فراغاً وتجويفاً، حتى وصل الأمر ببعض كتبة آل سعود، أن يتهجموا على بايدن، حد إعطائه الدروس باعتباره تلميذا بليدا، بحاجةٍ لاستدعاء وليّ أمره.
حين كان ترامب يصف سلمان وابنه بأرذل الصفات، ويسلقهما بأقذع الألفاظ، ويجعل منهما أشبه بكائنين منقرضين، لولا تدخله المخبري في اللحظات الأخيرة، كان الإعلام السعودي يحدثنا عن موسم التزاوج، لدى فقمات القطب الشمالي، ثم يشتم إيران وسوريا وحزب الله، وعليه سيستمر العبث السعودي مع إدارة بايدن، حتى انتهاء ولايته ونجاح إدارةٍ جمهورية، ينتظرها ابن سلمان للعودة إلى حظيرة راعي البقر.
ومن المآخذ التي يتحدث بها إعلام ابن سلمان على إدارة بايدن، هي عدم مهاجمة إيران، واستبعاد الخيار العسكري، وهذا ليس مستغرباً، كما لا شيء مستغربٌ إن صدر من إعلامٍ ببغائي اللسان، ولكن أن يتبنى ذلك الإعلام نظرية أنّ روسيا تحارب الناتو، لمجرد التحريض على إيران، فهذا هو الحقد الحاضّ على الغباء والمنتج له.
يعرف الجميع باستثناء إعلام النفط، أنّ روسيا تحارب الناتو في أوكرانيا، وكانت الرواية النفطية المتماهية مع الرواية الغربية، أنّ روسيا تورطت بحرب أوكرانيا، بجيشٍ غير محترف، وسلاح غير كفؤ، وهذا التورط الذي كشف عن وهن، لا يمكن معه المجازفة بمواجهة الناتو، ولا يمكن معه كذلك الحديث عن عالم متعدد الأقطاب، وهو أيضاً أخطر ما سيدفع روسيا لاستخدام السلاح النووي.
ولكن إعلام النفط ومن باب التحريض على إيران، تبنى رواية أنّ إيران تضرب الناتو، وذلك عبر الحديث عن المسيّرات الإيرانية، وأنّ هذه المسيّرات التي تضرب في أوكرانيا – حسب الرواية الغربية النفطية -، ما هي إلّا نتيجة حتمية لتقاعس إدارة بايدن عن ضرب إيران عسكريًا، وكسر “أذرعها” في لبنان واليمن.
كذلك يتبنى الإعلام السعودي نظرية المراعاة الأمريكية لإيران، مقابل الجفاء مع الحلفاء من نفطيين وأوروبيين، ويقول أحد كتبة آل سعود في جريدة الشرق الأوسط السعودية إنّ “إصرار إدارة بايدن على مراعاة النظام الإيراني، هو إصرارٌ على سياسة الغرق”، ويبدو هذا الكاتب غير مدركٍ أنّ تجنب الاصطدام العسكري مع إيران، هو نجاة لعرش مليكه من الغرق، قبل أن يكون منجاة للجيش الأمريكي وقواعده في بلاده.
والمعضلة أنّ إعلام النفط، لا يخبرنا لماذا تراعي إدارة بايدن إيران، وهذا الغموض هو جزء من”بروباغندا” شيطنة إيران، حيث يستنتج المواطنون بشكلٍ تلقائي، حسبما تم زرعه في عقلهم الجمعي من نظريات تآمر إيران، أنّ هناك مؤامرةً أمريكية-صهيونية-إيرانية، لاستهداف العروبة والإسلام، ولا يلتفت هذا العقل الجمعي إلى أنّ عروبة النفط ما هي إلا مجرد ممسحةٍ على أبواب “الكنيست”، وإسلامه مجرد منشفةٍ في البيت الأبيض.
ولا يمكن لك أن تدرك كيف استطاعوا إقناع مشاهديهم وقارئيهم، بأنّ إيران وحلفاءها، الذين في حالة عداءٍ معلن مع الولايات المتحدة والكيان المؤقت، هم متآمرون معهما على النفط وعروبته وإسلامه، وهو في حالة انبطاح وتبعية معلنة وسرية للولايات المتحدة، ولكن يبدو أنّ ما قاله مارك توين يلامس الصواب بأن “خداع الناس أسهل من إقناعهم بأنّه قد تم خداعهم”.
إنّ مراقبة سلوكات ابن سلمان في هذه الفترة، هي تجربة أشبه بدخول معرضٍ للفن التجريدي، لا المراقب يفهم ما يرى، ولا الرسام يملك ترف الكلام، ولكن وحده إعلام النفط يصرّ على أنّ اللوحات رسالة عميقة عن الكرامة والأنفة العربية.
المصدر: موقع العهد الإخباري
Discussion about this post