ذكرت صحيفة “فورين بوليسي” أنه مع اشتداد الأزمة في أوكرانيا، ظهرت إيران والسعودية، كقوتين شرق أوسطيتين تشاركان بقوة في النزاعات العالمية، وتقفان معاً إلى جانب موسكو.
وأشارت الصحيفة إلى أن “إيران تقوم بتسليم أسلحة، وتحديداً طائرات بدون طيار وربما صواريخ، إلى روسيا لاستخدامها في أوكرانيا، بينما تعمل السعودية على تسليح إنتاجها النفطي بطرق تساعد في الحفاظ على قدرة موسكو على الوفاء بالتزاماتها وإلحاق مزيد من الألم في جميع أنحاء العواصم الغربية قبل فصل الشتاء البارد”.
كما ذكرت الصحيفة أن كلتا الدولتين مدفوعتان إلى حد كبير بعامل واحد: الولايات المتحدة، “وتعملان لإحداث كدمة سوداء تحت عينها”، معتبرةً أن “روسيا استطاعت كسب دعم السعودية وإيران، الأمر الذي أدى إلى إضعاف الموقف الأميركي في الشرق الأوسط”.
ورأت أن “هناك عدة عوامل تدفع الرياض وطهران إلى هذا الاتجاه، لكن الدافع الأكبر هو تقوية نفسيهما ضد الولايات المتحدة في نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، وتعزيز العلاقات بالجهات الفاعلة غير الغربية”.
ومن الواضح، حسب الصحيفة، أن كلاً من إيران والسعودية تستخدمان الصراع في أوكرانيا “لإضعاف المصالح الغربية”.
بدايةً، تقوم إيران بتنويع خياراتها للعمل على تحصيل “شبكة أمان” مع تدهور العلاقات مع الغرب، بالتوازي مع تدهور احتمال استعادة الاتفاق النووي لعام 2015. وعليه، تتوقع طهران مزيداً من الضغوط السياسية والاقتصادية والعسكرية الغربية والإسرائيلية.
ولذلك، تضاعف إيران شراكتها العسكرية مع روسيا، وتحسن علاقاتها الاقتصادية بشكل أكبر مع الصين، وتعمق الدبلوماسية مع جيرانها في الخليج وآسيا. ومن خلال بناء هذه العلاقات، تهدف طهران إلى نزع قدرة الغرب على عزلها، من خلال العقوبات وتوحيد المجتمع الدولي ضد برنامج إيران النووي.
أما بالنسبة إلى السعودية، فلطالما كانت هناك فرضية أساسية للشراكة بين واشنطن والرياض، “والتي استمرت عقوداً: النفط مقابل الأمن”، حسب الصحيفة. وقد تم تقليصها بشكل قاطع من قبل إدارتي الرئيسين الأميركيين باراك أوباما ودونالد ترامب. “أولاً، وقع أوباما اتفاقاً نووياً مع إيران، وثانياً تغاضى ترامب عن استهداف البنى التحتية السعودية” من قبل حركة أنصار الله عام 2019، حسب الصحيفة، التي تضيف أنه “لولا ضرورة مواجهة روسيا في سوق الطاقة، لربما استمر الرئيس الأميركي الحالي، جو بايدن، في نبذ محمد بن سلمان لسنوات”.
واليوم، يرسل صانعو السياسة السعوديون رسائل واضحة إلى الحكومة الأميركية، حسب “فورين بوليسي”، وأهمها أنه يجب إعادة التفاوض على أساسيات شراكتهما، والتأكيد أن منطقة الشرق الأوسط أصبحت متعددة الأقطاب.
ولفتت الصحيفة، إلى أن أزمة الطاقة التي أعقبت نقص الإمدادات الروسية “أعطت دفعةً كبيرة للمكانة الجيوسياسية للسعودية، التي ضاعفت هذا الشهر من هذه الاستراتيجية بعدما دفعت أوبك + إلى خفض الإنتاج الجماعي بمقدار ضخم يبلغ مليوني برميل يومياً”.
وأضافت الصحيفة أنه يجب على الولايات المتحدة الاعتراف بالاتجاهات الجديدة المختلفة، لاعتبارها مرتبطة بالظهور النهائي لنظام عالمي متعدد الأقطاب. كما اعتبرت أن على واشنطن إعادة ضبط نماذج تفكيرها، وتطويرها على أساس أن فرضية الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط عفا عليها الزمن، وأن تجد استراتيجية جديدة لوقف الدعم الإيراني والسعودي لروسيا”.
وبالإضافة إلى ذلك، “يجب على الولايات المتحدة الابتعاد عن التفكير التقليدي بأنها تستطيع تثبيت الرهان الاستراتيجي على السعودية، أو التيقن من أن سياسة الاحتواء هي الحل لجميع مجالات المواجهة مع إيران”، يختم التقرير.
نفي إيراني وروسي لتهم التسليح
تأتي اتهامات الصحيفة الأميركية في وقتٍ أكدت طهران أن مزاعم تسليمها أسلحة وطائرات لروسيا لاستخدامها في أوكرانيا غير صحيحة، حسب ما أكّد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان.
ولفت أمير عبد اللهيان إلى أنّ “لدى طهران تعاوناً دفاعياً مع روسيا، لكن، لا شك في أنّ سياستها ليست إرسال السلاح والطائرات المسيّرة لاستخدامها ضد أوكرانيا”، مطالباً كييف بتقديم وثائق تثبت الأنباء بما يخص ذلك.
من جانبه، أكد السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد أيرواني، أن “هذه المزاعم لا أساس لها”، واصفاً تحقيق الأمم المتحدة في هذا الشأن بأنه “غير قانوني”.
بدورها، قالت موسكو، إنّ “الولايات المتحدة وشركاءها يستخدمون الشائعات بشأن تزويد إيران لها بطائرات مسيّرة قتالية للضغط على طهران”.
وأكدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، أنّ “الشائعات التي نشرتها وكالات الأنباء الأميركية، بما يتعلق بالطائرات المسيرة الإيرانية، تم نفيها من قبل مسؤولين إيرانيين وروس”.
فيما أكّد الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، في وقتٍ سابق، أنّ “المعدات العسكرية المستخدمة في العملية الخاصة روسية المنشأ، وتحمل تسميات روسية”.
الصداقة الروسية- السعودية “إنذار” للغرب
وكانت صحيفة “غارديان” قد اعتبرت في مقال سابق لها أنَّ علاقة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يجب أن تكون إنذاراً مهماً لإعادة صياغة العلاقة بين الرياض والغرب. كما يجب الالتفات إلى عدم مقايضة “أهداف الغرب” ببرميل نفط.
وبحسب الصحيفة، على الرغم من دفع السعودية لـ”أوبك +” إلى خفض الإنتاج الجماعي، لكن ذلك قد لا يحدث فرقاً كبيراً في السعر العالمي، إلا أنه من الممكن أنّ يضع السعوديين وزملاءهم في مواجهة الولايات المتحدة وأوروبا المتعطشة للطاقة، إلى جانب الروس، وهو ادعاء ينفيه السعوديون الآن.
ويتصاعد الغضب منذ ذلك الحين، إذ يهدد الديمقراطيون بفرض عقوبات على “أوبك”، وتعليق التعاون الدفاعي والأمني مع الرياض، وتجميد عمليات نقل الأسلحة، وسحب القوات الأميركية، وإطلاق إعادة تقييم شاملة للعلاقة الأميركية- السعودية التي وعد بها بايدن لكنه لم ينفذها أبداً.
ووفقاً لموقع “ذا إنترسبت” الأميركي، فإنه في وقت أكدت السعودية أن الدافع وراء هذه الخطوة كان المصالح الاقتصادية فقط، إلا أن البيت الأبيض مع عدد من كبار الديمقراطيين اعتبروا أن السعوديين يسعون لاصطفاف حاد مع روسيا، كون قرارهم “سيزيد من الإيرادات الروسية ويضعف فعالية العقوبات” ضدها.
في المقابل، أعلنت السعودية أنّها ستقدم مساعدات إنسانية إلى أوكرانيا بقيمة 400 مليون دولار، تزامن ذلك مع التلويح الأميركي بفرض عقوبات على الرياض بعد قرارها خفض إنتاج النفط، فيما قالت الأخيرة إنّ قرارها “اقتصادي بحت”، رافضة تصريحات واشنطن التي تتهمها بالانحياز إلى جانب روسيا.
Discussion about this post