صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية تنشر مقالاً للواء الاحتياط إسحاق بريك يتحدث فيه عن تقلّص إمكانيات “الجيش” الإسرائيلي، ويحذّر من نتائج أي حرب قادمة.
فيما يلي نصّ المقال منقولاً إلى العربية:
في السنوات الأخيرة خصخص الجيش الإسرائيلي تقريباً كل أجهزته الجوهرية اللوجستية وتشكيلات الصيانة ونقلها إلى شركاتٍ مدنية. النتيجة هي تعلّق مطلق للجيش – في حالة الهدوء وفي حالة الحرب – بتلك الشركات. الحديث عن 1100 مصنعٍ مدني حيوي يقدّمون خدماتٍ لوجستية للقوات المقاتلة، وخدمات صيانة لوسائل قتالية في الهدوء وفي الطوارئ، مثل ناقلات مدنية للآليات المصفحة والدبابات وناقلات الجند، وشاحنات مدنية لنقل الإمدادات (وقود، ذخائر، مياه، طعام)، وقطع غيار وأعتدة عسكرية وغير ذلك. وبداهةً، خدمات تصليح لوسائل قتالية.
في التقرير الذي صدر مؤخراً في وزارة الأمن، وُجد أن 60% من المصانع الـ 1100 الحيوية، التي تقدّم الخدمات للجيش، ليست مؤهلة لتزويده بها خلال حرب. هذا يعني أنّه لن يكون للجيش دعم لوجستي وصيانة في الحرب المتعددة الساحات القادمة، وبعد مدة زمنية قصيرة جداً لن يكون قادراً على مواصلة القتال – سواء في البر أو الجو أو البحر.
انهيار الدعم التكنولوجي واللوجستي للجيش الإسرائيلي في حربٍ كهذه سيتجلى في نقصٍ في قطع الغيار وإمدادات الذخيرة والوقود والطعام والمياه والأعتدة الطبية وتوفيرها. لن يكون بالإمكان نقل شحناتٍ ثقيلة بسبب النقص الصارخ في السائقين في الشركات المدنية، فيما السائقون الموجودون هم في الأساس عرب احتمال التحاقهم بالحرب هو صفر.
الأسباب الأساسية لهذا الوضع الخطير جداً هي الآتية: هروب القيادة العليا من تحمّل المسؤولية؛ الجيش الإسرائيلي لم يهتم بتزويد المصانع الحيوية بمخزونات طوارئ (رغم أن هذا ضمن مسؤوليته)، وبسبب ذلك لن تكون لهذه المصانع في الحرب القادمة الموارد المطلوبة من أجل دعم وحدات الجيش ومعالجة شؤونها، كما أنّ الجيش الإسرائيلي لم يرتّب – في 70% من المصانع الحيوية – مسألة الثبات الاقتصادي الذي في إطاره يجب على كل شخصٍ يعمل في مصنعٍ حيوي أن يعرف ما إذا يبقى في المصنع في حالة الطوارئ أم يلتحق بخدمة الاحتياط. هذا الوضع سيؤدي إلى هرجٍ ومرج في حالة طوارئ، لأنّ الكثير من العمال في المصانع الحيوية سيُجنّدون لخدمة الاحتياط.
مؤخراً، بالفعل قبل يوم الغفران، نظّمت وزارة الأمن – بمبادرة من شعبة العمليات اللوجستية والمنشآت – اجتماعًا كبيرًا لمدراء المصانع الحيوية موضوعه استعداد لجنة مدراء المصانع الحيوية في وزارة الأمن لحالة طوارئ. في المؤتمر – الذي هدف إلى تحسين الجهوزية العملانية لحالة طوارئ – شارك حوالى 350 من مدراء صناعات أمنية ومصانع حيوية، وكذلك مسؤولين في المؤسسة الأمنية والعسكرية. المشاركون سمعوا استعراضاتٍ مهنية من رئيس الشعبة الأمنية – السياسية، من رئيس [جهاز] “ملماب” (المسؤول عن أمن المؤسسة الأمنية والعسكرية)، من المستشار القضائي للمؤسسة الأمنية والعسكرية وغيرهم. كما عُرضت في المؤتمر تحليلات أحداثٍ عملياتية، مثل [عملية] “بزوغ الفجر”، وحُددت أهداف لعام 2023.
وتحدّث في المؤتمر رئيس لواء التخطيط (شعبة التخطيط وبناء القوة المتعددة الأذرع) برتبة عميد. وروى أن الجيش ورجاله “يقفون ومتعلّقون بصورة مهمة بعالم الثبات الاقتصادي والمصانع الحيوية”، وذكر أيضًا مسؤوليته في موضوع خطة عمل الجيش الإسرائيلي بما في ذلك موضوع الطوارئ. وحسب قوله: “أنا أُعطي نفسي علامة فاشلة. نحن لا ننتج المنصة التي تمكّن المصانع الحيوية من العمل في الطوارئ”. ثم أضاف ان “الجيش الإسرائيلي دخل في عملية الخصخصة في أعقاب الحاجة إلى إنجاع الميزانية وهذا أدّى إلى غير قليلٍ من اختلال ما نريده في الطوارئ، إلى حد إلحاق ضرر بالقدرة العملياتية. أنا أتحدث عن توفّر [الإمدادات]، التخزين، النقل، والتغذية وغيرها”.
كما تحدث عن عملٍ تخطيطي يجري في هذه الأيام بالتعاون مع وزارة الأمن من أجل تأطير الأمور كما يجب. وقال إنه يعتقد أن هذا العمل سيستغرق ما لا يقل عن سنة، وكذلك أشار إلى انه “كانت هناك هيئات في الجيش الإسرائيلي عملت في الموضوع لكنها تبخّرت”.
بيد أن أمل لأن تُصحح هذه الأمور يتبدد في ظل حقيقة انه غاب عن المؤتمر الضباط الأرفع مستوى، الذين يعملون في مجالات اللوجستية والصيانة في الروتين وفي الحرب – بدءًا من رئيس الأركان ونائبه، وصولًا إلى الألوية والعمداء. عدم الاهتمام الذي أبدوه يعبّر، عمليًا، عن نفض مستوى الضباط الكبار اليد من المسؤولية عن انهيار جهاز اللوجستية والصيانة في حالة طوارئ.
تؤلمني كثيراً حقيقة أنّ مسؤولي الجيش الإسرائيلي يُبدون عدم مبالاةٍ كهذا. كنتُ أتوقع أن يحضر رئيس الأركان للتكلم في المؤتمر، أو على الأقل نائبه، حيث أن الموضوع هو أحد وظائفه المهمة، لكن صوتهما لم يُسمع وهما لا يشاركان في أيام الهدوء في تأهيل جهاز اللوجستية والصيانة المنهار. هكذا يتصرف أيضًا القادة الكبار الخاضعين لهما، الذين يرون تجاهلهما.
المشكلة الأكبر هي العقود والاتفاقات غير المواءمة مع الطوارئ، لا من ناحية مخزونات قطع الغيار ولا من ناحية المواد الخام. كان يجب على الجيش الإسرائيلي أن يشتري مخزون طوارئ للمصانع الحيوية لأن هذه هي وظيفته، لكنه لم يفعل هذا، على أمل أن تنتج المصانع الحيوية لأجله كل ما يحتاجه في خضم الحرب، من دون تحديد هذا سلفًا في الاتفاقات.
هذا تسيّب لا نظير له. حتى لو أنتجت المصانع الحيوية على حسابها المخزونات المطلوبة لحرب، الأكبر بعشرات الأضعاف من الاحتياجات في حالة هدوء، فإنها لن تفي بالوتيرة المطلوبة. كل هذه المخزونات يجب ان تكون مُعدّة مسبقًا بتمويل ومسؤولية الجيش، لكن الجيش اختار الهروب من مسؤوليته، كيلا ينفق مالاً، وبذلك أهمل كلياً موضوع إمدادات الأعتدة واللوجستية والصيانة من المصانع الحيوية في الحرب المتعددة الساحات القادمة.
حسب فهمي، نائب رئيس الأركان هيرتسي هاليفي (وقريباً رئيس الأركان) فرض على رئيس لواء التخطيط في شعبة التخطيط وبناء القوة العمل التخطيطي في موضوع المصانع الحيوية وقدرتها على توفير خدماتها للجيش الإسرائيلي في حرب، لكن العمل التخطيطي الموضوع على طاولة رئيس لواء التخطيط لم يتقدّم تقريباً بصورة شبه كاملة منذ مدة طويلة، بسبب غياب التعاون من أذرع الجيش الإسرائيلي. المؤتمر المذكور هدف إلى حث معالجة الموضوع، لكن في ظل طريقة تعامل المستوى الأعلى، الذي اختار عدم الحضور، يبدو أنّ هذا المؤتمر أيضاً لن يتقدم قيد أنملة.
Discussion about this post