قالت صحيفة “غلوبال تايمز” الصينية الصادرة باللغة الإنجليزية إنه مع أصدقاء مثل الولايات المتحدة، من يحتاج إلى أعداء؟ فلتحقيق أهدافها الجيوسياسية، لا تخجل الولايات المتحدة أبداً من التضحية بحلفائها.
فقد زعم تقرير لموقع بلومبرغ الأميركي يوم الاثنين نقلاً عن مصادر أن واشنطن اقترحت على الاتحاد الأوروبي أن “يستفيد من دروس نظام الرقابة على الصادرات الذي يستخدمه لمعاقبة روسيا لاستهداف الصين”.
وقال أشخاص مطلعون على الأمر لموقع بلومبرغ إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تستكشف استخدام بعض من نفس آلية تبادل المعلومات وتنسيق التنفيذ لتعزيز ضوابط التصدير على الصين.
ورأت الصحيفة أنه نتيجة التعاون لتقييد الصادرات إلى موسكو، من الواضح أن واشنطن استفادت كثيراً منذ بدء الصراع الروسي الأوكراني. ويبدو أن هذا قد شجّع الولايات المتحدة على إقناع أوروبا باتباع نفس النهج ضد الصين. لكن هذه المرة، من الواضح أنها تلعب اللعبة الخطأ.
وقالت الافتتاحية إن الصين ليست روسيا، فالاعتماد الكبير المتبادل بين الصين وأوروبا أكبر بكثير من الاختلافات بينهما. ونقل بلومبرغ عن مراقبين صينيين قولهم إنه بالنظر إلى حجم الاقتصاد الصيني، وقدرته على مقاومة القمع ومرونة العلاقات الاقتصادية بين الصين والاتحاد الأوروبي، فإنه من الصعب على الولايات المتحدة دفع الاتحاد الأوروبي لاستخدام الأدوات الاقتصادية بشكل غير عقلاني ضد الصين. من الواضح أن الاتحاد الأوروبي يفهم هذا بشكل أفضل من الولايات المتحدة. ولهذا السبب لم تُظهر أوروبا أي اهتمام بتطبيق ضوابط التصدير على روسيا إلى الصين، بحسب بلومبرغ.
سالوني شارما، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، دحضت التقرير قائلة إن الولايات المتحدة لا تفكر في تمديد الضوابط على الصادرات الروسية إلى الصين، كما أنها لم تثر مسألة القيام بذلك مع الأوروبيين.
وأضافت “غلوبال تايمز”: ومع ذلك، مع النظر في تاريخ أميركا الحافل بإساءة استخدام ضوابط التصدير، فإن اقتراح استخدام نفس التكتيك للتعامل مع منافس يعد سمة أميركية إلى حد كبير. تطبق واشنطن وسائل ضوابط التصدير بإسم حماية مصالحها الاقتصادية، ولكن في كثير من الأحيان، ومن باب الاعتبار الاستراتيجي. لطالما استخدمت التبادل الاقتصادي كسلاح في اللعبة الجيوسياسية.
وأشارت الصحيفة الصينية إلى أن الاتحاد الأوروبي واعٍ بهذا الواقع. إنه ينعكس على عواقب اتباع استراتيجية الولايات المتحدة بشكل أعمى. على سبيل المثال، تواجه أوروبا مصاعب اقتصادية غير مسبوقة، ويرجع ذلك جزئياً إلى الانضمام إلى مساعي واشنطن لفرض العقوبات. وبلغ معدل التضخم في أوروبا 10.7 في المئة في تشرين الأول / أكتوبر الماضي، وهي أعلى قراءة شهرية منذ تشكيل منطقة اليورو.
وأوضحت الافتتاحية أنه في ظل هذه الظروف، فإن التعاون الاقتصادي البراغماتي مع البلدان والمناطق الأخرى هو الحل الحاسم لأوروبا لتخفيف الضغوط الاقتصادية، بدلاً من المواجهة الشديدة الشاملة. كما أن مثل هذه المواجهة لن تفيد إلا الولايات المتحدة، بينما يخدم الآخرون مصالح الولايات المتحدة مقابل لا شيء. نتيجة لذلك، لن تسلك أوروبا بسهولة المسار الذي تريده الولايات المتحدة.
واعتبرت “غلوبال تايمز” أن الاقتراح السخيف لفرض قيود على الصادرات من الصين إلى أوروبا يفضح تماماً طبيعة الولايات المتحدة الأنانية والتفكير بالمحصلة الصفرية. فمن جهة، تريد الولايات المتحدة أن تضع حاجتها للدخول في منافسة استراتيجية مع الصين فوق مصالح حلفائها الأوروبيين. وبهذه الطريقة، فإن واشنطن تستغل قوة أوروبا لقمع بكين، وإخضاع أوروبا لاحتياجاتها الاستراتيجية. ومن جهة أخرى، من الناحية الاقتصادية، تقوم الولايات المتحدة بسحب أوروبا بعيداً عن السوق الصينية لإفساح المجال لمنتجاتها. وقد تجلى هذا بالفعل في قطاع الطاقة منذ بداية الحرب المستمرة بين موسكو وكييف: فالولايات المتحدة تتخذ تدريجياً مكانة روسيا المهيمنة في السوق الأوروبية، وتبيع منتجاتها للطاقة بأسعار مرتفعة إلى أوروبا، صديقتها المزعومة.
وخلصت الافتتاحية إلى القول إن الولايات المتحدة لن تتخلى بسهولة عن الضغط على أوروبا لزيادة جهود احتواء الصين، وهي ستستمر في خلق المزيد من الأزمات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وخاصة حول الصين، ونشر الشعور بالقلق في أوروبا من “التهديد الصيني” لها. كما أنها لن تدخر جهداً في جر أوروبا إلى مواجهتها مع الصين، على الرغم من أنها تدرك جيداً الثمن المؤلم الذي سيتعين على أوروبا دفعه. بعبارة أخرى، لا تزال واشنطن تبذل قصارى جهدها لجعل أوروبا ضحية لأنانيتها.
Discussion about this post