ربما لم يكن واضحًا لماذا تحدّث الأمين العام لحزب الله عن “الحرب الكبرى” في تلك الفترة الزمنية قبل حصول أي تصعيد معلن يذكر، عدا الوضع المتفاقم الذي أصبح دائمًا في الضفة. إلا أنّ حربًا استخبارية كانت قائمة في الخفاء بين محور المقاومة والكيان المؤقت، وليس فقط بين إيران والكيان، أو حزب الله والكيان. ثمة صورة شاملة تبدو أكثر تعقيدًا، وقواعد لعب واشتباك جديدة يثبّتها محور المقاومة في هذه اللحظة التاريخية المفصلية بالنسبة للكيان المأزوم من جهة، ولمحور المقاومة المتعاظم من جهة أخرى. وأخطر ما في هذه المرحلة المستجدة، أنها أسرع إلى الانزلاق إلى تصعيد إقليمي متعدد الساحات، وهو تمامًا ما عبّر عنه الأمين العام بـ “الحرب الكبرى”. وهكذا يصبح على “إسرائيل” أن تفكّر أكثر من مرتين قبل أن تعتدي على أي ساحة من الساحات، لأنها لن تعرف من أين سيأتي الردّ.
توحيد الساحات في شهر رمضان
كانت جميع الأطراف تتوقع أن يلتهب المشهد في الأقصى خلال شهر رمضان الذي يتزامن للسنة الثالثة على التوالي مع عيد الفصح اليهودي. يحاول الاحتلال أن يكرّس قسمة زمانية ومكانية بين المستوطنين والفلسطينيين من خلال الاعتداء على الفلسطينيين والمرابطين في الفترات الدينية لليهود. وهو الأمر الذي لم يقبله الفلسطينيون يومًا، ويستمر أهل القدس وفلسطينيو الداخل بالمرابطة داخل الحرم منذ أول اقتحام يهودي لباحات المسجد.
ومع توالي الأحداث وتصاعدها بسبب الزخم الروحي الحاصل بسبب المناسبتين الدينيتين، والذي من شأنه أن يجعل الفلسطينيين أكثر مقاومةً، واليهود أكثر عنادًا، ينطلق 17 صاروخًا من الجبهة الشمالية من جنوب لبنان باتجاه مستوطنات الشمال وقذائف صاروخية من غزة، في رسالة واضحة تربط بين الساحات، يحصل ذلك في الوقت الذي تعاني فيه حكومة الاحتلال من الحصول على إجماع داخلي سياسي للدخول في تصعيد متعدد الساحات، بغض النظر إذا كانت مستعدة لذلك عسكريًا أم لا.
هذا المشهد يأخذنا بالذاكرة إلى شهر رمضان الماضي، إذ كان الاستفزاز الديني للفلسطينيين داخل الأقصى في أعلى درجاته، وذلك بعد سنة تمامًا على المعادلة الإقليمية “القدس مقابل حرب إقليمية” في 2021، التي أعلن عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بعد انتصار المقاومة الفلسطينية في سيف القدس، إلا أن لحظتها المناسبة والمناخ الاستراتيجي المؤاتي لتفعيل المعادلة قد جاء في هذا العام 2023، من خلال العمل المنسق والمشترك بين أطراف المحور.
الأحداث الأمنية والعسكرية التي وصلت الساحات
كل اللاعبين الاقليميين اليوم يتحركون في معركة لم تبلغ ذروتها بعد. تحاول التحليلات الاسرائيلية ضمن مغالطة التفكير بالتمني أن تقول إن حزب الله مقيّد بشبكة سياسية داخلية تجبره على التمسك بموقف المتعاطف المتحمّس دون أن يبادر إلى فتح الجبهة، ويتجنبون الزج به في المعركة، على الرغم من من إقرارهم أن إطلاق الصواريخ من الجنوب لا يمكن أن تحصل إلا بتنسيق ومصادقة من الحزب. إلا أنه ثمة مشهد بانورامي آخر بدأت الصحافة العبرية تستوعبه وتتحدث عنه: تهديدات السيد نصرالله، والاختراق الأمني الاستخباري في العمق الاسرائيلي ضمن حادثة مجدو، والهجمات على القواعد الأمريكية في سوريا، واللقاءات مع قيادات حماس وغرفة العمليات اللبنانية الفلسطينية المشتركة، التحركات الشعبية والعمليات الفردية والاحتجاجات العفوية والمنظمة، والمسيرات فوق الجولان المحتل التي وصلت إلى عمق الأراضي المحتلة فوق طبريا، والتدخل الصاروخي من غزة، صلية الصوايخ من لبنان نحو الجليل، وتعطيل الـ GPSفي عدة مناطق ضمن عمليات هجوم سايبرانية، وليس أخيرًا، إعلان الرئيس السوري بشار الأسد “سياسة الردع من الجبهة الجنوبية تجاه أي عدوان على سوريا والمسجد الأقصى، وإطلاق الصواريخ باتجاه الداخل المحتل. كل ذلك بالاضافة إلى استمرار الانتفاضة حيث ينفذ الفلسطينيون عمليات فعالة تؤلم الكيان وتقتل المستوطنين.
اتجاهات المواجهة بين المحور والكيان المؤقت
الواقع أن استمرار التلاعب اليهودي بالقسمة الزمانية المكانية في المسجد الأقصى، بالاضافة إلى حاجة نتنياهو إلى التصعيد لتحسين موقعه ودوره وتصدير أزمته الداخلية، وقواعد اللعب أو الاشتباك الجديدة لدى المحور والتي لحمت الجبهات ووسعت مساحة الحرم المقدسي إلى ما هو أبعد من حدود فلسطين، وأبعد من العمليات العسكرية. كل ذلك يزيد من احتمالات الوصول إلى أيام قتالية، خاصة أن نتنياهو قد استدعى زعيم المعارضة الاسرائيلية يائير لابيد لجلسة تقييم للأوضاع الأمنية، نتيجة عجز الاحتلال عن ردع محور المقاومة، ونتيجة تلاحم جبهات المحور كما لم تتلاحم سابقًا. فهل ستسمح الولايات المتحدة لنتنياهو بالانزلاق إلى الحرب الكبرى؟ لا يتم ترجيح ذلك.
المصدر: الخنادق
Discussion about this post