تحدث تقرير في موقع “أنهيرد” البريطاني، بعنوان “النيجر وانهيار إمبراطورية فرنسا”، عن أنّ التدخل الغربي في البلد الأفريقي “قد يأتي بنتائج عكسية سريعة”.
ويشير التقرير إلى أنه “حصلت عدّة تمردات مناهضة للغرب في الساحل في إفريقيا، في مالي ثم بوركينا فاسو، والآن أتى دور النيجر، وهي الدولة الثالثة التي حصل فيها انقلاب في غضون ثلاث سنوات فقط”.
وأوضح أنه “في كلّ من هذه الانقلابات، ذكر الضباط العسكريون المعنيون نفس الأسباب للسيطرة على السلطة، وهي تزايد المخاوف بشأن تصاعد الإرهاب، والتخلف الاجتماعي والاقتصادي المزمن”.
فمن وجهة نظر القادة الجدد لهذه البلدان وأنصارهم، فرنسا مسؤولة عن معاناة بلادهم، لأنها جزء من المستعمرات السابقة، وهم جزء مما كان يُعرف باسم “أفريقيا الفرنسية – فرانك أفريك”.
و”حصل كل ذلك فيما واصلت فرنسا ممارسة نفوذ كبير على مواقعها الاستيطانية السابقة، واستبدلت الحكم الاستعماري الصريح بأشكال أكثر دقة من السيطرة الاستعمارية الجديدة، أولاً وقبل كل شيء بالعملة”، يتابع التقرير.
الفرنك الأفريقي والاستعمار الاقتصادي الفرنسي
إذ “تمكنت فرنسا من فرض تبعية نقدية على البلدان من خلال استخدام نظام فرنك CFA، لضمان السيطرة الاقتصادية لفرنسا عليها، وهي الاستراتيجية نفسها التي اتبعتها الدول الأوروبية الأخرى في القارة”.
لكنّ التقرير لفت إلى أنّ “ما يميّز فرنسا عن القوى الإمبراطورية الأخرى هو حقيقة أن إمبراطوريتها النقدية نجت من حركات إنهاء الاستعمار، واستمرّ تداول هذه العملة الفرنسية – الأفريقية”.
وفي العقود التي تلت ذلك، حاولت دول مختلفة التخلي عن نظام CFA، لكن قلّة قليلة منها نجحت، وقد بذلت فرنسا كل ما في وسعها لثني البلدان عن مغادرة الاتحاد المالي الأفريقي.
ويوضح التقرير البريطاني أنّ “عمليات التخويف وحملات زعزعة الاستقرار وحتى الاغتيالات والانقلابات كانت بمثابة علامة على هذه الفترة، مما يشهد على علاقات القوة الدائمة وغير المتكافئة التي قامت عليها العلاقة بين فرنسا وشركائها في أفريقيا، ولا تزال قائمة حتى اليوم”.
ونتيجة لذلك، يستمرّ استخدام فرنك الجماعة المالية الأفريقية من قبل 14 دولة، معظمها مستعمرات فرنسية سابقة، في جميع أنحاء وسط وغرب إفريقيا، بما في ذلك مالي وبوركينا فاسو والنيجر، يشكلون معاً ما يسمى بـ «منطقة الفرنك»، حيث لا تزال فرنسا تلعب دوراً مركزياً.
’’وبالنسبة لكلّ من فرنسا والولايات المتحدة، فإنّ الهدف المزعوم هو محاربة الإرهاب، غير أن الحقيقة هي أنه على الرغم من هذا الوجود العسكري الأجنبي الهائل، فإن الأمن في النيجر وبلدان أخرى قد تدهور على مر السنين، كما تدهورت آفاقها الاقتصادية.‘‘
ووفقاً للاقتصادي السنغالي دونغو سامبا سيلا، والصحفية الفرنسية فاني بيجو، في كتابهما “آخر عملة استعمارية لأفريقيا”، يسمح فرنك الاتحاد المالي الأفريقي لفرنسا بإدارة علاقاتها الاقتصادية والنقدية والمالية والسياسية مع بعض مستعمراتها السابقة، وفقاً لمنطق يعمل لمصالحها.
كذلك، فإنّ فرنك الاتحاد المالي الأفريقي يمثل “شكلاً من أشكال الإمبريالية النقدية”، التي تعيق تنمية الاقتصادات الأفريقية وتبقيها خاضعة لفرنسا، بحسب الكتاب.
النيجر قاعدة عسكرية وأمنية غربية
ولا تقتصر سيطرة فرنسا على منطقة الفرنك على الأدوات الاقتصادية، فالنيجر هي أيضاً القاعدة العسكرية الرئيسية في الساحل الفرنسي، وتستضيف نحو 1500 جندي فرنسي، ولزيادة تعقيد الأمور، تعدّ البلاد أيضاً موطناً لنحو 1000 جندي أميركي، وهي واحدة من أكبر وحدات القوات الأميركية في القارة الأفريقية، وتعمل تحت مظلة قيادة الولايات المتحدة الأفريقية (أفريكوم).
وبالنسبة لكلّ من فرنسا والولايات المتحدة، فإنّ الهدف المزعوم هو محاربة الإرهاب، غير أن الحقيقة هي أنه على الرغم من هذا الوجود العسكري الأجنبي الهائل، فإن الأمن في النيجر وبلدان أخرى قد تدهور على مر السنين، كما تدهورت آفاقها الاقتصادية.
ووفقاً لـسيلا وبيجو، فالانقلابات لا تقلّ عن “حركة تحرير وطنية ثانية، تهدف إلى استكمال عملية إنهاء الاستعمار التي بدأت في الخمسينيات والستينيات في أفريقيا الفرنكوفونية”.
وبينما كانت المرحلة الأولى من هذه العملية تتعلق بالحصول على الاستقلال السياسي عن الغرب، فإن المرحلة الأخيرة تتعلق بالحصول على السيادة الاقتصادية والاستقلال، يضيف التقرير.
ففي العديد من هذه البلدان، يُنظر إلى الجيوش على أنها قادة يدعمون سيادة دولهم واستقلالها، على عكس الحكومات المنتخبة، والتي تميل إلى أن تكون دمىً في يد الغرب، ولم تفعل شيئاً لتحدّي النظام الاستعماري الجديد في جميع أنحاء العالم.
’’في العديد من هذه البلدان، يُنظر إلى الجيوش على أنها قادة يدعمون سيادة دولهم واستقلالها، على عكس الحكومات المنتخبة، والتي تميل إلى أن تكون دمىً في يد الغرب‘‘
ماذا يعني هذا بالنسبة للنيجر؟
في الوقت الحالي، يبدو أن البلاد تتحرك في نفس اتجاه مالي وبوركينا فاسو، بينما توقفت الحكومة الجديدة (في الوقت الحالي) عن إخبار القوات الأجنبية بمغادرة البلاد، ولكنها ألغت مجموعة من اتفاقيات التعاون العسكري مع فرنسا، وأغلقت المجال الجوي للبلاد، مما أدّى فعلياً إلى وقف عمليات الطائرات بدون طيار الأميركية.
كذلك، عملت منظمة “إيكواس” الموجهة من قبل الغرب، على فرض عقوبات على النيجر، وعلّقت جميع المعاملات التجارية والمالية، ما سمح لفرنسا بتسليح فرنك CFA ضدّ أيّ حكومة تطرح مشكلة لها داخل منطقة الفرنك.
الغاز النيجيري
لكنّ هذه أكثر من مجرد قصة عن تراجع الهيمنة الفرنسية والوجود العسكري الأميركي في المنطقة، إذ يهدد الانقلاب النيجري أيضاً مشروعاً بقيمة 13 مليار دولار لبناء خط أنابيب غاز يربط حقول الغاز في نيجيريا بأوروبا، والذي سيمرّ مباشرة عبر النيجر.
وفي أعقاب قرار الاتحاد الأوروبي بفصل نفسه عن الغاز الروسي العام الماضي، يمكن القول إنّ هذا المشروع أكثر إلحاحاً من أيّ وقت مضى بالنسبة لأوروبا، بحسب الموقع.
ويقدّر التقرير أنّ “كلّ ذلك يغذي المخاوف من أننا على وشك معاينة صراع جديد في أفريقيا، حيث تتنافس روسيا والصين والغرب على النفوذ على هذه القارة الشابة الغنية بالموارد، والتي يُتوقع أن تكون الحدود التالية للنمو”.
ولكنّه يلفت إلى أنّه “مع ذلك، إذا ساد هذا المنطق، فسيكون ذلك كارثة على أفريقيا”.
ويستنتج التقرير بأنه “على الرغم من صعوبة الأمر، يجب على الدول الغربية – وفرنسا على وجه الخصوص – قبول أن هذا الاتجاه المعادي للغرب له علاقة أقل بكثير بالنفوذ الأجنبي الأخير، منه بالمظالم التاريخية ضد الممارسات الاستعمارية الجديدة طويلة الأمد”.
ويقدّر التقرير ختاماً بأنّ “أيّ محاولة لمواجهة هذا التوجه بنفس الوصفة القديمة – أي الابتزاز المالي والقوة العسكرية – لن يؤدي إلّا إلى تقوية عزيمة المتمردين”.
Discussion about this post