على الرغم من وصفها بالـ “المهمة شبه المستحيلة”، وكجزء من محاولة مستمرة لتسجيل نجاح للدور الفرنسي في الملف الرئاسي في لبنان، أنهى المبعوث الفرنسي إلى لبنان جان إيف لودريان زيارته الى بيروت وهي المرة الثالثة له خلال أشهر، ضمن مساعي لكسر الجمود الرئاسي في “البلد المنفصل الذي لن تتخلى عنه فرنسا”، والذي تَصادَف فيه أن كلمة “حوار” هي كلمة استفزازية، فاقتصرت مهمة لودريان على إقناع “بعض” اللبنانيين باستبدال كلمة “الحوار” بـ “الاجتماع التشاوري”.
كل العناوين السياسية التي تثقل على اللحظة كانت موضع المشاورات والتداولات التي أجراها لودريان مع رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النيابية محمد رعد، وكذلك مع مرشح الثنائي سليمان فرنجية، ومن الطرف المقابل، أجرى الموفد الفرنسي لقاءات مع النائب السابق وليد جنبلاط ونجله رئيس كتلة “اللقاء الديموقراطي تيمور. إلا أنّ العمل الحثيث احتاجه لودريان مع نواب القوى والأحزاب التي تعادي حزب الله، والذين كان قد طالبهم بإرسال إجابات خطية حول مواصفات الرئيس وبرنامج العهد الجديد، فكان ردهم شديد اللهجة بأن رفضوا الردّ عليه كتابة، بعدما رفضوا مبادرة الرئيس بري “حوار الأيام السبعة”، التي حازت بدورها على تأييد الموفد الفرنسي.
موقف لودريان من القوى المعارضة للحوار جعلت بعض الصحف والمواقع المحلية تحلّل بأن ثمة توافق سعودي فرنسي على الرئيس سليمان فرنجية، خاصةً أن الدول التي تسمى حديثًا بـ “الخماسية” أكثرهم كانوا متبنين لخيار الرئيس سليمان فرنجية عندما كان الرئيس ميشال عون هو مرشح حزب الله. كما أنّ لقاء النائب محمد رعد بقائد الجيش المطروح اسمه في الأروقة السياسية للرئاسة، (مرشح الأميركيين غير المعلن) جعلهم يتوقّعون أن حزب الله يمكن أن يتنازل عن ترشيح فرنجية، إلا أن مصادر مطّلعة تؤكّد أن زيارة رعد جاءت في إطار تأكيد حزب الله على ترشيحه لسليمان فرنجية، وأنّ وجود مرشّح آخر لدى الحزب، لا يُفسد في الودّ قضية بينه وبين قائد الجيش.
أما عن مسألة “التوافق السعودي الفرنسي” فالحقّ أنه موجود، وتمّ التأكيد عليه في اختتام لودريان نشاطه في هذه الجولة في منزل السفير السعودي وليد البخاري، الذي لا يفصح عن توجهه تجاه الأطراف السياسية بعد. لكنه – السعودي- متفق مع الفرنسي على استبعاد مرشحي جلسة 14 حزيران، إذ أعلن لودريان من قصر الصنوبر أن لا جهاد أزعور ولا سليمان فرنجية، سيصلان إلى رئاسة الجمهورية، في محاولة لجعل حالة سليمان فرنجية، متوازية مع حالة أزعور، وبالتالي اعتبار الإطاحة بخيار فرنجية بنفس السهولة التي يمكن من خلالها الإطاحة بأزعور، علمًا أن اسم أزعور اختفى منذ محاولة الانتخاب الأخيرة والتي لم تؤدِّ إلى نتيجة.
الجولة التي لم تحمل أي طرح جديد يقال إنها تأتي بالتنسيق مع الدول الخماسية، إلا أنّ الواقع أن كل هذه الدول التي تصبّ في محور واحد، لم تبادر إلى محادثات مع حزب الله، وهو الأمر الذي يعني أن لودريان ما زال في المربع الأول في المحادثات مع اللبنانيين، وأنه ذاهب بـ “خفّي حنين” إلى اللجنة الخماسية، التي من المفترض أن يضع الموفد الفرنسي أعضاءها بأجواء زيارته، ويجري معهم مباحثات، للعودة بقرار دولي حاسم تجاه الملف اللبناني في الزيارة الرابعة.
الواقع أنه لا حلًّا ولا تسوية في لبنان قبل التفاوض المباشر مع حزب الله من قبل الأطراف اللبنانية، والأمر بحاجة إلى الضوء الأخضر من الأمريكي المشغول في مستنقعاته في أوكرانيا وتايوان وإفريقيا، بالإضافة إلى ازمة الكيان المؤقت الأمنية والاقتصادية، وأضف عليها تحركاته الجديدة في شرق الفرات، وهو الأمر الذي يجعل أزمة الرئاسة اللبنانية، آخر أولويات ملفات الولايات المتحدة في المنطقة بحسب المراقبين، ويجعل أي مبادرة مجرّد تقطيعًا للوقت، بسبب وضع العصي المستمر في دواليب الحلول من قبل أصدقاء الولايات المتحدة في لبنان.
Discussion about this post