نقلت “يديعوت أحرونوت” عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قوله إن إسرائيل “على وشك تحقيق سلام تاريخي مع السعودية. ولا ينبغي أن يكون للفلسطينيين حق النقض على عملية السلام مع الدول العربية”.
جاء ذلك في خطاب نتنياهو، مساء أمس الجمعة، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث تابع: “نحن أمام خيار سيقرر ما إذا كان سيسود سلام تاريخي يجلب الرخاء والأمل أو إذا ما كنا سنعاني من حروب رهيبة ورعب ويأس”، مشيرا إلى أن المنطقة أمام “انفراجة دراماتيكية” تتجسد في السلام مع المملكة العربية السعودية، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى ما أسماه “شرق أوسط جديد حقاً”.
كذلك زعم رئيس وزراء أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ إسرائيل أنه “إذا ما رأى الفلسطينيون أن غالبية العالم العربي يتصالح مع إسرائيل، فسوف يتوقفون عن خيالاتهم بشأن تدمير إسرائيل”.
وكان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قد حذر من تجاوز الفلسطينيين في أي اتفاق سعودي إسرائيلي للتطبيع، مؤكداً أنه لن يكون هناك سلام حقيقي دون إيجاد حل للقضية الفلسطينية. وأعاد الملك التأكيد على أهمية الاستثمار في الفرص المتاحة للمشاريع الإقليمية، بحيث يتم الاستفادة من إمكانيات مختلف الأطراف لتعود بالمنفعة على الجميع وتوفر الأرضية المناسبة للعمل نحو السلام.
من جانبه أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن كل من يظن أن السلام ممكن في المنطقة دون حصول الفلسطينيين على حقوقهم الوطنية المشروعة واهم، مؤكدا أن الاحتلال “لن يدوم مهما كانت الأطماع والأوهام”.
بدوره، اتسم حديث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع قناة “فوكس نيوز” مؤخراً بدبلوماسية رفيعة ومسؤولية عالية، حيث أكد على وجود دعم من إدارة الرئيس جو بايدن من أجل “الوصول إلى هذه النقطة”، إلا أنه عاد وشدد على أن “القضية الفلسطينية في غاية الأهمية”، وقال: “نحن بحاجة إلى حل هذا الجزء، ولدينا مفاوضات جيدة مستمرة حتى الآن، سنرى إلى أين تمضي”.
وأعرب بن سلمان عن أمله أن “يصل الأمر إلى نتيجة تسهل حياة الفلسطينيين، وتجعل من إسرائيل لاعباً في منطقة الشرق الأوسط”.
وحول مسار المفاوضات قال بن سلمان: “نحن نقترب أكثر كل يوم مما يبدو شيئاً حقيقياً وجاداً، وسنرى كيف تسير الأمور”.
ورداً على سؤال ما إذا كان بإمكانه التعامل مع نتنياهو، قال الأمير السعودي: “إننا في سياسة المملكة العربية السعودية لا نتدخل فيمن يقود أي دولة ومن يشغل منصب القيادة نعمل معه. الآن ليس لدينا علاقة مع إسرائيل. ولكن إذا نجحت إدارة بايدن في تحقيق ذلك، فأنا أعقد أنها ستكون أكبر صفقة تاريخية منذ نهاية الحرب الباردة”، وتابع: “حينها سنبدأ علاقة سوف تستمر بغض النظر عمن يدير إسرائيل”.
وعاد بن سلمان ليؤكد على أهمية حصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة قائلاً: “إذا حصلنا على اختراق في التوصل إلى صفقة تعطي الفلسطينيين ما يحتاجونه، وتساعد في تهدئة المنطقة، فنحن سنعمل مع أي من يكن هناك”، وقال أيضاً: “أود أن أرى حياة جيدة للفلسطينيين، وأريد مواصلة المفاوضات مع إدارة بايدن للتأكد من تحقيق ذلك”.
لقد حرص الأمير محمد بن سلمان على ربط مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني، بعملية التقارب التدريجي مع إسرائيل والمفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة، دون أن يدخل في تفاصيل الشأن الفلسطيني، لما يحمله صلب النقاش مع الولايات المتحدة من حساسيات ربما تؤثر على استمرار المباحثات مع واشنطن، وهو ما يعني أن السعودية واضحة في مفاوضاتها خلف الأبواب فيما يتعلق بتمسكها بحقوق الشعب الفلسطيني، وما تعنيه هذه القضية المحورية بالنسبة للعالمين العربي والإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط.
أما ما بدأ الإعلام الإسرائيلي والأمريكي نشره على الفور من ليّ للحقائق وتأويله لخدمة المصالح السياسية الضيقة وللاستهلاك المحلي، فلا أظن أن له علاقة بالواقع من قريب أو من بعيد.. مجرد دعاية انتخابية وصفقات سياسية لامتصاص الاضطرابات الداخلية في الولايات المتحدة وإسرائيل.
إن موقف السعودية الذي أعلنه محمد بن سلمان في هذه المقابلة واضح وضوح الشمس، حيث أسهب قبل الحديث عن المفاوضات بشأن التطبيع عن اتفاق السكك الحديدية والموانئ لمجموعة العشرين، الذي يربط أوروبا بدول الخليج والهند، والذي قد تدخل فيه إسرائيل، حال التوصل إلى اتفاق، فيما أكد ولي العهد على ضرورة وجود خطة لوجستية جيدة، تحفز الصناعات المحلية في الشرق الأوسط، وتسهل نقل البضائع بين البلدان والمناطق، من أجل التأكد من مرور البضائع وتوفرها في الوقت المناسب والمكان المناسب.
وضرب بن سلمان مثالاً على أن المشروع سيقلل من وقت انتقال البضائع ما بين الهند وأوروبا من 3-6 أيام، وهو ما يعني توفيراً في الجهد والوقت والأموال، ويضمن نقلا أكثر أماناً وكفاءة، كما يتضمن المشروع شبكات الطاقة وشبكات وكابلات البيانات وغيرها مما سيعود بالنفع على أوروبا والشرق الأوسط والهند.
إنها بالفعل “رؤية لشرق أوسط جديد”، إلا أن مفتاح تلك الرؤية هو السلام والاستقرار والأمن، وهي مفاهيم لن تتحقق طالما كان السيد نتنياهو لا زال يسمي النضال من أجل تحرير الأرض من الاحتلال الصهيوني المعترف به دولياً “خيالات تدمير إسرائيل”. لهذا أرى أن تلك الرؤية الشاملة التي عرضها محمد بن سلمان، قابلة للتحقق فقط مع مراعاة كافة حقوق الشعب الفلسطيني التي تعترف بها جميع قرارات الشرعية الدولية، وعلى رأسها إعلان دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران يونيو 1967، وعاصمتها القدس.
لا شك أن الحوار السعودي الأمريكي يختلف بالكامل عن مفاوضات كامب ديفيد التي دفعت بنا إلى حيث نقف الآن، إضافة إلى أن الظروف الدولية تغيرت، وأصبحنا نعيش في عالم متوتر ومتقلب تتغير موازينه لا كل يوم بل كل ساعة، كما أن وضع الولايات المتحدة الأمريكية اليوم يختلف عن وضعها سبعينيات القرن الماضي، على أبواب نهاية عالم الأحادية القطبية لصالح التعددية القطبية.
لهذا، فأنا متفائل باقتراب انفراجة دولية كبيرة من خلال سيادة دور الأمم المتحدة واحترام قراراتها، وربما يكون لبن سلمان دور مؤثر في احترام واشنطن وتل أبيب أخيرا لقرارات الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية، لا سيما أن ثمة موقف عربي موحد الآن تعبّر عنه المملكة العربية السعودية في شخص الأمير محمد بن سلمان، وهو ما كان واضحاً في إجابات ولي العهد.
ختاماً، أنوه إلى حقيقة أن الأمير محمد بن سلمان لم ينطق بكلمة “تطبيع” طوال اللقاء، وكل ما ذكره هو “الوصول إلى النقطة”، “الاقتراب من صفقة” دون أن يتحدث فعلياً عن “التطبيع”، وظني أنه يقصد الاقتراب من نجاح المملكة العربية السعودية وإلى جانبها الأمة العربية مجتمعة في تحقيق آمال الشعب الفلسطيني وجميع العرب في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وهو الطريق الوحيد، الذي بعده يمكن النظر في العلاقة مع إسرائيل.
Discussion about this post