الفنون والحرف الشعبية الروسية هي جزء لا يتجزأ من الثقافة الروسية، إنها تجسد التجربة التي امتدت لقرون من الإدراك الجمالي للعالم والتطلع للمستقبل، فمنذ العصور القديمة استخدم الحرفيون السلاف في عملهم ما أعطته لهم الطبيعة سواء من الخشب أو الطين حتى العظام و الحديد والكتان والصوف، كانت كلها لأغراضها شخصية فى البداية، وكانت الحرفة ذات طابع محلي، فقد صنعوا جلودًا لأنفسهم، ونسجوا الكتان، ونحتوا الخشب والفخار،كما صنعواالأسلحة والأدوات المنزلية فى القرى، ومع توحيد الإمارات الروسية فى بداية القرن الخامس عشر، إنتقلت من القرى إلى المدن مما أدى إلى تشكيل مجموعة من الحرفيين الذين يتقنون هذه الحرف الشعبية،وعاش وعمل الموهوبون والحدادين والصائغون والخزافون والنساجون وقاطعوا الأحجار والخياطون وممثلو ا عشرات المهن الأخرى في المدن الروسية والقرى الكبيرة،وتميزت الفنون والحرف الشعبية الروسية بإمكانيات زخرفية غنية ومحتوى أيديولوجي وتصويري عميق وتقنيات وتقاليد معقدة إلى حد ما،وهناك أنواع عديدة من الحرف الشعبية فى مقالنا هذا نستعرض بعضها:
1.خوخلوما (نقش وحفر و تلوين الخشب):
منتجات خوخلوما هي عبارة عن أواني وملاعق وكؤوس وموبيليا خشبية، مطلية بألوان زاهية ذهبية مع الأسود والأحمروالأخضر،وأحيانًا البني والبرتقالي، حيث يستخدم مسحوق القصدير الفضي اللون أو مسحوق الألمينيوم لتعطى اللون الذهبى،نشأت هذه الحرفة نقش وحفر الخشب في القرن السابع عشر في القرى الواقعة على الضفة اليسرى لنهر الفولغا، و كان أشهرها قرية نيجني نوفغورد التي إشتهرت بتجارة هذه الأواني الفنية، وجاءت التسمية من إسم السوق التجارى” خوخلوما “، والذى كان يتوافد عليه التجارمن مناطق مختلفة فى روسيا، لبيع منتجاتهم ولشراء حاجياتهم حيث كانت نيجني نوفغورد هى المكان الوحيد لبيع وشراء الأواني ذات الألوان الزاهية المصنوعة من الخشب فى ذلك الزمن، وتعتبر خوخلوما علامة من علامات الثقافة الروسية التي تعطي شعورا بالدفئ وراحة النفس.
2.دانتيل فولوغدا:
دانتيل فولوغدا هو حرفة روسية نشأت في منطقة فولوغدا في القرن السادس عشر يُنسج الدانتيل على بكرات (أعواد خشبية)،كان دانتيل فولوغدا معروفًا بالفعل في القرنين السابع عشروالثامن عشر، ومع ذلك حتى القرن التاسع عشر، كانت صناعة الدانتيل حرفة منزلية، ومع تزايد شعبية دانتيل فولوغدا، تم بدء إنتاج المنتجات، في القرن التاسع عشر، وبنيت مصانع الدانتيل بالقرب من مدينة فولوغدا، تشكيلة دانتيل فولوغدا متنوعة للغاية، فهي تشمل المناديل المستديرة، مفارش المائدة، ألواح الجدران المزخرفة، ستائر النوافذ.
3.فينيفت مينا روستوف:
،هى حرفة فنية شعبية تقليدية فريدة ظهرت في النصف الثاني من القرن الثامن عشر كحرفة أيقونية فى مدينة روستوف العظيمة رُسمت بها إطارات الأيقونات على ألواح نحاسية، تسمى “فينيفت” وهي عبارة عن الرسم بالألوان على لوحات معدنية مطلية بالمينا،كما كانت جزء من ملابس رجال الدين وأواني الكنيسة، لكن فيما بعد إستخدمت في صنع المجوهرات النسائية، حيث ازدهرت باقات الزهور المورقة،و تكتسب العناصر المزينة بمينا روستوف اللون والسطوع والتفرد، واليوم يمكن تسمية روستوف العظيمة بمركز المينا الحقيقي فى روسيا.
4.منتجات غجيل:
منتجات غجيل هى الأواني المنزلية وأدوات الزينة المرسوم عليها باللون الأزرق الكوبالت،نشأت فى القرن الرابع عشر فى قرية على بعد 60 كيلومترا شمال شرقي موسكو، حيث إندمجت 27 قرية مع بعضها، واشتهرت بالصناعات الخزفية،وكانت إحدى هذه القرى تسمى “غجيل”، من هنا جاءت تسمية التحف الخزفية “غجيل” ،إستخدم الحرفيون المواد الطبيعية من الطين الأبيض أو الكاولين وهى نوع من أنواع الصخور الدقيقة الناعمة بيضاء اللون الغنية بها منطقتهم فى تلك الحرفة، وكان أهالي القرية يذهبون إلى موسكو بشكل مستمر لبيع الصلصال إلى الحرفيين الخزفيين، وبمرور الزمن تعلم أهالي غجيل أسرار هذه الصناعة، وبعد عودتهم الى موطنهم كانوا يعملون في ورش بدائية، وكانت الأواني المنزلية المنتجة يرسم عليها باللون الأزرق الكوبالت، لقد نقل الحرفيون الألوان السماوية إلى الخزف الأبيض، لقد زينوا الأطباق والأباريق برسم أنيق باللون الأخضر والأصفر و الأرجواني بأشكال الزهور والأشجار، وحتى نهاية القرن الثامن عشر كانت غجيل المركز الرئيسي لهذا الفن الخزفي في روسيا،و اشتهر اسم غجيل كنوع من الخزف أكثر من اسم القرية، ينتج من خزف الغجيل أواني مختلفة للمطابخ، وتحف تستخدم في تزيين الطاولات، ويصل عدد أنواع قطع خزف الغجيل التي تنتج حاليا إلى اكثر من 10000 نوع وشكل
5.شال أورينبورغ:
شال له وبر ناعم ورقيق جدا،ويدفئ الجسم وقوى،ينسج من خيوط من الماعز والقطن والحرير بالإضافة إلى أنه يعكس أناقة السيدات، وهذا ما لاحظته الفلاحات الروسيات، فبدأن بجز الوبر كل ربيع، ومن ثم نسجه على شكل شالات، إزدهر في القرن الثامن عشر في مدينة أورينبورغ ومنها إنطلق خارج الإمبراطورية الروسية لأول مرة حيث تم تقديمه في عام 1857 في معرض باريس الدولي وحاز وقتها على إعجاب وتقدير سيدات أوروبا ،ويعدُ أحد رموز أورنبورغ ،ومبعث فخر لأهلها
6.شيموجودسكايا نحت لحاء البتولا:
تعلم الفلاحون فن القص والنقش على لحاء البتولا،في وقت مبكر من القرن الثامن عشر،و تم استخدام لحاء البتولا في صنع الأطباق والسلال والصناديق والمجوهرات والملابس والأحذية، تم تسمية لحاء البتولا المقطوع الذي كان يستخدم لتزيين الصناديق “شيموجودسكي” على إسم نهر شيموجسي الذي يتدفق تحت في مقاطعة فولوغدا- مدينة فيليكي أوستيوغ، وتكمن خصوصية هذه المنتجات في الزخارف الزهرية الطبيعية والأوراق والتوت والزهور،والسيقان المتشابكة مع النمط التقليدي، إزدهرت على نطاق واسع في القرن التاسع عشروكانت تلك الحرفة تجسيداً للشباب والعفة، ولكثرة أشجار البتولا المنتشرة على الأراضى الروسية.
7.دمية ماتريوشكا:
دمية ماتريوشكا هى إسم مشتق من كلمة روسية تنطق “ماتوشكا” و الذي كان يطلق في روسیا في القرن التاسع عشر و يعني”السیدة الجلیلة” ، أو”أم الأسرة”تم صناعتها في مدينة سيرج بوساد في نهاية القرن التاسع عشر في ورشة للعب الخشبية من خشب الزيزافون أوالصندل،وازدهر معها إنتاج ألعاب خشبية والتي أطلقوا عليها اسم “ترويتسكاي”، كان النمو السريع لإنتاج ماتريوشكا في العقود الأولى من القرن العشرين،وأصبحت من أهم رموز روسيا.
تمثل الأعمال الفنية للثقافة الشعبية مصدر حكمة وروح الشعب التي تغذي الوعي الذاتي للمجتمع وهويته الثقافية، ونادرا ما يغادر السائح روسيا دون أن يحمل معه هذه المصنوعات البسيطة المفعمة بالحب والبهجة
Discussion about this post