مع فشل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة للشرق الأوسط في إحداث أي تغيير في مجال الطاقة، لا تزال المحاولات الأوكرانية لحشد تأييد الدول العربية للعقوبات المفروضة على موسكو، لا سيما فيما يتعلق بالحظر الأوروبي على النفط.
ودعا مبعوث أوكرانيا للشرق الأوسط وأفريقيا، مكسيم صبح، خلال اجتماع طارىء على مستوى المندوبين الدائمين للجامعة بطلب من كييف، الدول العربية إلى الانضمام للعقوبات المفروضة على روسيا، وعدم التسهيل لها “التفافها على القيود المفروضة والتملص منها”، وهذا ينطبق بشكل خاص على النفط ومشتقاته، بحسب ما نقلته “رويترز”.
وقال مراقبون إن الدعوات الأوروبية والأوكرانية لانضمام الدول العربية للعقوبات المفروضة على روسيا “أحلام”، مؤكدين أن الاستغناء عن النفط الروسي مستحيل، باعتبارها دولة كبرى في تحالف دول “أوبك +”، والذي يلتزم بالسياسات والأسعار التي تحددها الدول الأعضاء.
تحالف قوي
قال الدكتور مبارك محمد الهاجري، مستشار النفط الكويتي، إن في ظل الحظر الأوروبي المفروض على النفط الروسي، هناك أسواق جديدة فتحت أمام موسكو، مثل أسواق شرق أسيا، والصين والهند.
وأضاف أن هناك تقارير تشير إلى وجود النفط الروسي في موانئ الفجيرة، وهو ما يؤكد أن الحظر المفروض “حبر على ورق”، ولا يوجد أي تنفيذ فعلي له، في ظل زيادة الإيرادات النفطية الروسية من صادرات الطاقة.
وبحسب حديثه، فإن دعوات أوكرانيا وبعض الدول الغربية للعالم العربي بدعم الحظر المفروض على النفط الروسي، غير مجدية، كون موسكو شريكة وعضو مؤسس وقوي في تحالف الدول المصدرة للنفط “أوبك+”.
وأكد أن هناك تحالفا قويا بين روسيا ودول التحالف، حيث جرى في الشهر الماضي اتصالات بين ولي العهد السعودي والرئيس الروسي، ووجود لجنة فنية مشتركة بين البلدين.
وتابع: “دول أوبك بلس تلتزم بما يقرره اجتماعات التحالف الدورية للحفاظ على عملية توازن الأسواق، سواء فيما يتعلق بالعرض أو الطلب، والزيادة الأخيرة التي قررها التحالف والمقدرة بـ100 ألف برميل، زيادة رمزية جاءت بعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للرياض وبسبب ضغوط واشنطن ووكالة الطاقة والدول الأوروبية”.
ويرى الهاجري أن هذه الزيادة ربما تكون الأقل في تاريخ قرارات الزيادة التي أطلقها تحالف “أوبك +”، وهي رمزية، مؤكدا أن روسيا تعد الحليف الأقوى للمنظمة ولا يمكن لأوبك أن تتخلى عنها، لا سيما وأن دخول موسكو هذا التحالف له مميزات وفوائد كبيرة للجميع، وتحديدا في سياق الحفاظ على توازن أسعار النفط.
مصالح متبادلة
بدوره وصف الدكتور رمضان أبو العلا، أستاذ هندسة البترول والخبير المصري في مجال الطاقة، محاولات أوكرانيا لدفع الدول العربية للانضمام للعقوبات المفروضة على روسيا في مجال النفط والغاز بـ “الأحلام”، مؤكدا أن المصالح السياسية للدول تغلب على أي جانب آخر.
وبحسب حديثه، فإن دول تحالف “أوبك +”، لديها مصالح مباشرة مع روسيا ولا يمكن الاستغناء عنها، والدليل “فشل زيارة” رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون للسعودية، حيث طلب زيادة إنتاج النفط من أجل دفع الدول الأوروبية للاستغناء عن الغاز الروسي، وتعويضه من إنتاج الدولي الخليجية.
وأكد أن الدول العربية وفي مقدمتها الخليجية انحازت للجانب الروسي من أجل مصالحها، ورغم المطالب الأوكرانية، الدول الأوروبية الآن بدأت في البحث عن مصالحها، بسبب تفاقم أزمة الطاقة، لا سيما مع قرب حلول فصل الشتاء، مضيفا: “الكل يعلم أنه لا يمكن الاستغناء عن النفط والغاز الروسي بأي شكل من الأشكال”.
وقال إن الطريقة الوحيدة الآن عن طريق السوق الموازية للغاز والنفط الروسي عبر شرق أسيا، ومن ثم إرساله إلى الدول الأوروبية التي ستكتفي بـ”وضع رأسها في الرمال” من أجل حل الأزمة لديها.
وأوضح خبير الطاقة المصري أن مثل هذه الأزمات من شأنها أن تؤثر على أسعار النفط والمشتقات البترولية، والتي تقفز عندما يكون هناك أي مشكلة، إلا أن الجميع بات يبحث عن مصالحه، في ظل صعوبة الاستغناء عن النفط والغاز الروسي.
تأثر أوروبي
من جانبه قال الدكتور فواز كاسب العنزي، المحلل السياسي السعودي، إن العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا امتدت أدواتها من الجانب العسكري إلى الإعلامي والاقتصادي، ويأتي موضوع الطاقة وأزمات النفط والغاز في مقدمتها، باعتبارها أهم محرك لمثل هذه الظروف.
وبحسب حديثه، تضغط الولايات المتحدة الأمريكية بقوة، وتكثف من مساعيها، لا سيما بعد زيارة الرئيس جو بايدن إلى المملكة من أجل زيادة إنتاج النفط من قبل دول الخليج لخفض الأسعار وتحقيق مصالح واشنطن وأوروبا، إلا أن روسيا عضو في منظمة “أوبك +”، وتستفيد من السياسات والأسعار القائمة حاليا، والتي تشمل كل دول التحالف المنتجة للنفط.
وأوضح أن الجانب الأوروبي بات يعيش أزمة طاقة بسبب النفط والغاز الروسي، وبدأت بعض الدول تتحدث عن إعادة تدوير من أجل تصدير الغاز مرة أخرى لأوروبا، إلا أن بعض الدول مثل فرنسا لا تزال تؤيد استمرار حظر النفط الروسي.
وأشار إلى أن الحظر الأوروبي للنفط الروسي يؤثر بشكل كبير على السوق الأوروبي والمستهلك، ويفتح المجال أمام السوق السوداء، وهو ما يضر بأمن الطاقة، المحرك الرئيسي للتنمية السياسية والاقتصادية للعالم أجمع.
كما يؤثر على النقل والخدمات اللوجستية ويهدد استمرار إنتاج المصانع، ناهيك عن التضخم في الأسعار بجميع الأسواق، لا سيما تلك التي تعتمد بشكل رئيسي على النفط والنقل، بحسب العنزي.
وأكد الخبير أن تحالف “أوبك +” سوف يستمر على نفس النهج والسياسات، إلا أنه سيظل قابلا للتغير طبقا للمتغيرات التي يفرضها سوق النفط، ما قد يدفع نحو زيادة الإنتاج بشكل تدريجي بما يخدم مصالح جميع الدول الأعضاء، مبينا أنه لا يمكن لأي دولة الاستغناء عن النفط والغاز الروسي.
مصالح عربية روسية
في السياق اعتبر أحمد سمير، عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس الشيوخ المصري، أن الأزمة الاقتصادية الحالية التي خلقتها الأزمة القائمة بين روسيا من جانب وبين الدول الأوروبية وما تفرضه من عقوبات، خلقت نوعا من محاولة الاستقطاب للدول، بما في ذلك الدول العربية لأي من الفريقين.
وبحسب حديثه، فرغم الضغوط الأمريكية والمطالب الأوكرانية، لا تزال علاقات الدول العربية متوازنة، وتبحث عن مصالحها الخاصة، والعلاقات لم تميل حتى الآن لأي جانب على حساب الآخر.
وتابع: “هناك بعض الزيارات والمحادثات التي تتم، لا سيما بعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لجدة، وحضور مؤتمر التعاون الخليجي بمشاركة مصر والأردن والعراق، وبعدها زيارة رئيس الخارجية الروسي لمصر، هناك أوجه للتعاون ومحاولة جادة لاستقطاب الدول العربية”.
وأوضح أن قرارات الدول العربية تحمل الكثير من التوازنات، وتبحث عن مصالحها المشتركة مع جميع الدول، ولا تميل لأي طرف في مواجهة الطرف الآخر، حيث تأخذ العلاقات مع الجميع الطابع الحيادي المتوازن.
ويرى أن هذه المرحلة الخطيرة، ووسط الضغوط الأوروبية لا يمكن دفع الدول العربية أو الخليجية، لا سيما منظمة “أوبك” للمشاركة في العقوبات المفروضة على النفط الروسي، باعتبار أن هذه الخطوة من شأنها أن تشعل الأجواء وتدخل العالم في جانب خطير من الصراع.
واستبعد إمكانية أن تدخل الدول العربية في هذه العقوبات، في ظل المصالح التي تجمعها مع روسيا، لا سيما تحالف دول “أوبك بلس” باعتبار أن موسكو واحدة من الدول المشاركة بالتحالف.
قالت وكالة الطاقة الدولية، أمس الخميس، إن العقوبات الغربية كان لها “تأثير محدود” على إنتاج النفط الروسي منذ بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، ورفعت توقعاتها لإنتاج البلاد في عام 2023.
Discussion about this post