كثيرةٌ هي التكهنات التي تنبّأت بأن إيران ستقايض “الصداقة” مع روسيا، مقابل الاتفاق النووي، منذ ما قبل توقيعه عام 2015. اليوم، وعلى أبواب توقيع اتفاق جديد، تعود هذه التكهنات إلى الواجهة. إلا ان موسكو التي وقفت منذ البداية ضد اللجوء إلى الخيار العسكري ضد طهران، وموقف الأخيرة من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، كأحد معالم التوافق الاستراتيجي المتعلق بمواجهة الهيمنة الأميركية، جعل من علاقة الطرفين أكثر انسجاماً وعمقاً.
في 19 تموز/ يوليو وقعت شركة النفط الإيرانية وشركة “غازبروم” الروسية مذكرة تفاهم في مجال الطاقة. وتشمل استثمار موسكو 40 مليار دولار في تطوير حقلي كيش وفارس الشمالي، وزيادة إنتاج حقل بارس الجنوبي، وتطوير 6 حقول نفطية إيرانية. وبحسب وكالة “إرنا” الإيرانية الرسمية، فإنّ هذا الاتفاق يعد أكبر اتفاقية استثمار أجنبي في تاريخ القطاع النفطي الإيراني. إذ ان موسكو تستثمر حالياً حوالي 4 مليارات دولار في القطاع النفطي الإيراني، ومن المقرر أن تزيد هذه الاستثمارات 10 أضعاف. فيما تشمل الاتفاقيات أيضاً تبادل الغاز والبتروكيماويات ومنتجات الغاز بين البلدين، إضافة لاستكمال مشاريع إنشاء الغاز الطبيعي المسال، وبناء خطوط أنابيب الغاز للتصدير.
هذا التعاون الاقتصادي الضخم الذي يأتي في مرحلة حرجة بالنسبة للدول الغربية، أثار سخط الولايات المتحدة التي بدأت تتلمس فشلاً مزدوجاً للعقوبات التي فرضتها على كلا البلدين، الذيْن استثمرا الفرصة لتعزيز تعاونهما وعلى أكثر من صعيد، خاصة المزاعم التي أعلنت هنا الإدارة الأميركية أخيراً. وفي هذا الإطار، يقول المعلق في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد إغناطيوس، من التحالف الذي يتشكل بين روسيا وإيران.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمنيين بارزين قولهم إن روسيا “بدأت باستخدام المسيرات إيرانية الصنع في الحرب الأوكرانية، وعرضت إيران المشاركة في الشبكة المالية لمساعدة روسيا على تجنب العقوبات. وربما كان الدعم الإيراني، بالنسبة لروسيا التي تكافح للحفاظ على زخم الحرب التي مضى عليها ستة أشهر، عاملاً مهما في تغيير مسار الحرب”. وقال مسؤول: “هذا ليس تحالفاً تكتيكاً”، ففي ظل رفض الهند والصين بيع أسلحة لروسيا، لربما تحولت إلى أنبوب ضخ للأسلحة والمال إلى موسكو. وقال المسؤول الأمني عن الإيرانيين إنهم “يعرفون حيل اللعبة”، ويمكن أن تعتمد إيران على البنى التحتية الموجود، وشبكة الشركات الوهمية والمؤسسات المالية الأخرى في حملة تجنب العقوبات.
وتضيف الصحيفة “سيكون الدعم المالي الإيراني لروسيا أسهل لو تم رفع العقوبات بموجب اتفاقية تفضي لإحياء اتفاقية عام 2015، يتم التفاوض عليها الآن بين واشنطن وطهران. ولكي تعزز القدرات العسكرية الروسية التي نضبت بسبب الحرب في أوكرانيا، بدأت إيران بتسليم مئات من المسيرات الانتحارية، حسب مسؤولي الاستخبارات. وربما كانت المسيرات جزءاً من طراز “شهيد” وهي بحجم طائرات “بريدتور” الأمريكية. واستخدمت إيران تلك المسيرات بنجاح في العراق وسوريا”.
ونقلت الصحيفة عن متحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي قوله: “أكمل المسؤولون الروس في الأسابيع الماضية، تدريبات كجزء من عمل نقل المسيرات”. ولاحظت أن روسيا أطلقت القمر الصناعي “خيام” الإيراني، والذي “لديه قدرات مهمة في التجسس”. ومن أجل توسيع العلاقات الاقتصادية الروسية- الإيرانية، والبناء على شبكة تجنب العقوبات، أرسلت شركة غازبروم وشركات أخرى روسية مدراء تنفيذيين إلى طهران.
وبحسب تقرير نشر في بوليتيكو، زار مسؤولون ماليون واقتصاديون إيرانيون موسكو: “بناء على ما يسميه التجار مقايضة، يمكن لإيران استيراد النفط الخام الروسي عبر شاطئ بحر قزوين الشمالي، وبعد ذلك بيع نفس الكمية من الخام نيابة عن روسيا عبر ناقلات النفط الإيرانية التي تغادر الخليج الفارسي”.
Discussion about this post