سليل عائلة لبنانيّة عربيّة مسيحيّة عريقة.. خليل مطران: كيف أصبح شيخ الرومانسيين العرب “شاعر القطرين”؟
في إحدى ليالي عام 1890 عاد شابٌّ هادئ في الثامنة عشرة من عمره إلى منزل أسرته في شارع مار جرجس بمدينة بعلبك شرقي لبنان، ليجد الرَّصاص قد اخترق جدران غرفته ووصل إلى سريره.
هذا الشاب يُدعى خليل عبده يوسف المطران، سليلُ العائلة اللبنانيّةِ العربيّة المسيحيّة العريقة، الذي حفظ شعر العرب صغيراً عن والده ووالدته الفلسطينيّة ملكة الصبّاغ، وتتلمذ في المدرسة البطريركية ببيروت على يدِ الشيخين اللغويين إبراهيم وخليل اليازجي، واطّلع على الشعر الفرنسي والفلسفة الأوروبية، كان قد كتب ونشر بعد تخرّجه قصائد مشبعةً بروح الثورة والتمرّدِ على السلطنة العثمانيّة وتقاليدها، فلمع نجمه وأثار رجال السلطان، ما عرّضه لمضايقات عديدة. أمّا بعد أن وصل الرصاص إلى السرير، فقد قرّرت الأسرة البعلبكيّة إرسال ابنها المتمرّد إلى فرنسا بعيداً من بطش العثمانيين.
هكذا بدأت رحلةُ “شاعر القُطرَين” كما لقّبهُ معاصروه (القُطران مصر وبلاد الشام)، و”زعيم الشعر العربيِّ المعاصر” كما سمّاه طه حسين، من حيِّ المسيحيين في مقابل الهياكل العملاقة في بعلبك إلى أضواء باريس التي أقام فيها سنوات اطّلع خلالها على الأدبِ الفرنسيِّ عن قرب، وصولاً إلى العاصمة المصريّة القاهرة، التي استقرَّ فيها مطلع القرن العشرين، وشارك بعمقٍ في حراكها الثقافيِّ الرائد، حتّى وفاته عام 1949.
بوصول خليل مطران إلى القاهرة، كانت مدينةً تضجُّ بحراكٍ فكريٍّ أدبيٍّ نهضويّ سرعان ما انخرط فيه الرجل الذي كان يوصف بالتهذيب والهدوء ولين الجانب، فعمل محرّراً في جريدة الأهرام، ثمَّ أصدرَ مجلّةً شبه شهريّة باسم “المجلّة المصريّة”، وهي مجلّةٌ عنيت بالأدب والفلسفة والتاريخ، قبل أن يبدأ بإصدار يوميّة “الجوائب المصريّة” عام 1903.
أصدر عام 1908 الجزء الأول من ديوانه الشعريّ بعنوان “ديوان الخليل” (وصل عدد أجزاء الديوان إلى 4 صدر آخرها عام 1949 بعد وفاة الشاعر)، وترحم مع الشّاعر المصري حافظ إبراهيم كتاب “الموجز في علم الاقتصاد” على نفقة وزارة المعارف المصريّة.
اعتزل الشاعر العمل الصحافي بعد مسيرةٍ امتدت 17 عاماً وعمل بالتجارةِ فخسرَ أمواله، ليتفرّغ للكتابة شعراً ونثراً، مواكباً حركة التجديد والإحياء ليضع اسمه كرائدِ المدرسة الرومانسية في الشعر العربيّ إلى جانب الروّاد محمود سامي البارودي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وغيرهم.
أكثر شعر مطران في المناسبات، تميّزه العذوبة المفرطة والحسيّة الرائقة، شبّهه المنفلوطيّ بابن الروميِّ في تقديم المعنى على الزخرفة اللغوية، وشبّهه معاصروه بالأخطل بين حافظ وشوقي. كان يرى أن على الشاعر أن يكون في مقدّم رجال الفكر ودعاة الإصلاح، وأن يحمل القيم التي تؤهّله للقيادة الروحيّة والعقليّة.
نشر مذهبه الشعريّ الرومانسيّ بين جيلٍ من الشعراء، منهم إبراهيم ناجي وأحمد زكي أبو شادي مؤسس مدرسة أبولو الشعريّة التي ضمّت شعراء شباباً -في ذلك الوقت- كعلي محمود طه وصالح جودت، وانضمَّ إليها مطران نفسه بلا حرجٍ من كون مؤسِّسِها تلميذه.
في عام 1938 عيّن مطران مديراً للفرقة القومية المسرحيّة في مسرح القاهرة، وأسهم في هذه الفترة في ترجمة نصوص مسرحيّة أجنبيّة، كمسرحيات “هاملت” و”عُطيل” و”تاجر البندقية” لشكسبير
Discussion about this post