مع بداية شهر أيلول دخل لبنان فصلاً خريفياً ليس بطقسه الجوي فحسب وإنما بطقسه السياسي، فوفقاً للدستور دخلت البلاد «نظرياً» في المهلة الدستورية لتسمية رئيس جديد للجمهورية يخلف الرئيس الحالي ميشال عون، إلا أنه وفق الجدول العملي لهذه المهلة لا يزال لبنان غارقاً في فضاء الفراغ وما زال هذا الاستحقاق غير مكتمل الشروط سوى شرطه الدستوري القائل ببدء المهلة، أما باقي الشروط القائلة بتسمية شخصية تتوافق عليها الأطراف جميعها وفق نظام «الطائف» حكماً ستكون شخصية مارونية، غير أن معظم هذه الأطراف الفاعلة هناك من يملي عليها قراراتها لتبدو في حالة تخبّط في صورة أبرز مميزاتها اللاقرار واللاوضوح.
إذ لا يزال معظم الفرقاء يدورون في فلك المواصفات التي يمتلكونها، بالنسبة إلى هوية الرئيس المقبل، من دون أن تظهر أيّ أسماء قد تكون عامل تلاقٍ يحول دون الوصول إلى الشغور الرئاسي، فالسمة البارزة هي التباعد فيما بينهم بدءاً من هذه المواصفات التي يريدها كل فريق والتي تتراوح بين الوسطي والمُمثل والسيادي.
في الأثناء يشهد الدولار ارتفاعاً جنونياً ما بين اللحظة والأخرى، وترجّح مصادر سياسية لـ«الوطن»، أن «ارتفاع سعر صرف الدولار هو جزء من الكباش السياسي الدائر في الوقت الراهن» رابطة ترجيحاتها تلك، بـ«عودة الاشتباك السياسي بين حركة أمل والتيار الوطني الحر، الذي طفا على السطح بعد المواقف التي أطلقها رئيس المجلس النيابي نبيه برّي في مهرجان ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه».
وأكدت المصادر أن «اللبنانيين باتوا يدركون جيداً أن جزءاً لا يستهان به من عمليات المضاربة في السوق السوداء مرتبط بالأوضاع السياسية، سواء كان ذلك مقصوداً أم عبارة عن تأثيرات يصنفها البعض في الإطار النفسي»، معتبرة أنه وفي الوقت الراهن، يجب طرح السؤال المتعلق بالمدى الذي من الممكن أن تصل إليه هذه اللعبة النقدية، وإلى أي حد ممكن أن يصل سعر الصرف في حال عدم الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة أو انتخاب رئيس جديد للجمهورية أو شغور رئاسي»؟
وأكد مراقبون أن «الشغور الرئاسي في ظلّ حكومة تصريف الأعمال هو السيناريو الأخطر، باعتبار أنه سيكون المقدّمة لأزمة نظام لا أحد يستطيع أن يتكهّن بكيفيّة الخروج منها، ولاسيّما أن الجميع يهدّد برفع سقف مطالبه في هذه المرحلة، في حين من المتوقع أن تستخدم فيه جميع الأسلحة اللازمة لتحسين الشروط».
وفي استطلاع «الوطن» لآراء الأوساط النيابية حول كيفية التصرف في حال حصول الشغور في سدة الرئاسة، كانت هناك وجهتا نظر الأولى أشارت إلى أنه «لن يستمر إلى ما بعد نهاية العام الحالي» معللة ذلك، بأن «الكثير من الجهات الدولية ستكون حاضرة للضغط على الفرقاء المحليين، علماً أن التأثيرات الخارجية في هذا الاستحقاق هي الأكبر، وخصوصاً أن توازنات المجلس النيابي لا تسمح لأي فريق بحسم المعركة، في حين التوافق بين المتخاصمين لا يمكن أن يحصل من دون تدخل خارجي».
وجهة النظر الأخرى تقول إنه «لا يبدو أن لبنان على جدول أعمال القوى الدولية المؤثرة في الساحة المحلية، في الوقت الراهن نظراً إلى انشغالها بملفات أكثر أهمية أبرزها أزمة الطاقة على المستوى العالمي، الإضافة إلى المفاوضات المرتبطة بالاتفاق النووي الإيراني»، مشيرة إلى وجود حرص على عدم تدهور الأوضاع، بدليل الاتصال الذي قام به الرئيس الأميركي جو بادين برئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد، والضغط على إسرائيل في ما يتعلق بملف الترسيم».
في المحصّلة، الأوساط النيابية جميعها تؤكد أن «المعطيات الراهنة تفرض التعامل بواقعية أكبر، باعتبار أن المطلوب لملمة الأوضاع الداخلية في الفترة الفاصلة عن بروز معالم التطورات الإقليميّة والدوليّة، من خلال الذهاب إلى الاتفاق على ما يمكن وصفه بحكومة الأمر الواقع، ولاسيما أن المخارج موجودة إنما تحتاج الإرادة لتنفيذها».
غير أن هذه الإرادة ليست متوافرة لدى معظم الأحزاب والتيارات والشخصيات السياسية في لبنان التي لا تعوّل على حركة داخلية لتمرير انتخاب الرئيس الجديد، قبل انتهاء المهلة الدستورية، بل إن معظمها ينتظر كلمة سر تأتي من بعض الجهات التي يتماهى أو يتفق معها»، وفق المصادر المطلعة.
غير أن مصادر سياسية متابعة تقول إن «الحل الوحيد للبنان هو الذهاب إلى مؤتمر تأسيسي ينقذ الجميع من أزمة النظام في حال حصول شغور رئاسي وحكومة تصريف أعمال مستقيلة».
وعلى صعيد ملف الترسيم لم تظهر أي مؤشرات إيجابية تزيل الغموض المحيط حول مصير الحدود البحرية الجنوبية، لتكون الأوساط منتظرة الزيارة المرتقبة للوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين والتي رجحت مصادر مطلعة لـ«الوطن» وصوله الأسبوع المقبل، وفي هذا الأسبوع سيتلقى الوسيط الموقف الإسرائيلي النهائي من مسألة استمرار المفاوضات وتوقيع اتفاق الترسيم وموعد استخراج الغاز.
في المحصلة، يرتفع التوتر مع حلول أيلول، الموعد الذي كان مقرراً لبدء إسرائيل باستخراج الغاز من حقل كاريش قبل أن يؤجل الموعد شهراً كاملاً، في خطوة تفسّرها الأوساط اللبنانية بأنها «محاولة لتفادي فتح الباب أمام حزب اللـه لقيامه بترجمة تهديده باستهداف منصات الغاز في كاريش وما بعد كاريش»، ليصبح شهر أيلول بورصة التوقعات بين تقدم المسار التفاوضي، وتصاعد التحدي الأمني، يرافقه رهان أوروبي لتسريع الحل التفاوضي بين لبنان والاحتلال ويبدو أن موعد 15 أيلول يشكل مفصلاً للعد التنازلي وبلورة الصورة بين الحل السياسي أو التصعيد الأمني.
المصدر: جريدة الوطن السورية
Discussion about this post