تحت عنوان “العدالة الحسينية في بعدها السياسي الدولي.. معاً من أجل المحبة والسلام” ومع رفع شعار “الإنسانية تجمعنا” عقد الجمع الثقافي الجعفري، الذي يرأسه العلامة الشيخ محمد حسين الحاج وبرعايته، مؤتمره السابع في قاعة مطعم الساحة، بحضور نخبة من الاعلاميين والأكاديميين والناشطين في مجال حقوق الإنسان والسياسيين والعاملين في ميدان الحوار والتقريب بين مختلف التوجهات الدينية والمذهبية والسياسية..
وعرّفت المؤتمر الإعلامية الأستاذة منى عيسى في لمحة عن أهداف المؤتمر وضرورة الإقتداء بالحسين عليه السلام في إنسانيته ونصرته للحق وللمظلومين في كل مكان ومع النشيد الوطني اللبناني بدأت فعاليات المؤتمر الذي كان وفق جلستين تخللهما استراحة وضيافة.
العدالة الحسينية الدولية
أدار الجلسة الأولى والتي حملت عنوان “العدالة الحسينية الدولية” الأستاذ فادي أبي علام وهو مدير حركة السلام الدائم بتحية للحضور الكريم والتعريف بأهمية العدالة الحسينية ليس فقط في لبنان وإنما في كل أصقاع العالم وأهمية المبادئ الحسينية في إحلال السلام العالمي.
كما افتتح الجلسة الأولى راعي المؤتمر ورئيس المجمع العلامة الشيخ محمد حسين الحاج عرض في كلمته الإفتتاحية أهمية العيش المشترك ونبذ الاختلاف وضرورة الإقتداء بالحسين عليه السلام كمرجعية لإحلال العدل والسلام في كل مكان شارحاً الفكر الحسيني وأهميته في إيجاد حلول لما تعانيه البلاد من أزمات مؤكداً على أنّ العبرة من مسيرة الحسين عليه السلام هي نصرة المظلوم وتحقيق العدالة الإنسانية في كل مكان، موضحاً القيم الإنسانية التي أرساها الحسين عليه السلام.
فشكلت كلمة العلامة الشيخ محمد حسين الحاج، مدخلاً هذه الحوارات المميزة، وانفتاح سماحته على اطلاق مواقف ايجابية وتقديم قراءة موضوعية شجعت على الانخراط أكثر في نقاشات موضوعية بعيداً عن التزمت والتطرف واطلاق الاتهامات او استخدام مفردات التحريض والعزل والتخوين..
وثمّ كانت كلمة للنائب الدكتور سليم الصايغ أثنى خلالها على أهمية الفكر الحسيني في نصرة المظلومين ومؤكداً على اللحمة الوطنية والعيش المشترك على الجغرافية اللبنانية وأنه من مناصري الدولة المدنية التي تحكم وفق القيم الإنسانية ونبذ الإختلاف والخلاف على المرجعيات الدينية سواء الإسلامية أو المسيحية وأن الدين المسيحي وكذا الإسلامي دين المحبة والتسامح والسلام وأن الطائفية تعرقل العدالة وتعدم المساواة وهي أبغض أنواع الأنظمة حيث تستعمل الدين والمبادئ السامية لتطبيق أنظمة سياسية ضيقة، موضحاً أهمية حرية المعتقد الديني بعيداً عن الإلغاء والتنمر ورفض الآخر.
وقدّم الشاعر الدكتور ميشال كعدي قصيدة بيّن خلال أبياتها مكانة وتوأمة فكر الحسين مع رسالة المسيح عليهما السلام.
وتلا القصيدة مناقشة قدّم خلالها الحضور بعض الأسئلة للنائب الصايغ حول ما قدّمه من طروحات في المؤتمر وكان من ضمن الأسئلة موقفه من الفتاة المحجبة وكذا موقفه من إمامة الحسين وإن كان قادراً على طرح أفكاره هذه في حزبه السياسي الذي ينتمي إليه وفي معرض إجاباته نوّه إلى أهمية قبول الآخر باختلافه وبأنه مع حرية الحجاب وأنّ موقفه هذا كان في فرنسا حيث كان هناك قرار يمنع المحجبات من التواجد في الجامعة مثلاً بزيها الإسلامي، كما أكد أن موقفه من أفكار الحسين عليه السلام وعدم التذمت الديني وقبول الآخر هو في كل مكان يعبر عن شخصه وليس فقط في حزبه السياسي، أما فيما يختص بموضوع الإمامة فأرجع ذلك إلى إختصاص بالإفتاء وليس من اختصاصه أن يتكلم في هذا الشأن.
وهنا عرض الشيخ الحاج أهمية إمامة الحسين عليه السلام وكيف أنّه حورب حتى بعد وفاته شارحاً سبب تسمية الحائر الحسيني عندما وجهت المياه على القبر فحارت حوله بدائرة حتى بات المرقد دائرياً، وأنّ “الشيعة” كانوا يستفيدون من عاشوراء لإبراز العقائد والأفكار الحسينية حيث حوربوا طيلة فترة حكم الأمويين لكنّ اعتقادهم وإيمانهم بمبادئ وأفكار الحسين عليه السلام انتصرت لهم.
البعد الاجتماعي السياسي عند الإمام الحسين عليه السلام
وفي الجلسة الثانية التي كانت تحت عنوان “البعد الاجتماعي السياسي عند الإمام الحسين عليه السلام” وأدارها الدكتور أحمد الزين بلمحة عن أهمية هذا البعد لدى الحسين عليه السلام وبأنه لم يكن مرجعاً دينياً فحسب بل كان مدرسة سياسية واجتماعية تقوم على التسامح والتعايش وتقبل الآخر.
وتحدّث النائب السابق المحامي الأستاذ غسان مخيبر عن أهمية بناء جسور بين الأشخاص والأفكار وهدم الجدران والأسوار التي يتقوقع وراءها اللبنانيون في السياسة والدين والاجتماع وإيمانه بالفكر الجعفري الأثني العشري مستشهداً بأقوال مأثورة للإمام الحسين عليه السلام مستنداً إلى سيرته في سبيل الحق والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان منوهاً إلى أن استشهاد الإمام الحسين كان في سبيل إعلاء الحق وأنه قدوة في الجهاد في سبيل العدالة المجتمعية وجميع الحقوق الاجتماعية والسياسية والإنسانية والثقافية مشيرا أن الحسين مثل مبدأين أساسيين لكل مجاهد في سبيل تحقيق العدالة المجتمعية وحقوق الإنسان، الأول الإصرار على الحق والتشبث به حتى الشهادة والثاني العمل بالفضيلة والعمل باتجاه العدالة المجتمعية” مشيرا إلى أن لبنان يعيش كربلاء اقتصادية وسياسية وأن لا حياة للشعب اللبناني سوى بزيادة وجود أئمة يقتدون بالإمام الحسين.
وثم كانت كلمة سماحة مفتي صور الدكتور الشيخ مدرار الحبال الذي تحدث عن وحدة الدين وأن الناس سواسية كأسنان المشط وأن لله وحده الحق في محاسبة الناس على معتقداته وأن لا إكراه في الدين في صورة تعكس تقبل الآخر وإعمال العقل في كل عمل.
وختم الجلسة رئيس لجنة الحوار بين الأديان في الرابطة المارونية الدكتور أنطوان نجيم الذي أكد على أهمية فكر الإمام الحسين وتوقه إلى الخير وأن الإنسان عليه أن يسعى لتحقيق الخير الذي زرعه الله في قلبه وعقله والإقتداء به مشيرا إلى أن سيرة الحسين تتميز بالقيم الأخلاقية والإنسانية وهي ذاتها التي دعا إليها المسيح عليه السلام.
ليتتميز المؤتمر هذا العام، بأنه كان يشكل مساحة حرة وساحة نقاش وحوار غير مباشر بين مختلف المحاضرين الذين اسهبوا في تقديم رؤيتهم لسيدنا الحسين بن علي رضوان الله عليه سبط رسول الله وريحانته.. كل واحدٍ تحدث من خلال ثقافته والتزامه وعقيدته ورؤيته بحرية ووضوح، مستلهمين حادثة كربلاء ومأساة عاشوراء التي ادت الى انقسام عامودي بين المسلمين..
وما اعطى هذا المؤتمر بعداً مميزاً واطلالة خاصة، هو ان جميع من تحدثوا من الدكتور سليم الصايغ الى سماحة مفتي صور واقضيتها الدكتور مدرار الحبال، مروراً بكافة المتحدثين الكرام قد استفاضوا في التاكيد على انسانية العلاقة بين كافة المكونات الدينية والسياسية وعلى اهمية الحوار كمدخل لتقريب وجهات النظر ونبذ الخلاف، والالتزام بالقوانين والاحكام والخضوع لسلطة القضاء كما اشار النائب الدكتور سليم الصايغ مستشهداً بالتزام سيدنا علي بن ابي طالب كرم الله وجهه بحكم القضاء رغم انه امير المؤمنين..
كما تميز مؤتمر هذا العام بان لا حديث عن احداث معينة ووقائع قد نتفق عليها او نختلف.. ولكن كان التركيز على اهمية الالتزام بالموقف الحق كما وقفه سيدنا الحسين، وعلى مواجهة الظلم والظالمين.. مهما كانت قوتهم وحدة جبروتهم..
وتمنى الحضور في الختام لسماحته وللمجمع الجعفري دوام التقدم وتقديم المزيد من المؤتمرات التي تقدم رؤية موضوعية وتخدم وحدة الامة والوطن، وتبعد شبح الصراعات والخلافات عن شعبنا واهلنا وامتنا.. بل وتشجع على اللقاء تحت سقف التقارب والنقاش والتفاهم والالتزام بكل ما يخدم الوطن وشعبه ومصالحه.
Discussion about this post