’’خاشقجي قُتل وقُطعت أوصاله وأعتقد أن هذا كان بأمر ولي العهد السعودي.. لن نبيع لهم مزيداً من الأسلحة، وسنجعلهم يدفعون الثمن، ونجعلهم في الواقع منبوذين كما هم’’
من تصريحات للرئيس الأميركي جو بايدن في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، أثناء حملته الانتخابية على منصة مناظرة الحزب الديمقراطي الخامسة في جورجيا
عندما لجأ بايدن إلى الرياض..
في 20 كانون الثاني/يناير 2021، حمل بايدن هذه التصريحات السلبية تجاه الرياض، تحديداً تجاه ولي عهدها، معه إلى البيت الأبيض. تصريحات لاحقته منذ تلك الفترة، إذ عاكست الأحداث الرئيس الديمقراطي ربما، جاعلةً اياه عاجزاً عن تدفيع المملكة الثمن حقيقةً، أو جعلها منبوذة على خلفية ملف “انتهاكات حقوق الانسان” انطلاقاً من حادثة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في تركيا، والتي استخدمها لمهاجمة خصمه في الانتخابات الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي تجاوز الحادثة لصالح علاقته “المميزة” بالرياض.
بلغ التراجع الأميركي (الذي بدأت تظهر ملامحه في أكتوبر/تشرين الأول2021، حيث وافقت إدارة بايدن على أول صفقة أسلحة للسعودية جاءت عقب ارتفاع في أسعار النفط عزاه، الرئيس الأميركي إلى اجراءات المملكة)، بلغ ذروته عقب بدء الصراع الغربي الروسي في أوكرانيا في شباط من العام الحالي، والذي فرض نفسه على الواقع السياسي والاقتصادي الغربي، على وجه الخصوص ملف الطاقة الذي تأثر إلى حد كبير بالعقوبات الغربية التي فُرضت على روسيا (المصدر الأساسي للنفط والغاز بالنسبة لعدد كبير من الدول الأوروبية)، وبالتالي دفعت هذه الدول إضافة إلى واشنطن ثمن ذلك إما لجهة مشكلة تأمين مصادر بديلة للطاقة، خصوصاً قبل بدء موسم الشتاء، أو لجهة التضخم اللافت الذي طال كل شيء وبشكل أساسي الفيول.
في تموز 2022، حضرت أزمة الطاقة المستجدة (وإن حاولت واشنطن إنكار ذلك)على رأس أولويات زيارة بايدن إلى الشرق الأوسط والتي كانت المملكة احدى محطاتها الرئيسية. هناك، ذكّرت صحافية الرئيس الأميركي “بأهدافه القديمة” تجاه الرياض، أحرجته، وابتسم بن سلمان.
كل القراءات لنتائج الزيارة وقتها، أجمعت على أن بايدن خرج “بخفي حنين” في ما يتعلق بمطالبته السعودية رفع مستوى انتاجها النفطي، وذلك لكبح جماح سعر برميل النفط وخفضه، إذ سجل سعر برميل خام برنت 111.5 دولاراً وقتها، وبالتالي ضرب واردات موسكو المالية التي تعاني من ثقل العقوبات الغربية وتشنّ حرباً مفصلية مع كييف لها تكاليفها. رد بن سلمان الصفعة لبايدن. لكن الصفعة الحقيقة كانت في ما أعلنته “أوبك+” عقب اجتماعها في فيينا في الخامس من تشرين الأول/اكتوبر، أي قبل شهر تقريباً من توقيت حساس وخطير للأخير: موعد الانتخابات النصفية الأميركية.
’’بات الرئيس بايدن يبدو الآن كأحمق كامل الغباء. تذكروا كيف تملق للسعوديين قبل ثلاثة أشهر، وكيف صافح بقبضة يده في الشرق الأوسط، متوسلا إياهم لكي يزيدوا إنتاج النفط’’.
المعلقة في قناة “فوكس نيوز” الأمريكية جينين بيرو
صحيحٌ أن قرار “اوبك”+ خفض إنتاج النفط، إلى مستوى هو الأعلى منذ بدء جائحة “كوفيد19” عام 2020 هو قرار جماعي، أي ليس مرتبطاً فقط بالرياض، لكن كون امتلاك الأخيرة ثاني أكبر احتياط للنفط في العالم وهي العضو المؤسس في أوبك، فلا يمكن تحليل الخلفيات السياسية للقرار بعيداً عنها، وعن روسيا ايضاً (ثالث أكبر منتج للنفط في العالم)، وبالتالي طبيعة العلاقة بينهما في هذه الفترة. وذلك على الرغم من التصريحات الرسمية التي أعقبت القرار، والتي عزته إلى أسباب اقتصادية بحتة (لا ننكرها)، إضافة إلى الهجوم اللاذع الذي شنّه وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان على مراسل وكالة “رويترز”، خلال المؤتمر الصحفي بعد اجتماع فيينا، إذ توجه الوزير باللوم على الوكالة التي رأت أن القرار هو “نتيجة محادثات روسية سعودية، ومؤامرة من الطرفين لتحديد سقف لأسعار النفط”.
فلماذا رد الأخير باستهزاء على سؤال مراسلة قناة “CNBC” “هل يستحق خفض إنتاج النفط تعريض العلاقة الأمريكية السعودية للخطر؟”، قائلاً “اليوم مشمس، استمتعوا به”؟!
إضافةً لما نقلته شبكة “سي إن إن” عن مشاركة مسؤولين رفيعي المستوى في إدارة بايدن بالضغط على مسؤولي الدول الحليفة في الشرق الأوسط، للتصويت ضد خفض إنتاج النفط.
هنا لا بد من الإشارة إلى ما ذكره سابقاً مراسل صحيفة “الغارديان” في الشرق الأوسط مارتن شولوف حول تعميق بن سلمان علاقته بموسكو، قائلاً إنه “بعد قرابة ثمانية أشهر من الغزو الروسي لأوكرانيا، وصلت العلاقات بين الرياض وموسكو إلى أوجها. وبقدر ما تضاعف دول أوروبا والولايات المتحدة وبريطانيا من محاولاتها لمحاربة الزعيم الروسي، فقد اختار الأمير بن سلمان بدلاً من ذلك تعميق العلاقات”، لافتاً إلى أن “اجتماع أوبك بلس هو أحدث خطوة في علاقة متنامية تتحدى بشكل متزايد مطالب حلفاء الرياض، ويبدو أنها تمنح بوتين الراحة في منعطف حرج من الحرب”.
علامة أخرى على تعميق الروابط بين البلدين، برأي شولوف، هي “عندما ضمن دبلوماسيون سعوديون، إطلاق سراح أسرى من دول مختلفة، بينهم خمسة بريطانيين، تم أسرهم في القتال الدائر في أوكرانيا”.
وانطلاقاً من ذلك، فإنه “بعد أربع سنوات من التداعيات العالمية لاغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، أصبح وريث العرش السعودي في خضم عودة على الساحة الدولية. وتعد محاولاته وضع المملكة كقوة إقليمية ومحرك عالمي من بين الأهداف الأساسية”.
Discussion about this post